Atwasat

غسان سلامة الساحر

أحمد الفيتوري الثلاثاء 26 سبتمبر 2017, 10:02 صباحا
أحمد الفيتوري

أكتبُ في أجواء دراماتيكية، عاصفة ما بعد الربيع العربي: ما بعد عودة حالة الهجرة العابرة للقارات كما في العالم القديم، وتسوير الحدود كما بناء القلاع حول المدن في العصور الوسطي، ما بعد ذلك حالة فوضى وجنوح إلى عالم الدويلات، في الساعة يتم بدعمٍ أمريكي الاستفتاء لأجل انفصال كردستان العراق - ما سيعقبهُ كردستان سوريا- لإقامة دولة الكردستان الحلم الذي طال تحقيقه، وقبله حقق "جنوب السودان" إعلان الدولة بالاعتراف الدولي المسبق، ما عنى أن الحكم الإسلامي في السودان والعراق قد أنجز مهمة تاريخية كانت عسيرة المنال!.

أجواء الانفصال تلوح في المنطقة
لكن في جانب آخر فإن "كتالونيا" الأسبانية تُعاند لأجل انفصالها، كما أن "إخوان" فلسطين "حماس" يتراجعون عن انفصالهم في "غزة" ما تم عام 2008، ويجنحون إلى تطبيق اتفاق القاهرة الذي وقع عليه بالأحرف الأولى عام 2011م. وفي هذه الأجواء الدراماتيكية يتم إعلان تحلل واضمحلال "دولة الخلافة الإسلامية" أي أُفول "كذبة داعش"، لكن في نفس اللحظة يعلن عن العودة الميمونة للقوات الجوية الأمريكية في أجواء ليبيا لتوجيه ضربات جوية لقواعد "داعش"، ما أعلن قبل موتها تعود كما العنقاء.

هذه الأجواء الحُبلى بالمتوقع اللا متوقع المهيمنة في عالم ما بعد الحداثة التفكيكية تجتاح العالم كما عواصف مكثفة ومضطرمة تحت غطاء عولمة انغلاقية رجعية تنشغل بتسوير الحدود، فتكون فيها الأمم المتحدة أمما متشرذمة وبيروقراطية، ولكنها بعجزها هذا تكون أكثر فاعلية في عالم يتغير ليس له من طوق نجاة محل، في عالم قديم ينهار وعالم جديد لم يبَن بعد تكون الوسائل القديمة هي الوسائل المتوفرة. ولهذا مثلا ظهرت الأمم المتحدة على السطح مؤخرا كما الساحر، في لقائها السنوي في سبتمبر 2017م، كان منبرها مرسما لخرائط طريق ومسبارا للانعتاق من كوابيس، فيتم الاستنجاد بهذه المؤسسة العجوز لكبح جماح الثوري الكوري الأهوج والرجعي الأمريكي الأرعن أو كما يقال، في هكذا حال تجيء المسألة الليبية كمن يزيح حرجا عن عالم صابه جنون البقر وليس من مفر ظاهر من الغي...

المسألة الليبية في الأمم المتحدة
المسألة طوق النجاة في أمم متحدة تغرق وعلها لذا نالت السبق في أروقة هذه السفينة، دول كبرى وأخرى في فلكها تقتطع الجزء المتيسر من الوقت الأممي لتغوص في درس ليبيا البلاد التي توفر الحل في عالم يتأزم، وهناك إجماع أممي على أن المسألة الليبية على الطاولة توفر مكنة الفوز بحل في عالم ينغلق عن الحلول.

جاءت خارطة طريق الأمم المتحدة لليبيا كما حل ممكن بإجماع الدول التي تدارست هذه الخارطة وأيضا الدول التي دعمتها كما الولايات المتحدة

لذا جاءت خارطة طريق الأمم المتحدة لليبيا كما حل ممكن بإجماع الدول التي تدارست هذه الخارطة وأيضا الدول التي دعمتها كما الولايات المتحدة، وكذلك كان رد فعل جلَ الليبيين، إذا هناك وفاق دولي ويمكن القول إقليمي بالتبعية لقي استقبالا محليا غير مسبوق وهكذا جنوح للسلم ما بعد سكت المدافع يجعل من خارطة طريق الأمم المتحدة كما نقض جدلي لـ "اتفاق الصخيرات" الذي ولد خديجا، هذا النقض الإيجابي مما يعنيه الخروج من لعبة الأمم التسويفية التي دار رحاها لعامين عساف على الليبيين وتنافس مدمر بين الأطراف الدولية والإقليمية على نفوذ في علم الغيب.

بهذا فإن هكذا خارطة منقذ من الضلال لكل الأطراف وطوق نجاة ليبي توفرها المسألة الليبية للأمم المتحدة وبردا وسلاما لليبيين، وليس الخارطة عادة بما تحتويه من بنود عادلة ومستوفية للشروط بل بما توفر من ممكن للإنجاز ودعم موكد لهكذا إنجاز ممكن وخارطة الأمم المتحدة لليبيا تبدو أنها الخارطة الساعة التي ممكنة الإنجاز، ورغم أن البعض رأى قصورا فيها أنها لم تلم بالتفاصيل حيث يكمن الشيطان أو كما يقال، لكن علَ معيوبها هذا فضلة لها، فضل كي لا تغوص كخارطة في تفاصيل خرائط خصوصية ينتجها الحوار والإجراء ويتم رسمها من وعلى الأرض.

هذه الخارطة الأممية تلزم الليبيين بأن يُجمعوا على التوجه للأمم المتحدة بأن تُولي الدور الدولي والإقليمي الاستحقاق اللازم من أجل جعل خارطتها حقيقة على الأرض

الجميع الساعة يوكد على الدور الليبي لتحويل المشروع الأممي للسلم المجتمعي وبناء الدولة الليبية أن الأساس تنفيذ الخارطة، والجميع يسكت عن دور الداعم الدولي والإقليمي لهذا الطرف الليبي أو ذاك هذا الدعم الأكسجين للانفراط، وعليه فإن هذه الخارطة الأممية تلزم الليبيين بأن يُجمعوا على التوجه للأمم المتحدة بأن تُولي الدور الدولي والإقليمي الاستحقاق اللازم من أجل جعل خارطتها حقيقة على الأرض، هكذا توجه يبين جدية أي طرف ليبي من أجل ليبيا أولا، وهكذا دور يُزيح غبنَ الحرب الأهلية المعتاد ما يشرذم البشر ويجعلهم كما الغريق يمسك بقشة هويته البدائية التي تهيمن فيها الذات فيضيق الأفق عن مصلحة الذات الاجتماعية فالوطنية.

وأعيد التوكيد أن إدراك المصلحة الليبية لليبيين هو ما سيعتقهم من أسر الآخرين ومن نفوذهم ومصالحهم الآجلة. وهناك جيب في الثوب الليبي لا يرى أبعد مما يدخله من مصالح آنية، هذا يمزقه ويذهب بريحه التكتل الأوسع ذو الأغلبية حيث لا إجماع مطلقا في أي فعل بشري، وهذا ما يحق الإجماع حوله ودونه لا مخرج بل الرمال المتحركة التي تعني أن في حركة الغرق. وليس هكذا أمر موكولا بفئة ما فالليبيون جميعا منحازون لطرف ما حتى أن المحايدين منحازون لبقاء الحال على ما هو عليه. وفي الختام العالم بأجمعه بحاجة لجرعة حلٍَ في وقته المسدود هذا، الليبيون كما يرى الكافة قادرون على فعل المستحيل الممكن هذا.