Atwasat

رسالة مفتوحة إلى: وزير التعليم الدكتور عثمان عبد الجليل ورئيس المجلس الرئاسي فائز السراج

أحمد معيوف الخميس 03 أغسطس 2017, 10:19 صباحا
أحمد معيوف

"من أجل الأغلبية وليس القلة"
جيمي كوربن/ رئيس حزب العمال.
السيد الدكتور عثمان عبد الجليل
وزير التعليم/ حكومة الوفاق

تحية طيبة وبعد
لقد اطلعت على قراركم رقم (1047) لعام 2017 بشأن شروط إصدار قرارات الإيفاد للدراسة العليا بالخارج. كما شاهدت اللقاء التلفزيوني الذي استعرضتم فيه هذا القرار وتناولتموه بالشرح. وأود أن أصارحك القول بأني لا أرى حكمة في إصدار مثل هذه القرارات، كما أن لقاءكم التلفزيوني لم يبين الحكمة والمغزى المأمول من إصداره، باستثناء ما تظنونه تكريسا لمبدأ تكافؤ الفرص.
القرار يفتح أبوابا من الإنفاق لا تستطيع الحكومة ولا الدولة أن تتحمله في الظرف الراهن، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لن يحقق الكثير مما يرجى منه حتى على افتراض أن الدولة قادرة على تحمل المصاريف التي يتطلبها القرار. ونقطة أخرى، وأنتم بحكم منصبكم ربما تدركها أكثر من غيرك، بأن الضوابط التي وضعتها متوخيا أن توفر تكافؤ الفرص لا يمكن أن تتحقق، فالمستفيد بالدرجة الأولى سيكون، شئت أم أبيت، أولئك الذين يعرفون من أين تؤكل الكتف.

في نقاط سأحاول أن أبين أوجه اعتراضي وبدائلها:
1. الوضع السياسي للبلد غير مستقر، وقد يؤدي عدم استقرارها إلى عدم الالتزام بمستحقات هذه القرارت، وبالتالي لا يتحقق المرجو منه، ويؤزم وضع الموفد.
2. كان على القرار أن يراعي حاجة السوق الليبية للعمل في مختلف التخصصات، وفي حدود ما أعلم لم تعمل الحكومات السابقة للثورة على بحث هذا الأمر، ولم تمكن الحكومات المتعاقبة بعد الثورة من دراسته. لذلك لا أعتقد أن وزارة التعليم قادرة على تحديد أولويات وحاجيات السوق الليبي إلى تخصصات بعينها دون أخرى في الوقت الحالي.
3. الجامعات الليبية أخرجت أعدادا كبيرة من المتحصليين على إجازة جامعية في مختلف التخصصات، ونسبة عالية من الخريجين لم يتم تعينهم بعد. وبالتالي فإن سوق العمل الليبي مترهل ولا يستطيع أن يستوعب أعداد أكبر. لذلك فالتفكير في استيعاب هؤلاء الخريجين وتطوير قدراتهم أفضل من إتخام سوق العمل بإضافة أعداد أخرى من الخريجين.
4. القرار مفتوح لطلبة الدراسات العليا والجامعية، وهذا يعني أن عددا كبيرا سيتقدم للحصول على هذه المنحة، وإذا اعتبرنا نسبة النجاح ومتوسط درجة النجاح للمتقدمين، فالأرجح سيكون عدد المستحقين كبيرا جدا. والسؤال: كيف تتم المفاضلة بينهم؟. وكم العدد المستهدف للإيفاد لكل المستويات، وفي كل التخصصات؟
5. متوسط كلفة الدراسة في بريطانيا مثلا لطالب واحد تقدر بحاولي 25 ألف جنية استرليني سنويا، متضمة مصاريف الدراسة والإقامة، وعلى أدنى تقدير أتوقع أن يصل عدد المستحقيين للإيفاد من كافة الجامعات والمؤسسات الليبية ألف طالب. أي أن الكلفة السنوية سترتفع إلى ما يزيد عن 25 مليون جنية استرليني سنويا، وإذا قدرنا أن متوسط عدد سنوات الدراسة سيكون على أحسن تقدير، وبناء على التجارب السابقة، 5 سنوات، إذا سيصل ما سيتم صرفه ما يقرب من 125 مليون جنيه استرليني، لا تتضمن جملة من المصاريف التي تتكفلها الدولة كالضمان الصحي وتذاكر السفر والمعاملات الأخرى.
6. على افتراض أن الطلبة سيتم قبولهم في جامعات على مستوى عالٍ، فإن فرص حصولهم على وظائف في دول الدراسة سيكون عاليا، وبالتالي فإن نسبة كبيرة ستتمكن من الحصول على وظائف في دول الدراسة أو دول أخرى، وبالتالي لن يتم الاستفادة منها، وهو أمر ضد ما هو مأمول من القرار.
7. هذه المبالغ بالإمكان، إن استطاعت الوزارة توفيرها، أن يتم صرفها في تحسين الجامعات الموجودة وزيادة قدراتها الاستيعابية، وتزويدها بأخصائيين من الدول المتقدمة تساهم في تطوير مناهج التعليم والبحث. وستكون فائدة صرف هذه المبالغ محليا أكبر وأجدى في توطين العلم والمعرفة ونقل الخبرة.

وفي الختام أود أن أوضح الآتي:
1. تحتاج الدولة، قبل أن تفكر في فتح باب الإيفاد، أن تعمل على وضع آليات صارمة للإيفاد بالتعاون مع الجامعات الليبية، وأن تطور نظام متابعة الموفدين عن طريق لجنة البعثات ومكاتب الملحقيات الثقافية بالدول المضيفة.
2. لقد سبق وأن تقدمت بمقترح بهذا الخصوص إلى السيد الدكتور محمد حسن أبوبكر وزير التعليم الأسبق في حكومة زيدان، وكذلك إلى السيد الدكتور هلال العزابي وزير التعليم السابق في حكومة الوفاق، ورغم أن الوزيرين أبديا ترحيبهما وتقديرهما للمقترح إلا أنهما لم يعملا على تفعيله أو الاستفادة منه. وقد تضمن المقترح آليات ترشيح الموفد، وبرنامج تأهيله قبل الإيفاد، ومتابعة الدارسين بالخارج.
3. على الدولة أن تقلل مصاريف الإيفاد، وذلك عن طريق التعامل مباشرة مع بعض الجامعات، أو عن طريق إيفاد الطلبة إلى الدول مجانية التعليم (أو ذات الرسوم الرمزية) كما هو الحال في بعض دول اسكندنافيا وألمانيا وفرنسا.

إن الدول التي تتأزم اقتصاديا تسعى إلى تقليص مصروفاتها والإحجام عن فتح أبوب جديدة للصرف، وفي تسعينيات القرن الماضي عندما مرت فنلندا بأزمة اقتصادية كان أحد الأساليب التي اتخدتها في تقليص الإنفاق هو قفل العديد من سفاراتها بالخارج. وليبيا حاليا متأزمة جدا، لذلك أرجو من السيد الوزير أن يضع هذه النقاط في اعتباره وأن يحجم عن فتح هذا الباب لما عليه من مأخد، وما قد يترتب عليه من سلبيات لا تستطيع الدولة تحملها في الوقت الراهن. كما أتمنى من الدولة أن تعمل على تقليص بعثاتها بالخارج حتى تستطيع أن تفي ببعض متطلبات الداخل، وألا تجعل من الصرف في غير محله استرضاء لفئات محدودة عبأً على الجميع. يعجبني الشعار الذي حمله جيمي كوربن في حملته الانتخابية والذي يقول "For the Many Not to The Few"، والذي يعارض به حكومة المحافظين التي تعمل حسب اعتقاده من أجل قلة.

هذا القرار سيخدم فئة قليلة جدا لن تستفيد منها الدولة، وسيكون عبأً على الجميع.
والله من وراء القصد
احمد معيوف
لندن في 31. 7. 2017