Atwasat

براك الشاطئ: شرارة حرب أهلية شاملة

ريتشارد غالوستيان الإثنين 29 مايو 2017, 03:11 مساء
ريتشارد غالوستيان

ما يحدث في ليبيا لا يلقى الاهتمام الكافي، مع انشغال وسائل الإعلام بمتابعة ما تقوم به روسيا، تلك الدولة التي تسبب الرهاب للكثيرين، وكذلك الزيارة الخارجية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب.

لكن ماذا عن الانفجار الذي شهدناه في ليبيا عقب مقتل كافة أفراد القوات الجوية الليبية التابعة للقوات المسلحة الليبية في قاعدة براك الشاطئ التابعة للقوات الجوية؟!

وأعلن قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر، الأحد الماضي، أن حصيلة القتلى نتيجة الهجوم على القاعدة الجوية وصل إلى 140 قتيلاً.

الأمر اللافت للنظر هو أن الميليشيات التابعة لحكومة الوفاق المعترف بها من قبل الأمم المتحدة برئاسة فائز السراج، وتدعى «القوة الثالثة»، هي مَن هاجمت قاعدة براك الجوية وأعدمت الرجال العزل.

الميليشيات التابعة للسراج هددت بقتله في حال ذهابه إلى القاهرة

وقال الناطق باسم الجيش الوطني أحمد المسماري، الجمعة الماضي، «معظم الوفيات كانت من أفراد الصيانة والدعم الفني التابعين للقوات الجوية، بما في ذلك بعض الطيارين»، مضيفًا: «إن عدة مدنيين كانوا من بين الضحايا على سبيل المثال: الطهاة وعمال النظافة الذين يعملون في القاعدة الجوية أو في المنطقة القريبة، وأن الإعدامات الوحشية الموجزة نفذت واحدة تلو الأخرى، عبر إطلاق الرصاص على الرأس.»

وأشار الناطق إلى أن «كثيرًا من الطيارين صغار السن كانوا عائدين من استعراض عسكري. وكانوا غير مسلحين لكن على الرغم من ذلك فقد أُعدموا».

وقاعدة براك الشاطئ تخضع لسيطرة القوات الجوية الليبية منذ ديسمبر الماضي.

وقال الناطق باسم «القوة الثالثة»، التي يأتي غالبية أفرادها من مصراتة، إنهم «حرروا القاعدة ودمروا كل القوات بداخلها». ونفى رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج أنه أمر «القوة الثالثة» بشن الهجوم.

واخترق هذا الهجوم هدنة غير رسمية جرى التوصل إليها في وقت سابق من شهر مايو الجاري في العاصمة الإماراتية (أبو ظبي) بوساطة أحد أقوى الشخصيات في مجلس التعاون الخليجي، أمير الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حيث التقى قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر مع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج، في حضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وموظف حكومي رفيع المستوى من روسيا.

ومن ضمن ما جرى الاتفاق عليه أيضًا في أبوظبي، خلال لقاء حفتر والسراج، أنهما سيلتقيان مجددًا في القاهرة، هذه المرة تحت وساطة الرئيس السيسي. وعلى الرغم من أن حفتر التقى السيسي في القاهرة بالفعل، إلا أن السراج ذهب إلى غينيا، ولم يلتقِ الرئيس المصري.

وأفادت تقارير إعلامية، على نطاق واسع، بأن الميليشيات التابعة للسراج هددت بقتله في حال ذهابه إلى القاهرة. وتلى ذلك ظهور السراج وهو شاحب نوعًا ما في صورة مع الرئيس الغيني.

لذلك لم يذهب السراج إلى القاهرة مفضلاً بدلاً من ذلك رحلة استمرت ثلاثة أيام إلى غينيا قبل أن يحط بالرياض لحضور القمة العربية - الإسلامية - الأميركية بقيادة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وكان حضوره صدمة لكثير من الشخصيات المهمة التي تحضر القمة، حيث يبدو كذلك أنه لم يجر إطلاع الرئيس ترامب على الفظائع التي ارتكبتها ميليشيات السراج في الوقت الذي تحدثا فيه معًا لفترة وجيزة.

وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، عن انزعاجه إزاء ارتفاع حصيلة قتلى هجوم قاعدة براك وكذلك إزاء التقارير الإعلامية حول الإعدامات الوحشية التي تضمنت مدنيين أيضًا، وقال إنه في حال تأكيدها ينبغي أن تشكل جريمة حرب ارتكبها حكومة الأمم المتحدة المعترف بها التي لم ينتخبها الشعب الليبي. واعتبر الكاتب بأن رد فعل الأمم المتحدة هو «تطور مذهل».

الحقيقة الصعبة هي أن برلمان طبرق وحفتر يقودان أقوى جيش ويسيطران على ثلثي البلاد

ودان مارتن كوبلر، مبعوث الأمم المتحدة ورئيس بعثتها للدعم في ليبيا، بشدة الهجوم الفتاك على قاعدة البراك، واصفًا إياه بـ «الهجوم الشرس الذي يقوِّض الجهود السياسية».

وقال كوبلر: «نشعر بالغضب إزاء التقارير التي تفيد بوقوع عدد كبير من القتلى منهم مدنيون، واحتمال وقوع إعدامات خارج نطاق القضاء. الإعدامات الموجزة واستهداف المدنيين، جريمة حرب يمكن ملاحقتها أمام المحكمة الجنائية الدولية».

وباسترجاع الخطوات السابقة، فقد بدأ الاجتماع الأول في روما. إيطاليا تقود الحملة الخيالية لإقناع العالم الخارجي بطريقة ما أن الحرب الأهلية الدائرة منذ عامين على وشك الانتهاء، واختلقت كلمة «تقدم» عندما وصفت الاجتماع الذي عُـقد يوم 21 أبريل في روما بين عقيلة صالح، رئيس البرلمان المنتخب في طبرق، وعبد الرحمن السويحلي، رئيس المجلس الأعلى في طرابلس.

الحقيقة الصعبة هي أن برلمان طبرق وحفتر يقودان أقوى جيش، ويسيطران على ثلثي البلاد، ويفردان سيطرتهما على الهلال النفطي، موطن معظم النفط. وهدفهما هو السيطرة على الثلث المتبقي، غرب وجنوب طرابلس.

كما أن حفتر بحاجة إلى وقف شبكة المافيا الإيطالية -الليبية - الأوروبية التي تسيطر على الاتجار بالبشر من خلال تهريب المهاجرين من ليبيا إلى أوروبا.

وترك إعلان الرئيس الأميركي ترامب قبل عدة أسابيع أن الولايات المتحدة «ليس لها دور» في ليبيا الساحة خالية أمام روسيا للتدخل في ليبيا، بينما كشف الكرملين أوراقه في يناير الماضي بدعوته حفتر للصعود على متن حاملة طائرات عسكرية في البحر المتوسط.

وسترسل روسيا مزيدًا من الدبلوماسيين إلى ليبيا الأسبوع المقبل، وبنهاية مايو الجاري من المتوقع إجراء تدريبات بحرية عسكرية بالقرب من ساحل ليبيا، وقد يتساءل المرء عن السبب وراء توقيت هذه التدريبات.

فموسكو تدرك جيدًا أن حفتر هو اللاعب الرئيسي الآن. وهذه بوضوح لعبة تقودها روسيا، يقوم فيها رئيس الشيشان رمضان قديروف بدور مهم، بنجاحه مؤخرًا في التفاوض على إطلاق البحارة المختطفين الروس».

هذه العلاقة المنشأة حديثًا هي غير اعتيادية في كثير من النواحي، ولكنها ليست سوى مثال واحد على النفوذ الروسي المتزايد في ليبيا.

وفي ما يتعلق بالمملكة المتحدة، فقد أمضى وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، زيارة استمرت يومًا في ليبيا الشهر الجاري، ذهب خلالها إلى طرابلس لرؤية السراج المحاصر هناك، عقد اجتماعًا منفصلاً مع السويحلي، حيث إن السراج والسويحلي لا يلتقي أحدهما الآخر. لكن عقب يومين من تلك الرحلة عندما سافر بوريس إلى طبرق في زيارة استمرت ساعة، التقى فقط صالح لأن حفتر لم يجد وقتًا متاحًا للقائه. لقد قيل ما يكفي.

وبالنسبة للفرنسيين فستكون لهم دائمًا أجندتهم الخاصة في جنوب ليبيا، اعتمادًا على اهتماماتهم في وسط أفريقيا وليس ليبيا وحدها.

حفتر لن يقبل بشيء أقل من أن يصبح قائد القوات المسلحة الليبية كلها

إنها معضلة لا يمكن حلها. حفتر لن يقبل بشيء أقل من أن يصبح قائد القوات المسلحة الليبية كلها، وهذا يعني أن السراج يجب أن يفكك وينزع سلاح الميليشيات، وهو ليس لديه القدرة أو القوة للقيام بذلك، فالعمل الوحشي بالقاعدة الجوية سيكون الزناد لتصعيد أكبر في الحرب الأهلية الليبية.

وستصبح حدة وتعقيد هذه القضايا أزمة في القريب العاجل، خاصة بعد مذبحة براك، وستتحول إلى مرحلة عنف خطيرة جدًّا، ويرجع ذلك جزئيًّا أيضًا إلى ميليشيات طرابلس ومصراتة الساخطة، وفي رأيي ستبلغ ذروتها قريبًا في ظل الحصار الذي لا مفرَّ منه المفروض على مصراتة وطرابلس من قبل قوات الجيش الوطني بقيادة خليفة.

وفقد قال آمـر القوات الخاصة الصاعقة والمظلات عميد ونيس بوخماده، عقب هجوم براك، «ردنا على هذه الجرائم الغادرة سيكون قاسيًا في ساحة المعركة».

ويزعم أن الخلايا النائمة الإرهابية والقناصة موجودة بالفعل في طرابلس وحولها؛ لشن حملة من حرب العصابات الطويلة في حال سيطرة حفتر على طرابلس، سيكون شيئًا مثل حرب البوسنة والهرسك.

الشعب الليبي اكتفى من هذه الحرب الأهلية، وأوروبا ستعاني بشكل كبير هذه التغيرات العنيفة السلبية التي على وشك أن تزداد كثافتها حتمًا بين الأطراف المتحاربة داخل البلاد بعد هذه المجزرة.

_____________
ريتشارد غالوستيان، محلل في الشؤون الأمنية والدفاعية
(ترجمة: مريم عبدالغني)