Atwasat

التعويضات البريطانية.. إلى أين ستقود؟

عطية صالح الأوجلي الثلاثاء 06 مايو 2014, 08:30 مساء
عطية صالح الأوجلي

 نشرت صحيفة التلغراف اللندنية في عددها الصادر يوم الثالث من مايو 2014 خبرًا عن بدء حملة لإقناع ليبيا بدفع تعويضات لضحايا التفجيرات التي كان يقوم بها الجيش الجمهوري الأيرلندي داخل بريطانيا بحجة أن النظام السابق كان يمول هذه الهجمات.

هذا وقد قام رئيس الوزراء الإنجليزي دايفيد كاميرون بتعيين مستشاره الأمني كيم داروخ لإدارة هذه المساعي الرامية لإقناع السلطات الليبية بالموافقة على دفع التعويضات.

وكانت صحيفة التلغراف قد سبق وأن نشرت تحقيقًا بينت فيه كيف نجح رئيس الوزراء الأسبق توني بلير في التوصل إلى اتفاق مع القذافي نتج عنه تعويض الضحايا الأميركيّين لهذه الهجمات بالملايين من الجنيهات الاسترلينية، بينما لم ينل الضحايا البريطانيون أي تعويض حسب ما ذكرت الصحيفة. إن صحت تقارير هذه الصحيفة فإن المطالبة بالتعويضات على أفعال وأعمال النظام السابق ستثير العديد من التحديات للحكومة والشعب الليبي وستطرح تساؤلات عدة، ليس فقط عن غاياتها وتوقيتها وتبعاتها، وإنما أيضًا عن مشروعيتها وذلك للأسباب التالية:

أولاً: لأن الشعب الليبي لا يمكن اعتباره مسؤولاً عن سياسات الطاغية. فهذا الشعب لم يقم بانتخاب أو اختيار هذا النظام، والنظام بدورة لم يستشر أحدًا في تطبيق سياساته.

ثانيًا: إن إطاحة نظام القذافي تمت بقرار أممي وباتفاق دولي على أنه نظام مارق وخارج على القوانين والأعراف الدولية وهو ما يعتبر مبررًا كافيًا للتحلل من الآثار القانونية والالتزامات المالية المترتبة على هذه الخروقات والتي دفع الشعب الليبي ثمنًا باهظًا لها. فكيف يدفع الشعب الليبي تعويضات عن سياسات هو غير مسؤول عنها...؟ وكيف يدفع وهو المتضرر الأكبر من هذه الخروقات..؟

ثالثا: كيف يمكن اعتبار النظام الليبي طرفًا في اقتتال داخلي ببريطانيا العظمي يرجع إلى مئات السنين ولم تكن ليبيا طرفًا فيه إلا لسنوات محدودة ولم تكن وحدها. ولماذا يتم استهداف ليبيا بطلب التعويضات وليس الجيش الجمهوري الأيرلندي الذي قام بهذه التفجيرات على سبيل المثال. وهل ستقوم بريطانيا بدفع تعويضات للكاثوليك وللأيرلنديين عن معاناة سنوات الحرب... ؟

رابعًا: يمكن للشعب الليبي أن يطالب هو الآخر بالعديد من التعويضات لسياسات الدول الغربية والتي أدت إلى حدوث أضرار جسيمة في الأرواح والممتلكات بدءًا من ألغام الحرب العالمية الثانية وحتى دعم السياسات القمعية لنظام القذافي من قبل شركات وجهات غربية قدمت له المعلومات والتدريب والأسلحة والاستشارات.

خامسًا: إن الحكومة الليبية الراهنة هي حكومة موقتة وليس من صلاحياتها البت في قضايا من هذا النوع، وبالتالي يجب تأجيل النقاش في مثل هذه القضايا حتى استكمال بناء الدولة الليبية وقيام مؤسساتها الدستورية.

أخيرًا، إن التعاطي مع مثل هذه القضايا يجب أن يتم بعقلانية وبروح مسؤولة وبحنكة بالغة وطبقًا لنصوص وروح القانون الدولي. لذا يجب على الدولة التسلح من الآن بالعلم والمعرفة والتخطيط الفعال والاستشارات الدولية لكي تجنب البلاد الوقوع في استنزاف لثرواتها لن يكون الطرف البريطاني هو آخر أطرافه.

فحماقات النظام السابق وجرائمه قد طالت العديد من الشعوب والدول وإذا ما رضخنا للمطالبات المالية في قضية واحدة فسنفتح بابًا للاستنزاف سيكون من العسير علينا إغلاقه.