Atwasat

حديث السكن والألفة التوافه مرة ثانية

حنان عبدالرحيم الثلاثاء 19 سبتمبر 2017, 09:02 صباحا
حنان عبدالرحيم

9- التوافه مرة ثانية

الممثلة الأميركية (شيرلي تمبل) التي أصبحت نجمة في هوليوود وهي ما تزال طفلة، وهي مغنية وراقصة ومؤلفة وشاركت في 40 فيلما قبل بلوغها سن الثانية عشر. وهي سفيرة أمريكية سابقة في غانا وتشيكوسلوفاكيا، ثم مندوبة للولايات المتحدة الأمريكية في هيئة الامم المتحدة رحلت سنة 2014 بعد حياة حافلة وزوجة مثالية، تواصلت 85 عاما، وتعد من أفضل 50 "أسطورة" في السينما الأمريكية، ولعلها الوحيدة التي استلمت جائزة الأوسكار التي تمنح لتفوق الطفل في التمثيل فهي بطلة فيلم (هايدي) الذي استوحوا منه مسلسل هايدي الكرتوني، الذي ما زلنا نتذكر حلقاته الآن بعدما صرنا جدات. لقد تزوجت مرتين، وخلفت وراءها ثلاثة رجال كانوا يوما ما ثلاثة أطفال وبالتأكيد سعداء.

لقد أشاد الرئيس الأميركي فرنكلين روزفلت ذات يوم بـ"تفاؤلها المعدي"، ولقد سئلت ذات يوم عن سر سعادتها الدائمة، فقالت أنها سمعت من زوجها أنه سأل والدته السعيدة جدا في زواجها، عن أسعد لحظة في حياتها، فأجابته على الفور: "الآن" فقال لها: "كنت أعتقد أنه يوم زواجك من أبي" فأجابته: "نعم تلك أيضا أسعد لحظة في حياتي.. يمكن للمرء أن يبتهج بكل لحظة من لحظات حياته إن عرف الزاوية التي يرى منها تلك اللحظة.." يقولون أنها كانت دائمة السعادة.

عندما يخطط الزوجان لمشاريعهما المستقبلية ينسون تماما اللحظة التي يخططون فيها. وبالطبع هناك تخطيطات قد تكون مقلقة للزوجين كالإنجاب، أو تربية الأطفال، أو رحلة ما، وشراء بيت أو مزرعة. وهذا شيء طبيعي ولكن لا ينبغي أن يحرمك من اللحظة التي تعيشها. هذا بالطبع لا يعني عدم التخطيط للمستقبل، لأن الزوجين اللذين لا يخططان للمستقبل يتجهان بالضرورة إلى كارثة مالية أو عاطفية، تماما مثلما ينسيان بهجة اللحظة وفرحة اليوم. ومرة أخرى نجد نصيحة ديننا الرائعة: "خير الأمور الوسط"، فلا تنسَ الحاضر، ولا تترك المستقبل. أنه من الحكمة أن تخطط للمستقبل ولكن من البلاهة والغباء أن تعيش في أحلامه، فقد تحقق حلمك بمزرعة نموذجية وتنفذها ولكن عندما تحقق ذلك تكون قد فقدت مرونة ركبتيك وبالتالي ستقضى يومك سجين غرفتك أو على الأكثر ساحة البيت، ترى الأشجار المثمرة ولكنك لا تستطيع نيلها فيحق عليك القول: "عوينتك تحقها ويديتك ما طقها". الحل هو أن تستمتع بالحظة وتخطط لحلمك لا أن تعيش من أجله فقط، ومعيشتك اللحظة لا تعني مطلقا: "اصرف ما في الجيب يأتِ ما في الغيب".

ولا ينبغي أن تقارني، بل دعيني أكون أكثر دقة يا سيدتي وأخاطبك أنت: "لا تقارني نفسك، مع أي آخرين، كأن تقولي كيف كان حال جارنا، ثم فجأة تغير الحال، وصار الثراء واضحا، فقد يكون ذلك سببه، لا قدر الله، حالة "فساد" كأن يستغل وظيفته أو ظروف مجتمعه؛ ذلك بالتأكيد يمكنه من الحصول على كل ما يشتهي، ولكنه بالتأكيد سوف يفقد ذاته، ولا خير فيمن يفقدها، لأنه إن فقدها سوف تفقدينه، تفقدين السكن والألفة.

الحياة جميلة ولكنها أقصر مما نتصور، وهي في الواقع محسوبة بالثواني والدقائق، ودقيقة فرح أفضل من ساعة حزن.عيشوا اللحظة بفرحها وسرورها وجديتها عملا بما قاله الخيام: "واغنم من الحاضر لذاته فليس في طبع الليالي الأمان" ولذة اللحظة أفضلها التي تقربك إلى الله والتفكر في خلقه، وبالتأكيد التخطيط لمستقبلك، فالحكيم من يعمل لدنياه كأنه يعيش إلى الأبد ولآخرته كأنه سيرحل غدا.