Atwasat

قمة البحر الميت

سالم العوكلي الأحد 02 أبريل 2017, 09:18 صباحا
سالم العوكلي

كان من المعبر أن تُعقد القمة العربية في هذه الظروف السيئة التي تمر بها الأمة على ضفاف البحر الميت، وأن تقام في أخفض منطقة على سطح الأرض، وكأن المكان استعارة مكنية للانحدار الذي تمر به هذه الأمة، لتكون قمتها في قاع العالم (وأعني هنا القاع توبوغرافياً) مع كامل الاحترام لجهود المملكة الأردنية.

بالرغم من أن هذه القمة انعقدت في أسوأ ظروف تمر بها هذه المنطقة، من حروب ونزوح بالملايين وهجرة وإرهاب، وتهديد بالتقسيم الطائفي لعديد الأقطار، وتغول إسرائيلي، إلا أن روتينية الجلسة التي تحولت إلى مهرجان خطابة، وما تمخض عنها من قرارات إنشائية، توحي وكأن هذه القمة لدول اسكندنافيا وليست للدول العربية.

الحاضرون من أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي (وهي ألقاب كأنها قادمة من أساطير العالم، لم يتمتع بها حتى ممثلو الاتحاد الأوربي، أو الدول الصناعية الكبرى، أو رؤساء الولايات المتحدة الذين وصلوا بها إلى القمر، وجعلوها أقوى أمة في التاريخ البشري) هؤلاء الحاضرون لا أحد يطيق منهم الآخر، والتناقضات بينهم على أشدها، غير أن الجميع كانوا كأنهم في قاعة امتحان غير مستعدين له، يكتبون ما يحفظونه بغض النظر عن الأسئلة المطروحة، أو كأنهم في مأتم حقيقي يحضرونه من باب الواجب لتأبين هذه الأمة والدعاء لها بالرحمة، والخروج من السرادق بأسرع وقت ممكن.

تابعت كلمات الممثلين لدولهم ، وكانوا (ممثلين بارعين) فكانت كل الكلمات مكررة وهي نفس إنشاء القمم السابقة. الكل يسعى للسلام وازدهار الدول العربية، ويدين الحروب والاستيطان اليهودي، عبر بيانات كأنها صادرة عن جمعيات خيرية، وكأن هذه التكتل المسمى أمة عربية مجرد علاقة جوار إجبارية فرضتها عليهم ظروف مخيم نازحين.

الرئيس اليمني، هادي عبد ربه منصور، يلقي كلمته متلعثما مثلما يقرأ طالب في الصف الثالث الابتدائي درسا في المطالعة، وكذا البقية الذين عاثوا تهشيما في اللغة العربية في قلب القمة العربية الفصحى، وشاء القدر أن يكون الممثل الوحيد المتقن للعربية كما عرفناه سابقا، غير حاضر ومقعده شاغر بقرار من الجامعة، حيث غابت سوريا رغم حضورها المستمر في منظمة الأمم المتحدة.

أما السراج ممثل (دولة ليبيا) فقد تعامل مع الأمر وكأنه ضربة سياسية لخصومه، ونصرٌ سياسي للمجلس الرئاسي الذي توافق عليه العالم ولم يتوافق عليه الليبيون، وكأن الوفاق المقصود هو الوفاق الدولي وليس الوطني، وليس الأمر غريبا بعد أن خرجت ليبيا عن سيطرة الليبيين وأصبحت ملعبا للأجندات البعيدة والقريبة، وأصبح العالم مهتما بها أكثر من اهتمام ساستها. توافقت كل الدول الحاضرة فيما يخص ليبيا مثلما توافقت العام 2011 لتعطي ترخيصا لتدخل الناتو في ليبيا، غير أن هذا التوافق العربي بشأن الملف الليبي يشكل في الواقع الواجهة الدبلوماسية أمام العالم والقوى الكبرى، لأن هذه الدول تحركها في الواقع تناقضات حادة بشان هذا الملف، وبمجرد أن يعود ممثلوها من حفلة التنكر هذه، سيباشرون في العمل طبقا لهذه الاختلافات وصراع المصالح، وسيستمر دعم الأطراف المتصارعة بشكل يغذي عنادها ويغذي الحروب بينها.

تحدث السراج بنفس الكلمات التي ما فتيء يكررها منذ أن اقترحه المبعوث الدولي لرئاسة المجلس الرئاسي، وكأنه يحفظها عن ظهر قلب، معتقدا أن الوفاق من الممكن أن يأتي عن طريق الطلب أو الاستجداء أو النصيحة، وليس عن طريق احترام الاتفاق السياسي والخوض في الاختلافات حوله والقدرة على التواصل مع الجميع، بل إن كلمته كانت تضرب أي أمل للتوافق في مقتل، وهي تنحاز إلى طرف غير شرعي في مواجهة الطرف الشرعي الذي جاء عن طريقه، يقول "إن العالم كله شاهد على النتائج الباهرة التي حققتها قواتنا المسلحة في مدينة سرت ضد تنظيم الدولة، داعش.هذه القوات المنضوية تحت قيادة حكومة الوفاق الوطني، استطاعت خلال زمن قياسي، استئصال هذا السرطان من المدينة في ملحمة تاريخية".

ولم يتطرق إلى الجيش الليبي في الشرق المنبثق عن مجلس النواب الشرعي المنبثق عنه فايز السراج نفسه، وكأن الجيش الليبي في الشرق خاض ملحمة (جغرافية) لا تعنيه، واعتبر قوةً ممثلة لمدينة محددة (البنيان المرصوص) هي القوات المسلحة الليبية، بطريقة بقدر ما لا تمت للواقع بصلة بقدر ما تستفز قدرا كبيرا من الليبيين الذين دفعوا آلاف الشهداء في حربهم على الإرهاب في بنغازي، والسراج يعرف جيدا أن الجماعات التي كانت في بنغازي جماعات إرهابية ولا تمت للثوار بصلة كما يدعي مفتي البلاد المعزول. نترحم على شهداء البنيان المرصوص، ونقدر ما قاموا به من عمل جبار بطرد داعش من مدينة سرت، لكنهم في الواقع لا يمثلون القوات المسلحة التي تأسست وقيادتها بقرار من مجلس النواب الذي كان السراج أحد أعضائه.

تجاهُل السراج لتضحيات الجيش الليبي في الشرق يؤكد ما ذهب إليه البعض فيما يخص التأثير القوي لدولة قطر عليه، ويؤكد سيطرة نوابه المعادين للجيش في الشرق على المجلس، لأني أدرك أن ما قاله لا يمكن أن تكون قناعته الشخصية. وفي الحصيلة، الكلمة التي ألقاها السراج، والتي ختمها بتهنئة جمهورية الصومال الفيدرالية بمناسبة انتخاب رئيسها، كانت لا تحمل أي خطاب توافقي في مضمونها رغم امتلائها بالعواطف التوافقية.
أما الحكومة المؤقتة، التابعة لمجلس النواب، فأصدرت بياناً عن قمة البحر الميت تعترض فيه على حضور المجلس الرئاسي لأنه غير شرعي ولا يمثل كل الشعب الليبي . فهل معظم الرؤساء والملوك والسلاطين والأمراء الذين حضروا القمة يمثلون شعوبهم، أو يمثلون الشرعية بمعناها الحقيقي كما تضمنها الدساتير المحترمة ؟ وهل لو ذهب الثني أو عقيلة سيكون ممثلا لكل الشعب الليبي في هذا الانقسام الحاد بين مكوناته السياسية والاجتماعية؟

كان من المفترض أن يُترك المقعد الليبي شاغرا حتى تصبح ليبيا (دولة) من حقها أن تشارك في اجتماع (دول) عربية، أما الحديث عن الشرعية في عالمنا العربي فهو ترف مازال بعيداً.