Atwasat

ركن العامرية..الإرهاب.. (7/2)مفاهيم عن الإرهاب

فدوى بن عامر الثلاثاء 07 نوفمبر 2017, 08:49 صباحا
فدوى بن عامر

أوردنا في المقالة السابقة أن هناك خمسة مفاهيم عن الإرهاب متداولة بين الناس. المفهوم الأول هو شبه الإجماع بأن الفقر سبب الإرهاب فهو يولِّد في نفس الشاب على وجه الخصوص الكثير من الغضب فيلجأ لإلقاء اللوم على حكومة بلده لعجزها عن تحسين ظروفه، وبالتالي من الممكن الوقوع في مصيدة الإرهاب. في الحقيقة إن الكثير من الأبحاث العلمية لا تدعم هذا الرأي وتذهب بالقول إنه لا علاقة حقيقية بين الفقر والإرهاب كأبحاث جيمس بيازا وأعتقد كروجر وماليكوفا القائلة بوجود علاقة غير مباشرة بين الفقر والتعليم والإرهاب إلا أنهما رجعا عن اعتقادهما من خلال أبحاثهما. وهنا أطرح سؤالا وهو ماذا عن البطالة، هل لها دور في النزوع للإرهاب؟. سنحاول الإجابة على هذا السؤال في المقالة القادمة.

وأما المفهوم الثاني فهو معاناة الإرهابي من اضطرابات نفسية وخصوصًا بالنظر في أحوال الإرهابي الانتحاري. وهنا تجدر الإشارة للفارق الكبير بين انتحار الإرهابي مصطحبًا معه عشرات أو مئات الأرواح والمجرم قاتل أطفال المدارس كالتي شهدت تفاصيلها الولايات المتحدة، والمريض نفسيًّا الذي يقدم على الانتحار بأخذ حياته بيده كتلك الحوادث التي انتحر فيها العديد من الأشخاص في الشرق الليبي وتحديدًا مدينة البيضاء. يكمن الفارق بين الأنواع الثلاثة في الدافع لكل منها فالإرهابي يقوم بالفعل الإرهابي كوسيلة لبلوغ غاية سياسية فلا جنون أو اختلال عقلي أو نفسي إذًا في الأمر كما في الحالتين الأخريين وإنما هو التفكير بمنطق الإرهاب، إن جاز التعبير.

وأما جيرالد بوست وهو عالم نفس وباحث في الاٍرهاب فيقطع بعدم وجود أية اضطرابات نفسية عند الإرهابي، كلماته كما ترجمتها "هم لا يعانون من الكآبة كما لا تشوهات عاطفية بليغة لديهم ولا هم بالمجانين فالمجموعات الإرهابية في العموم تعمل دائما على التخلص من المرضى النفسيين لأنهم يشكلون خطرًا أمنيًا على المجموعة"!. وقد وافقه الباحث لويس ريتشاردسون بقوله "أثبتت الأبحاث أنه لا علاقة بين الظاهرة الإرهابية والسلوك النفسي للإنسان". ولكن هذا لا ينفي بالطبع وجود بعض المرضى النفسيين داخل المجموعات الإرهابية.

ويعتقد الباحثون جزئيًا بصحة القول إن الإرهاب يزداد عنفًا ووحشية، فقد كانت أعداد القتلى وحتى عام 2014م في ازدياد أحيانًا وانخفاض أحيانًا أخرى ولكن الوضع بعد ذلك تغيّر قليلًا حيث أنه لازالت أعداد القتلى بعد 2014م كما هي قبله لكن أعداد القتلى للحادثة الواحدة في ارتفاع مما يحيلنا للقول بانخفاض عدد العمليات بعد تلك السنة عما قبلها.

وأما المفهوم الرابع الشائع وهو أن الإرهاب موجه بالدرجة الأولى ضد الغرب كما صرّح بذلك بن لادن وعدد من السياسيين الغربيين ولكن إن نظرنا حولنا فسرعان ما تطلّ علينا الحقيقة التعيسة بطريقة بليدة للغاية فالمنطق السليم يقول أنه إن كان هذا الحديث صحيحًا فيتعين إذًا أن تكون الدول الغربية هي المتضرر الأول من العمليات الإرهابية ولكن لغة الأرقام تفند هذا الافتراض وتوضح أننا نحن في الدول العربية والإسلامية أكثر المتضررين من أعمال العنف حتى أن روسيا التي نالت من الأمر نَصِيبًا كانت إصاباتها في المناطق القوقازية أي مناطق المسلمين الروس!

يتعين علينا إذًا تُجرّع مرارة الحقيقة، فالمسلمون هم من يموتون في كل مرة فكما وضحت أرقام منظمة START فإن 75% من أعداد قتلى الإرهاب في العالم يحدث في خمس دول هي العراق، أفغانستان، نيجيريا، سوريا وباكستان، وباستثناء نيجيريا ذات الأغلبية غير المسلمة فالأربع دول الأخرى ذات أغلبية مسلمة.

والمفهوم الأخير المعتقد بصحته متعلق بنجاح ظاهرة الإرهاب. وانطلاقًا من تعريف الإرهاب الذي هو "وسيلة لبلوغ غاية سياسية معينة" فالنجاح إذًا لا يكون إلا ببلوغ غايته السياسية ولكن كيف يتم تقرير ذلك؟. أهو بقتل أكبر عدد من الأبرياء وما هو ذلك العدد أم يكون النجاح بإدخال الرعب لقلوب الناس وكيف يُقاس ذلك إحصائيًا؟. في المقابل قد يكون مقياس النجاح باستمرار حياة الجماعة الإرهابية وفرارها من قبضة العدالة.

غالبية من أبحر في هذا المخاض بحسب بيكر قد قارن بين الغاية السياسية المعلن عنها من قبل الجماعة الإرهابية بما وصل إليه الحال، في ذات الوقت يرى بيكر بوجوب معاينة مستوى الرعب الذي أحدثته الجماعة الإرهابية في نفوس الناس كذلك لا نغفل عن مقدار التغطية الإعلامية التي حظيت بها الجماعات الإرهابية والتي ربما ساهمت في ازدياد "شعبيتها" أو أسهمت في ارتفاع نقمة الناس عليها. وأما الباحث ابراهمس فقد خلص بعد معاينته ودراسته لثماني وعشرين جماعة إرهابية إلى أن نسبة المجموعات الإرهابية التي حققت غاياتها لا تتعدى 7% وقد بين ماكس بلغة الأرقام التي تأنف الكذب أن المجموعات الإرهابية التي تقتل المدنيين بأعداد أكبر من أفراد الجيش قد فشلت فشلًا ذريعًا في تحقيق أية غايات سياسية. ومن هنا يمكننا القول بحسب بيكر بفشل المجموعة الإرهابية بلوغ غاياتها بمجرد الشروع بالهجوم على المدنيين.

وأما بول ويلكنسن وهو باحث آخر في الجماعات الإرهابية فيقول بعدم رصده لجماعة إرهابية واحدة تحصّلت على غاياتها السياسية في ذات الوقت رصد الباحث براين جينكس التطور التكتيكي والاستراتيجي للجماعات الإرهابية ليؤكد لنا على ملاحقة الفشل لكل الجماعات الإرهابية لبلوغ أية غايات بقوله "ينجح الإرهاب في قتل الناس ونشر الفزع بينهم ولا ينجح الإرهابيون في الحصول على أي من غاياتهم السياسية". فالقاعدة على سبيل المثال كانت قد صرحت بأهدافها وهي تأسيس حلم الخلافة الإسلامية والقضاء على الأنظمة غير المسلمة وبالنظر لغاياتها يتبين لنا مدى إخفاقاتها فهي لم تنجح إلا في قتل الناس وبث الرعب في الأحياء وحتى الخوف فإنه يخفت ويخبو كما أكد بيكر بالأرقام في أحد أبحاثه.

يتعين علينا لفت الانتباه إلى أننا نتناول ظاهرة الإرهاب المؤسس على آيديولوجية دينية على وجه الخصوص. وعند الحديث عن هذا النوع من الإرهاب فمن الضروري محاولة فهم دوافع من يقوم بالفعل الإرهابي لاسيما وقد بينا ضعف ما كان يُعتقد بصحته من مفاهيم شائعة الشيء الذي من شأنه ربما مساعدتنا على رصد المنطق الذي تجري به الأحداث الإرهابية وبقولي منطق الإرهاب فهذا بطبيعة الحال ليس تبريرًا للفعل الإرهابي بقدر ما هو محاولة لفهم الدافع الذي يكمن وراء الإنسان لقيامه بالفعل الإرهابي الذي قد يودي بحياته وحياة الكثيرين غيره والذي سنناقشه في المقالة القادمة.