Atwasat

غوغاء.. وغوغائية!؟

صالح الحاراتي الأحد 23 يوليو 2017, 09:17 صباحا
صالح الحاراتي

في قواميس اللغة غوْغاء تعني الرِّعاع من النَّاس. وسُمّوا كذلك لكثرة لغطهم وصياحهم، وهناك من يسميهم الهمج - ويقال في المأثور. شاعت الفوضى عندما يسود الغَوْغاءُ. وربما هناك من لا يعرف أن الغَوْغَاءُ تعني صوت الجراد حين يَخِفُّ للطيران.

الغوغائية سلوك جمعي يصيب وينتاب المجتمعات بشكل كبير عندما يحدث فراغ في السلطة، ويسود هذا السلوك المجال العام ويمتلكه بل ويهيمن عليه؛ ومع الوقت يتحول إلى نمط حياة مقبول ومتعارف عليه. الغوغائيون يتصرفون وكأن الدنيا تابعة لهم فهم لا ينصاعون للقوانين، ولذا هي شكل من أشكال الاستبداد والإرهاب وجب مقاومتها!

الغوغائية سلوك جمعي يصيب وينتاب المجتمعات بشكل كبير عندما يحدث فراغ في السلطة

في الواقع هو مصطلح يستخدم في وصف جماعة أو شريحة من الناس يسعون لفرض وجودهم وتغليب وجهة نظرهم، وهم الذين ينظرون للأمور والأحداث ويفسرونها بطريقة انفعالية بدائية بعيدة كل البعد عما هو حقيقي.. ويعملون على الدفاع عن آرائهم بطريقة تفتقر لأبسط مقومات التفكير العقلاني من خلال الجلبة والضجيج والفوضى المنفلتة، وتتحوّل الغوغائية إلى ظاهرة عارمة ومهيمنة..

والغوغائية هي طريقة في التفكير ﻻ تقوم على أسس أو معايير محددة.. هو تفكير عشوائي انفعالي متذبذب يتخذ فيه الغوغائي من نفسه وحسب مستوى معرفته، والذي غالباً ما يتسم بالسطحية، معياراً لتحليل المواضيع والحوادث والظواهر والحكم عليها من دون أية معايير موضوعية. ويخيل له أنه على الحق وأنه قادر على الإتيان بالرأي الصائب في كل شيء تقريباً، أي «أبو العريف».. من دون أن يكلف نفسه عناء البحث والقراءة والتقصي عن الأدلة والأحداث..

والملاحظ أن هذه الطريقة من التفكير يتخذها معظم أهل الفاشية (دينية كانت أو عنصرية) أي سواء أدعياء التدين أصحاب اليقين القطعي أو غيرهم ممن يسلم بصحة آرائه بطريقة لا تقبل الجدل والتحليل.. وهي استراتيجية لإقناع الآخرين استناداً إلى مخاوفهم وأفكارهم المسبقة.

سياسياً هي استراتيجية سياسية سائدة وسبق تجربتها للحصول على السلطة والكسب للقوة السياسية من خلال مناشدة واستحضار العصبيات القبلية والجهوية معتمدين على مخاوف وتوقعات الناس المسبقة وتهييج عواطفهم وغرائزهم، ويحدث ذلك عادة عن طريق الخطابات والدعاية الحماسية مستهدفين دغدغة وجدان الناس واستثارة عواطفهم.

والغوغائية هي طريقة في التفكير ﻻ تقوم على أسس أو معايير محددة.. هو تفكير عشوائي انفعالي متذبذب

في مشهدنا اليوم هي تدل على مجموعة الأساليب والخطابات والمناورات والحيل السياسية التي يلجأ إليها السياسيون لإغراء الشعب أو الجماهير بوعود وشعارات فضفاضة كاذبة.

* والملاحظ أنه كلما زاد أهل السلطة من استخدام «الغوغائية» في منهجهم وكشفوا عن تعصبهم العنصري أو الديني، يزداد الأتباع تعصباً وعنصرية..

والوسيلة إلى ذلك تتم عندما تقوم السلطة السياسية بتحويل المشهد السياسي إلى شعارات واصطفافات، ويتحول الاختلاف إلى ثنائية الحق والباطل وما ينتج عن ذلك من تخوين وتكفير ما عداها.
والمشكلة لا تقل سوءاً بانتقال الغوغائية من المزايدة بالدين إلى المزايدة بالوطنية، ويصبح استخدام التخوين يتبادل موقعه مع التكفير (وطني وغير وطني) في متوالية كلامية فجة للإساءة إلى الطرف الآخر المخالف.

يحضرني هنا سؤال.. هل هناك علاقة وصلة رحم بين (غوغاء) و«جمهرة» ذلك المصطلح الذى استخدم في زمن مضى، الأمر يستحق الاهتمام لأن ما نشهده واقعاً يؤكد لنا أنهما من منبع واحد، وما نراه من فوضى وانفلات سلوكي هو منتج أصيل لعقلية وطريقة تفكير واحدة. فلقد مررنا بمثل هكذا سلوك ومنهج تفكير في مرحلة سابقة وأظن ن تأثير تلك المرحلة ما زال سائداً.