Atwasat

صـفقـات على حساب الـوطن

وئام قشوط الإثنين 30 أكتوبر 2017, 09:06 صباحا
وئام قشوط

رغم كل الرؤى المختلفة حول نجاح خارطة طريق المبعوت الأممي الدكتور غسان سلامة من عدمها، إلا أن على الجميع النظر إلى ما كان الحال عليه قبل بدء مفاوضات 2014: حرب لاترحم ، مطارات وخزانات وقود تشتعل ولا سبيل لإطفائها .

اتفاق هش
سلسلة من الإجراءات الدبلوماسية بدءا من تقريب وجهات النظر مرورا بتدخل بعض الدول بالمساعي الحميدة لحل النزاع انتقالاً الى التوفيق والوساطة، لنصل بذلك لاتفاق الصخيرات النهائي. لم يكن ذلك الاتفاق مثاليا. كان أقرب مايكون إلى اتفاق سلام هش بالنظر لتعقيد المشهد.

كانت مخرجات حوار الصخيرات المبرم في 15ديسمبر 2015 بداية العمل السياسي بعيداً عن ساحات القتال. ومن ليون إلى كوبلر وصولاً إلى الدكتور غسان سلامة الشخصية الأكاديمية التنفدية بذات الوقت، بحكم توليه وزارة الثقافه اللبنانية 2000-2003 - لبنان التى عاشت حرباً أهلية طائفية طاحنة لاتزال آثارها على أبنية بيروت إلى يومنا هذا.

يعتبر غسان سلامة، مقارنة بسابقيه، شخصية أكثر وضوحاً من حيث استراتيجات العمل والخطط البديلة، كذلك مهنياً يبدو أكثر حزماً دون تهاون مع جماعات الضغط والأورقة، لما يحدثونه من تشتيت وتحييد لجوهر الحوار واستباق للأحداث. لكن يبقي ذلك عسيرا فيما يخص تدخل المبعوثين الدبلوماسين فى ليبيا.

تتسم خارطة الطريق بمراحل ثلاث محكومة بجدول زمني، لربما تتعداه، خاصة فى جولات الحوار والتصديق لاحقاً. الأجواء عموماً تبدو مثالية، ولكن بالنظر لجوهر التفاوض نلاحظ حقيقة المناخ المشحون بالتجاذبات وتغليب مبدأ المنتصر والمهزوم، الأقوى والأضعف... وهذا أفق ضيق جداً للتواصل الفاعل على طاولة الحوار، سيجعل من المفاوضات عبثية طويلة الأمد، كما لو كانت اتفاقية تشابولتبيك السلفادورية للسلام.

التعقيد جلي فى عدم قبول مجلس الدولة لكتلة 94 التي ترى أنه تم تهميشها وإقصاؤها بعدم إشراكها في جهود الحوار، وهو اعتراض مشروع.

مع انتهاء الجولة الثانية التي لم تحرز أي تقدم فيما عدا رصد نقاط الاختلاف والتوافق، واستمرار الخلاف على بعض المواد وخاصة المادة الثامنة، باعتبار ذلك التعديل من الثوابت حسب تعبيرهم. التعقيد جلي فى عدم قبول مجلس الدولة لكتلة 94 التي ترى أنه تم تهميشها وإقصاؤها بعدم إشراكها في جهود الحوار، وهو اعتراض مشروع.

كذلك مسألة الخلط بين السلطات التشريعية والاستشارية، وتجزئة السلطة التشريعية بتدخل المجلس الأعلى للدولة الذى يعتبر مؤسسة تنفيذية وهيئة استشارية كأنه بذلك غرفة برلمانية عليا، وخلق جسم موازٍ للهيئة التشريعية، بعيدا عن مفهوم التوازن والتعاون بين السلطتين، أمر غير مسبوق فى كل أنظمة الحكم ، وهو فرض الوصاية على السلطة التشريعية ومحاولة لتوسيع فرص المحاصصة بتقلد المناصب وتحقيق كتلة غالبية تتفرد بالقرارات.
ومن خلال التأمل الجيد وتحليل معطيات وخطوات بعض المكونات السياسية والشخصيات، يتضح حجم التراخي و غياب الإرادة لتعديل الاتفاق بما يسهم ببناء دولة مدنية ديمقراطية تقوم على التعددية، واتخاذ خطوات متقدمة نحو الاستفتاء الدستوري والشروع بانتخابات عادلة ونزيهة.

يمكن القول الآن، وبثقة، أن ما نشهده هو مناورات سياسية سعيا إلى تحقيق صفقة لتنصيب بعض الأسماء المستهلكة وغير الفاعلة بعالم السياسية، أو بحثا عن مصالح ومنافع شخصية. قلة فقط تتوافر لها النوايا الوطنية الحقيقية، لكن فاعليتها محدودة جدا.

فشل ليبيا في الانتقال من حالة هذه الفوضى ستضرب آثارها دول الجوار وكل المنطقة وتصبح ليبيا تشكل بؤرة اضطراب بين أوروبا وأفريقيا.

هذا الاستنزاف لكل الوسائل الدبلوماسية والسياسية الممكنة لقيام دولة القانون والعدالة سيجعل من ليبيا دويلات ميليشاوية تتحول إلى مافيات همها التربح على حساب الاستقرار والوحدة الوطنية، ولربما ينبغي على المجتمع الدولى متمثلا في هيئة الأمم المتحده اتخاذ ما يلزم من تدابير لإضعاف هذه التكتلات والمكونات السياسية المستندة إلى أذرع عسكرية، على غرارما حدث في اتفاقية كولومبيا وذلك بنزع السلاح بإشراف الأمم المتحدة.

بوجود هذه التيارات المؤدلجة ذات الأجنحة العسكرية داخل المشهد السياسي قد تفشل خطة غسان سلامه وتفشل أي مفاوضات قادمة من أي مبعوث، ونعود لهمجية الحرب الأهلية التي لاترحم أحدا، وهو أمر غير مستبعد.
إن فشل ليبيا في الانتقال من حالة هذه الفوضى ستضرب آثارها دول الجوار وكل المنطقة وتصبح ليبيا تشكل بؤرة اضطراب بين أوروبا وأفريقيا.

خارطة الطريق لن تكون بالسهولة المتوقعة. لكنها ليست مستحيلة، ولايخفى عن المتابع أن طول المدة يحدث برغبة بعض الأطراف، وخاصة المؤدلجة، لأنه يمكنها من إبرام صفقة تتفق وأجندتها السياسية يكون الوطن الخاسر الأكبر فيها.