Atwasat

لماذا.. واخواتها؟

صالح الحاراتي الإثنين 18 ديسمبر 2017, 11:33 صباحا
صالح الحاراتي

من المعلوم أن الاستفهام هو طلب المعرفة بالشيء الذي يجهله السَّائل عن طريق استخدام أدوات تُعرف بأدوات الاستفهام.
وأدوات الاستفهام عديدة وكل منها له وظيفة محددة ومهمة فى تحصيل المعرفة وهنا نستحضر بعضها وفى ظني أهمها في هذا الزمن، ألا وهي:

"كيف" و"لماذا"

كيف هذه، اسم استفهام مبني على الفتح، ويُستخدم للسّؤال عن الحال أو الكيفيّة التي تمّ بها الأمر.

ويترافق في الاهمية مع أداة الاستفهام "لماذا" التى تُستَخدم للسؤال عَنْ السَبب فى حدوث أمر ما.

علامات الاستفهام كثيرة. ولكن كيف ولماذا تحديدا من الأدوات التي يجب أن نقف عندها. لأن البحث المتأني عن الإجابة لسؤال "كيف/ ولماذا " ربما يساعدنا فى زوال تلك الغشاوة التي أسدلت على عيون الكثيرين حتى نرى أي طريق جدير بأن نسلكه في حياتنا.

للسؤال أهمية بالغة ؛ فهو مفتاح باب المعرفة وركيزة البحوث الجادة التي تستهدف الوصول إلى الحقيقة؛ وقد بنى جميع الفلاسفة والمفكرين أعمالهم على طرح السؤال للوصول إلى الإجابة، فلو لم يكن السؤال لما كانت الإجابة. فالسؤال له أهمية محورية فى كل البحوث العلمية.

إن السؤال هو عماد المناهج ومن لا يلجأ إليه لن يستطيع أن يظفر بما يبحث عنه. فالعقل العلمي أصلا يتخذ من السؤال محوره الرئيسي فلولا «لماذا» لما اكتشف نيوتن قانون الجاذبية عندما سقطت عليه التفاحة ولما اكتشف انتشاين قانون النسبية. فالمسلمات في حد ذاتها مضرة بالعمل العلمي ولا تسهم أبدا في حركيته ما لم يتدخل السؤال ليخرجها من خمولها وجمودها ويغذيها بالحركة والديناميكية.

فالسؤال هو قلب البحوث الفكرية والفلسفية والعلمية وهو الوسيلة الناجعة للوصول إلى المعارف حيث المعرفة لا توجد في المسلمات بل ترد في الأجوبة التي تتطلبها الأسئلة المطروحة.

المشكلة في مجتمعنا أننا نواجَه بالقمع منذ الطفولة عندما نوجه سؤالا إلى من هو أكبر منا ويتم ذلك غالبا تحت ذريعة العيب والحرام.

ونظامنا التعليمى تلقيني الهوى ولا يدعم ملكة التفكير النقدي.

علينا أن نؤمن بالأسئلة ونتقبلها ونقبل عليها لننهض ونتحرك... ما أعظم السؤال.. فالتفكير أصلا ما هو إلا طرح أسئلة والرد عليها.

إن الكلمة الافتتاحية في أسئلة التفكير العليا هي "لماذا"؟. والإجابة عنها تتطلب تحليلا وتصنيفا واستنتاجا.

الخروج من مستنقع الخرافة يحتاج إلى التفكير العلميّ؛ وذلك لا يعني تفكير العلماء بالضرورة، أى التفكير فى جملةٍ من العلوم والنظريّات والحقائق العلميّة، التي قد لا يعرفها سوى المتخصّصين، بل إنّ ما نودّ الحديث عنه هو ذلك النوع من التفكير المنظّم، الذي يمكن أن نستخدمه في شؤون حياتنا اليوميّة، علاقاتنا مع الناس، وفي حلّ المشاكل التي تواجهنا في كلّ يوم.

وهنا تبرز أهمية "التساؤل" بما هو العنصر الأول من عناصر التفكير العلمي. فالعقليّة العلميّة ترتكز على وتهتم بالسؤال، وتعتبره واحدًا من أهمّ مرتكزاتها على الإطلاق، وتعطيه أهميّة قصوى لأنّه الأسلوب الذي يمكّن الإنسان من تمحيص كل ما يمر عليه من المسلّمات التي نعتقد بها بقوّة.

السؤال يضعنا أمام أنفسنا وقناعاتنا وما دليل صحتها؟

والتشكيك ليس مطلوبًا لذاته (كما أنّه مرحلة على الطريق، وليس مذهبًا في الفكر)، بل هو مطلوب لما يحقّقه من غربلة للمعتقدات القديمة الموروثة، التي قيل لنا (من الآباء والأجداد والكتّاب والمشايخ الخ) أنّها صحيحة، وأنّ الأمة أجمعت عليها، وأنّها القول الفصل، ومراد الله من العباد.

إنّ التشكيك منهج في التعامل، يضعنا أمام عملية بحث طويلة، واستكشافٍ عميق، لنرى في نهايته صدق القناعة التي بدأنا بالتشكيك بها، أو كذبها، أو لربما أدخلنا عليها تعديلًا ما، قلّ أو كثر.

كلّ مجتمع يجد نفسه أمام موروث قديم يتسم بالبداهة والتصديق السريع، ولو نظرنا إلى واقع هذا المجتمع، لوجدناه مثالًا واضحًا على التخلف والجمود، ووجب القول بأنّ بنيته التحتيّة (الأفكار، المعتقدات، الآراء المتبناة، المقولات الشائعة) بها خلل يتناسب مع تخلف الواقع، ومن هنا تأتي أهميّة السؤال لكونه معولًا هدّامًا لكل الخرافات والمقولات غير الصحيحة، التي تعيق التقدّم والنهضة والرقيّ.

علينا أن نكتسب مهارة الفضول العلميّ، القائمة على التساؤل والشكّ، بحثًا عن الحقيقة، وإخلاصًا لها، وهذه أولى خطوات المنهجيّة العلميّة في التفكير التى أساسها الأول علامة الاستفهام التي تساهم فى كشف تلك العبثية التى نعيشها وفضحها بشكل صريح ومباشر وتفنيد جذورها وأدواتها وبواعثها وشخوصها بتساؤلات عقلانية بدلا عن التشدق بالشعارات الهلامية وتناقض المواقف وتناقضية الأهداف والمصالح والأهواء.

ويبقى السؤال المهم والكبير والذى إجابته تحتاج الى الكثير..

لماذا بقينا متخلفين بينما تقدم غيرنا؟