Atwasat

الفرجاني في عرس الجمل (1/2)

محمد الدقاق الأربعاء 03 مايو 2017, 10:13 مساء
محمد الدقاق

ما أن عرف حسن نصرالله أنه من ليبيا حتى أجلسه بجواره. قال له: «أريد أن أنقل رسالة إلى من بمقدوره من رجالكم أن يحاورني عبر نقل مباشر من خلال قناة لا علاقة لها بنظامكم ولا بنظامنا بشأن اختفاء موسى الصدر، هل بمقدورك نقل هذه الرسالة إلى القذافي مثلا؟»، فأجابه، بخبرة رجل أمن متمرس: «بالتأكيد سوف أحاول، ولكن لا أستطيع أن أضمن أنها تصل إليه، لأن وسيلتي في إيصالها، هي عملي السابق، عبر المؤسسة الأمنية الليبية، ومن رجالها من لا يريد الخير إلا لنفسه فقط. فأخبرني عن رسالتك».

ولأنني أحب التفاصيل، سألته عن الذي أوصله إلى نصرالله. قال: «كانت هناك دعوة من حزب الله للمشاركة في معرض لفنون تشكيلية عن تحرير جنوب لبنان شاركت فيها دول عربية، وكانت ليبيا من ضمن هذه الدول، فذهبت مع ابنة أخي كمرافق باعتبار أنها رئيسة قسم الفنون الجميلة في كلية الإعلام بجامعة طرابلس.ولقد أقام حسن نصرالله مأدبة غداء للمشاركين في شهر مايو 2002».

واستطرد الفرجاني: «ولما سألني عن علاقتي بالأجهزة الأمنية الليبية أجبته من دون تردد، بأنني كنت أحد عناصرها، ولكنني قدمت استقالتي سنة 1989 واتجهت إلى الأعمال الحرة، منوها إلى أن قراري رحب به كثيرون من رجال أمن تلك المرحلة، خصوصا الثوريون جدا.الذين يرون الأمور بعين واحدة».

تفاصيل حكاية الألغام
التفاصيل في مثل هذه الحكايات مهمة للغاية، لأنها تاريخ ولأن أشخاصها على قيد الحياة، فهي بمثابة وثائق، قلت له: «أريد أن أعرف تفاصيل حكاية الألغام»، فاجابني: «كنت قد زرت معتقل الخيام، والتقيت عسكريين من الإمارات كانوا يعملون في فك إلغام عشوائية، زرعتها إسرائيل بجنوب لبنان بعد أن أخرجهم حزب الله. ولأنه عمل يحتاج إلى تقنية متقدمة وجهد كبير، فكرت في التعاون مع شركة ألمانية متخصصة للقيام بجزء من هذا العمل، من خلال خطة استخباراتية بعيدة عن غباء وتدخلات لجان القذافي الثورية التي حولت مؤسسة ليبيا الأمنية إلى وكر للمؤامرات والاغتيالات وتصفية الحسابات.

مشروع أمام حسن نصرالله
كنت أتطلع أن يكون عملا إنسانيا بالدرجة الأولى، فوجدتها فرصة لطرح مشروعي على السيد نصرالله، الذي أخبرني بأنها أكثر من ثلاثة ملايين لغم حسب التقديرات الأولية وبالتأكيد نحن نرحب شاكرين من يعيننا على التخلص منها.ولعله استدرك أو ربط بين مشروعي وبين احتمال تدخل من أجهزة القذافي الأمنية، فعاد إلى قضية اختفاء موسى الصدر، منوها إلى أن يبذل جهدا كبيرا في كبح جماح مقاتلي حزبه، مؤكدا أن أكثر من 5000 عنصر مدرب تدريبا عسكريا عاليا منتشرون في مختلف الأعمال بليبيا.. وهذا، حينها، أزعجني كثيرا، ولكنني لم أعقب بأكثر من رغبتي في مساهمة إنسانية.

عدت مباشرة إلى طرابلس وكتبت تقريرا مفصلا عما حدث، موضحا ضرورة أن تتولى مؤسسة القذافي للأعمال الخيرية تمويل مشروع إزالة هذه الألغام بعيدا عن الدوائر الأمنية بشتى مسمياتها مع تحملي مسؤولية العمل كاملة.وسلمت التقريرإلى المسؤولين في الأمن، منهم من كان يعمل تحت إمرتي.وصل التقرير إلى موسى كوسا، فطلب التحقيق معي.أجبته بأنه لا حاجة لمثل التحقيق، لأن كل ما يريد معرفته كتبته بخبرة رجل أمن عمل في الجهاز منذ أن كان هو طالبا في أميركا.

وبناء على ما كتب في التقرير، له أن يتخذ أي إجراء، وأكدت لهم أنه بمقدوري أن أوصله إلى قلم القيادة، وهو يعلم ذلك جيدا، ولكنني رأيت أنه من الأسلم أن يصلها عبر القنوات الصحيحة.كلف السيد أبوشعراية فركاش، وهو صهر القذافي بمناقشة التقرير معي، منوها إلى أن كوسا يقترح أن أتولى المكتب الشعبي في لبنان، ولكنني اعتذرت، فذلك يعني أنهم يريدون تولي الأمر مباشرة، وأنا ما اهتممت به إلا بسبب جوانبه الإنسانية.ورجعت في الليلة نفسها إلى بنغازي.

 

ردود فعل النظام
بعد نحو شهرين أرسلت ليبيا طائرات على متنها خبراء ومعدات إزالة الألغام، ولكن الحكومة اللبنانية، وكذلك حزب الله رفضا هبوط الطائرات وعادت من حيث أتت.

هكذا كانت ردود فعل النظام، خصوصا هراطقة المنظومة الأمنية التي صارت تتحرك وفق رغبات رأس النظام، وليس من أجل ليبيا.ورفع التقرير مستبعدين منه، مثلما علمت في ما بعد، تأسيس شركة مدنية مثلما طلبت، وركزوا على استبعاد اللبنانيين كافة بفوضى إعلامية أتت في ما بعد بنتائج عكسية، ولم يتحقق المشروع لا من أهدافة السياسية ولا الإنسانية.

مأساة أشلاء البسطاء
لم ينتبهوا إنسانيا إلى مأساة أشلاء البسطاء، التي تتطاير جراء ثلاثة ملايين لغم زرعتها إسرائيل، وإنما انتبهوا إلى ضرورة مقارعة دولة الإمارات التي كانت تقوم بذلك العمل وبمنتهى السرية.

قلت لصديقي محمد المهدي الفرجاني ساخرا: «خطرت علي القطوس التائب!». أجابني نصف محتد: «أنت تعرف أكثر من غيرك أنني عملت بمهنية من أجل ليبيا وليس من أجل النظام، وما كنت لأستقيل من رتبة كبيرة ومركز مهم، لو لم أتأكد أن عملنا صار لنظام ورغبات القذافي وليس للوطن».

هذا ما سمعته من الفرجاني، الذي وظفت شخصيته الوطنية، بحكم علاقتي الشخصية به في أول روايتي «ليلة عرس الجمل» التي لاقت استحسانا أبهجني كثيرا خصوصا من بعد أن قام قسم اللغة الفرنسية بجامعة «قاريونس» باعتمادها كمشروع تخرج لدفعة سنة 2004، وأيضا من بعد ما نظمت لها، جامعة مصراتة برنامجا شمل عددا من محاضرات، وتناولها بالنقد والتحليل عدد من أساتذة أجلاء، كتبوا عنها العديد من الأوراق البحثية. سوف أحدثكم عن منصور الجمل، أو بالأحرى محمد المهدي الفرجاني في حلقة قادمة.

في الحلقة القادمة (2/2) سوف أحدثكم عن ليبيين أحياء أنقذهم محمد المهدي الفرجاني من اغتيالات دموية، وآخرين عاد بهم سالمين إلى الوطن.