Atwasat

الشارع الذي كان

محمد عقيلة العمامي الأربعاء 30 أبريل 2014, 04:46 مساء
محمد عقيلة العمامي

الشارع هو الذي أسقط جبروت القذافي، إنه القوة الحقيقية التي بيَّنت للعالم تصميمها على ذلك، وهي، بالتأكيد، التي أقنعت الناتو بالانحياز له، لأن بُحاثهم ومحلليهم اكتشفوا مبكرًا حتمية نجاحهم. لم تكن فزعتهم مجرد تعاطف مع الشارع الليبي، وإنما كانت قرارًا اُتخذ على تحليلات علمية، عملية.

كان الشارع منطلق نحو هدف محدد، هو إسقاط القذافي. هدف واحد محدد جمع الفرقاء، والأضداد كافة، باختلاف اتجاهاتهم. تكاتف الإسلاميون مع الليبراليين، كان من بينهم المهندسون والمحامون الأطباء والكتاب والطلاب وخريجو السجون والمحكومون في قضايا متنوعة، منهم مَن صدرضده حكم الإعدام.

لم تغب "القاعدة"، ولا الجماعات المحاربة الليبية الإسلامية، ولا الضباط المسرحون من الخدمة، ولا الجهاديون ولا الإخوان، ولا الشيوعيون. وكان يجمعهم هدفٌ واحدٌ هو إسقاط القذافي، أو الشهادة.. وبان النصر، ودُكت أسوار باب العزيزة، وانهارت تماثيل القمع وانفكت أعناق الناس من قيودهم، وأنار فجر الحرية ليبيا، وفي غمرة أفراحهم وانشغال البسطاء بتقسيم فتات الغنائم، لم ينتبهوا إلى تكتل القوات التي صارت تتحرك، ليل نهار، كل نحو سربه، وكل سرب نحو وكره، وصار الشامي شاميًّا والبغدادي بغداديًّا، ولم يترك لا الشوام ولا البغداديين، قطعة سلاح واحدة لم تُمهر باسم كتيبتهم. بل وسمعنا عن طائرات تصل بامتداد الليل والنهار محمَّلة بالعتاد، تخرج من بوابات المطارات إلى مخازن تلك الكتائب الحصينة، لم ينتبه البسطاء أن السلاح سيعيد تقسيم الغنائم، وأنه لا حماية لهم سوى انضمامهم إلى مَن يحميهم.

وفي غمرة أفراحهم وانشغال البسطاء بتقسيم فتات الغنائم، لم ينتبهوا إلى تكتل القوات التي صارت تتحرك، ليل نهار، كل نحو سربه، وكل سرب نحو وكره، وصار الشامي شاميًّا والبغدادي بغداديًّا، ولم يترك لا الشوام ولا البغداديين، قطعة سلاح واحدة لم تُمهر باسم كتيبتهم.

مشاريع السلاح والكتائب، والقادة كانت تخطط من البداية، وتنفذ أثناء حرب التحرير، وصارت المشاريع حقيقة منذ سقوط النظام، وتحديدًا بعد خطاب الزوج بأربعة قوارير دفعة واحدة!

الشارع الليبي لم يعد كتيبة واحدة، وإنما مجموعة جيوش، همها ليبيا، ولكن كل بحسب معتقده ومذهبه، وقناعته، وتفسيره لكل كبيرة وصغيرة، قامت هذه الجيوش بكل شيء ترى أنه يخدم ليبيا، ولكن بعيونهم فقط، لم نسمع، أبدًا عن مشروع حوار، يقرب قيام الدولة، لأن كلاً منهم يريد دولة على مقاسه فقط، متعللاً بمفهومه للدين، ديننا جميعًا، الذي يجمعنا فيه مذهبٌ واحدٌ!

كلهم يريدون دولة مفصلة على مقاسهم، يرون أن نواياهم طيبة، وأنها الأنسب، وأن غيرها باطل. لم يعلنوا ذلك على الملأ فقد كانوا يتعجبون من هذيان المحللين السياسيين، ودكاترة السياسة والاقتصاد وحقوق الإنسان .. والمجتمع المدني، وتداول السلطة.

ودّع من ودع السلاح، وهاجر من هاجر، وعاد من عاد إلى أسرته بعد أن ترك طرفًا من أطرافه في تركيا أو الأردن، أو تونس، بل كثير من مرافقي الجرحى عادوا جالسين بمقاعد الدرجة الأولى، فيما عاد الجرحى أنفسهم في صناديق الشحن. نسينا الثكالى، ونسينا الأطفال الذين تيتموا من دون أن نحجز لهم مقاعد الدراسة، أو ننهي إجراءات تطعيمهم، وانشغلنا في معارك جانبية، محاولين تفسير سبب الاغتيالات، مستغربين من قضايا الخطف، محاولين معرفة تحليل فكرة الفدية، وهل المساهمة في دفعها حرام أو حلال؟

الأمر يتفاقم كل يوم، والفوضى مستمرة، والاعتصام وكذلك العصيان، صارا لعبة يومية، والبترول، يشحن ولا يشحن، يسرق ولا يسرق، وصرنا نسمع بأرقام فلكية، وصارت بلادنا مندفعة نحو الخراب. ولم نسمع دعوة واحدة إلى الحوار من الذين يحكمون ليبيا فعلاً، أعني الذين يملكون السلاح.. أولئك الذين يسيِّرون جيوشًا أكثر نظامًا من فيالق الجيش الثامن. لا أحد منهم أعلن غايته جهرًا نهارًا. كل ما يصلنا مجرد همس، أو لمز، وظللنا نحن الذين لا نملك قطعة سلاح واحدة، مشرئبين نحو كل قادم نحونا، لعله يأتينا بخبر يقين. وأعلنا أكثر من مرة أننا لا نمانع، أبدًا، أن يحكمنا مَن تفرزه قاعات الحوار وصناديق الانتخابات، أو جلسات الشورى!

كل ما نريده أن يراعى الله فينا، أن يوفروا لأطفالنا الأمن والأمان، وحليبهم اليومي، ولشيوخنا موتًا مريحًا! فنحن العزل، نسألكم بالله أن تجتمعوا، نسألكم بالله، أن تتحاوروا، واتفقوا في ما بينكم، ونحن موافقون، فقط اجعلوا نصب أعينكم، أن خصومكم أقوياء، مثلكم، وحججهم بقوة حججكم، وأسلحتهم بقوة أسلحتكم، وكلكم مسندون، فتحاوروا، ولا تحتكموا إلى السلاح، وأعلموا أننا، نحن العزل، على قارعة الطريق سنتبع مَن يقودنا - من أبنائنا - إلى بر الأمن والرخاء، والأمان، فكفانا دماء، وكفانا تيتمًا، وكفانا نواحًا واعلموا، أن الله غالب على أمره إن كنتم غافلين.