Atwasat

الفوضى الليبية: هل هناك مخرج؟

ريتشارد غالوستيان الإثنين 05 يونيو 2017, 01:56 صباحا
ريتشارد غالوستيان

مأساة مانشستر أثرت بشكل كبير على مستقبل ليبيا، بطرق مختلفة أكثر مما يعتقده البعض. الحكومات الغربية مجبرة على دفع أجهزة مخابراتها للتركيز مرة أخرى على ليبيا، التي سقطت من أولويات بريطانيا والولايات المتحدة. لكن الآن، بفضل الروابط التي تم الكشف عنها بين «الجماعة الليبية المقاتلة» و«انتحاري مانشستر»، والذي ظهر أنه جزء من الجماعة، أصبحت ليبيا على قائمة أولويات تلك الدول.

فراغ السلطة الناتج عن سقوط نظام معمر القذافي عرض ليبيا لصراع السلطة بين الجهات الفاعلة الخارجية.

لوضع الأمور في سياقها، فراغ السلطة الناتج عن سقوط نظام معمر القذافي عرض ليبيا لصراع السلطة بين الجهات الفاعلة الخارجية.

فمن ناحية، هناك قطر وتركيا، واللتان تعنيان بالأساس فصيل الإخوان المسلمين، دعمتا كثيرًا من المجموعات المسلحة الإسلامية، بعضها موالي لحكومة الوفاق الوطني «الهشة» المعترف بها دولياً. وعلى الجانب الآخر، يوجد مصر وفرنسا والأردن وروسيا والإمارات، دعمت الجيش الوطني الليبي وقائده خليفة حفتر والذي يقاتل إلى جانب الحكومة في طبرق ومجلس النواب.

الإمارات صنفت جماعة الإخوان المسلمين، منظمة إرهابية في العام 2014. وتسبب صعود الإخوان المسلمين في ليبيا وغيرها من دول منظقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في زعزعة استقرار دول مثل الإمارات ومصر والسعودية بشكل خاص. وتفضل الدول الثلاث أن تكون المنطقة خالية من جماعة الإخوان المسلمين.

منذ منتصف العام 2014، كانت الإمارات بمثابة حليف حيوي لحفتر. ليس فقط أن الإمارات ومصر قدمتا إمدادات عسكرية لقوات حفتر، لكن أيضًا نفذت القوات المسلحة المصرية والإماراتية ضربات عسكرية، جوية وأرضية، ضد مجموعات إسلامية معادية لقوات الجيش الليبي. وفي الوقت نفسه، كانت أبوظبي المنسق الرئيسي مع الداعمين الأجانب لحكومة طبرق لتقوية الجيش الوطني بقيادة حفتر، إلى جانب توفير مليارات الدولارات إلى الحكومة المصرية منذ 2013، والتعاون مع القاهرة فيما يخص النواحي الأمنية والعمل مع الكرملين لتسليح الجيش الليبي.

وكان لروسيا الدور الأكبر في الشؤون الليبية، إذ وافقت سراً على الدعم الذي تقدمه مصر والإمارات إلى حفتر، أكثر مما يدركه الغرب، ويستمر نفوذها في الزيادة.

والتقى فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، في 2 مايو، وجهاً لوجه مع حفتر في أبوظبي، في ثاني لقاء بينهما عقب الاتفاق السياسي الليبي، الاتفاق الذي جاء برعاية الأمم المتحدة ومهد الطريق لإنشاء (وتعيين أعضاء) المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني ديسمبر 2015. أثنى الجميع على لقاء 2 مايو باعتباره حجراً أساسياً في مسار ليبيا نحو إنهاء الحرب الأهلية. لكن، على جانب المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني، هناك تخوفات من أن محادثات السراج مع حفتر قد تضعف الاتفاق السياسي الليبي بدلاً من إصلاحه. واتفق الجانبان على الاجتماع مجدداً الأسبوع التالي في القاهرة بتنسيق من، اللاعب الأهم الآخر، الرئيس السيسي. ورغم ظهور حفتر، لم يحضر السراج. وهناك إشاعات تفيد بتلقي الأخير تهديدات بالقتل من المجموعات المسلحة التابعة له، ولهذا توجه السراج إلى غينيا لقضاء الوقت!

للتأكيد، الهجوم الذي نفذته «القوة الثالثة» الموالية لحكومة الوفاق الوطني، والمدعوم، طبقاً لبعض المصادر، من قطر، والذي قتل 141 جنديًا من قوات الجيش الليبي في 18 مايو أوضح أن المحادثات في أبوظبي كانت صفعة في وجه أبوظبي، وكذلك حفتر، من قبل المتشددين.

وكانت النزعة الانتقامية، التي هاجمت بها عناصر «القوات الثالثة» من مصراتة قاعدة براك الشاطئ الجوية، ونفذت عمليات إعدام وحشية بحق مجندي قوات الجيش الليبي العائدين لتوهم من الاحتفال بالذكرى السنوية الثالثة لعملية الكرامة، «القشة الأخيرة بالنسبة لكثيرين».

في حال وافقت قيادة المجلس الرئاسي في طرابلس على تقاسم السلطة مع حفتر، بعض المجموعات الموالية لحكومة الوفاق قد «تغير» ولاءها

فالمجلس الرئاسي الضعيف لا يسيطر على مساحات كبيرة من الأراضي الليبية خارج طرابلس، وحتى داخل تلك المدينة، تندلع باستمرار اشتباكات روتينية بين مجموعات مسلحة مختلفة، مما يبرز مدى ضعف الحكومة المعترف بها دولياً. فقدرتها على السيطرة على المجموعات المسلحة القوية موضع شك، بالنظر إلى أن المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق تترأس نظرياً الهياكل الحكومية في طرابلس، والتي بدروها منقسمة بين عدد من المجموعات المسلحة. وفي حال وافقت قيادة المجلس الرئاسي في طرابلس على تقاسم السلطة مع حفتر، بعض المجموعات الموالية لحكومة الوفاق قد «تغير» ولاءها وتدعم أو حتى تنضم لقوات الجيش الليبي.

مذبحة براك الشاطئ كانت الفتيل الرئيسي للتصعيد الأخير في الحرب الأهلية بلا شك، وبالتالي في نهاية المطاف قد تسقط ليبيا في دوامة جديدة من العنف والفوضى في حال فشلت المبادرات الدبلوماسية. وفي هذه الحالة، ستحاول قوات حفتر السيطرة على طربلس أو حتى مصراتة.

قد يختار حفتر أن يكون أقل تشدداً؛ والوقت كفيل لمعرفة ذلك. لكن أمر واحد لن يكون متنازلا فيه، وهو الدعم الذي تقدمه قطر من خلال الإخوان المسلمين في ليبيا. ذاك لا يمكن التهاون معه.

هناك نافذة من الأمل في المستقبل القريب بالنسبة للفصائل الليبية المتناحرة لإفساح الطريق أمام بعضها البعض ودراسة الخيارات الدبلوماسية التي تتطلب تنازلات من جميع الأطراف المتورطة. حفتر يظل الحل الأفضل لدى كثير من الليبيين، وأعتقد أنه أكثر مرونة مما يراه الغرب. قد نرى نقطة تحول خلال شهر رمضان الجاري، على الصعيدين العسكري والدبلوماسي.
____________
ريتشارد غالوستيان، محلل في الشؤون الأمنية والدفاعية
(ترجمة: هبة هشام)
(مقالات الرأي تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي «بوابة الوسط»)