Atwasat

كنت هناك، أرثيني!

أم العز الفارسي الخميس 09 مارس 2017, 08:59 مساء
أم العز الفارسي

في يوم تأبين ادريس المسماري بقاعة (آورينتال العريقة) بالجامعة الامريكية، يوم الاحد 5 مارس 2017.حيث اجتمع كثير من الاصدقاء والرفاق؛ كوكبة من أبناء الوطن جمعت بينهم الرؤية المشتركة لوطن يتشظى وهم عاجزون عن دعمه، يستلهمون من رفيقهم الغائب نبض الوطن في عروقه التي جففتها تربة بنغازي المالحة والمدبوغة بشمس الشتاء الحنونة، في ذكرى الآربعين بكلمات لفها الحزن وصاغها اليقين بحتمية أن الموت هو الحقيقة الوحيدة التي لاينكرها أحدا.

كنت هناك غير قادرة حتي علي تصديق واستيعاب ما انا فيه، كنت كمن تلفه دوامة في بحر هائج، احاول فقط أن اتماسك كي لا انهار، بيني وبيني كان صدي كلمات الرفيق مريد الرغوثي تصدح ملء المكان( وخدَعْتَني ، لاقيتَ موتَكَ مرة ونجوتَ منهُ ، لكي أصدِّقَ بالتمنّي والسذاجةِ ،أنه خَسِرَ الرِّهانْ ،وعجبتُ بَعدَكَ ، كيف أحيا بعضَ أحيانٍ وكيف أموتُ مِن آنٍ لآنْ ) كانت رغبة إدريس في الحياة تحصنه من الموت، مر بازمات صحية كان يخرج منها منتصرا، ماكان يرضخ لتوجيهات طبيب ، كان يستجيب لموعد لقاء صديق او صديقة قبل التفكير في الالتزام بموعد الحقنة او ضرورة وجبة الافطار قبلها، كان قدريا عنيدا، لايحسب للخوف حساب.

لم يكن مجرد رجل في حياتي ، كان حياتي كلها، وقفت علي ناصية اجمل سنوات العمر وريعان الشباب وحيدة، انتظر عودته من سجن ظالم تجاوز العشر سنوات.

الآن وأنا احاول التماسك ، أضع يدي علي قلبي العامر بحبه منذ عرفت للحب معني وبالايمان به وبصدق مواقفه منذ عرفت معني الايمان بربي ، لم يكن مجرد رجل في حياتي ، كان حياتي كلها، وقفت علي ناصية اجمل سنوات العمر وريعان الشباب وحيدة، انتظر عودته من سجن ظالم تجاوز العشر سنوات باشهر، كان مؤبدا والحق بفجيعة الاعدام بقرار من محكمة ثورية، وقع عليه ثلة من موتورين يرجعون الي ارشيف المعتقلين حين لا يجدون جديدا للاطاحة به، لم يخيفهم هو ورفاقه شيء كان ايمانهم بالحياة اقوى من ايمانهم بالموت فعاشوا حتي اعلن تحريرهم في ( اصبح الصبح)، وتلك قصة اخرى، وحين عودته لم يخلف بما وعد ، ظل ذاك العنيد الذي استلهم منه القوة واستظل بشجاعته المنقطعة النظير، أثثنا حياتنا بالوعي وخبرة التاريخ الوطني، والحب فقط، كان لنا بيتا وأحلاما واولادا نجباء، وأهل محبين وكان لنا رفاق واصدقاء، عمرت بهم امسياتنا في زمن أرتهن فيه الناس للخوف وما كنا فيه الا علي العناد بلا زناد، يحمينا صدقنا في حب الوطن.

أحاول أن أعيد توازن نفسي، وأبحث في قائمة الرفاق عمن يشحن همتي بايجابية الحياة، بدلا عن حتمية الموت، وبالفرح بالقادم بدلا عن الحزن لما ضاع، أحاول أن أسترجع مواقف أدريس ، ويدي ترتعش وعيني تغيم حين أرفق أسمه ( بالمرحوم) أريد أن أضعني مكانه، ماذا لو أنني من مات، وأنه من عاش؟

هل كان تأبيني سيمر بلا كلمة منه؟ هل كان الحزن جاثما عليه فلا يرى من الدنيا الا السواد؟

أزعم أنه كان سيبدو كعريس، يطقطق عكازه، وتتراقص خطاه، وينتثر عطره، وتنهال ابتساماته، مصافحا الجميع وشاكرا لهم الحضور، كان سيراني روحا تظلله، وغيمة تمطر بحبه، وكائنا لايغيب الا كما يغيب المسافر، هكذا تعامل مع الموت، حين فقدنا أبنينا المهدي ومحمود، وأبنتنا دنيا، وحين فقدنا أبوينا في أسبوع واحد، وحين فقد ربيب روحه محمد الترهوني وصديق طفولته محمد المسماري، حين فقد نزار الأبن الذ لم يكن اباه، وحين فقد رافع الشقيق المغدور، كنت أراقب نظرية الفقد عنده، والوفاء للأرواح التي تغادرنا بالوفاء لمن أحبوا، صبر علي تهجيرنا من بيتنا الذي مافرحنا بالعودة له ، وصبر علي حلمه بعودة الآمن لبلادنا والسلام، كان متفائلا ، برغم آلام حملتها روحه وما فعل الجسد المنهك بصولات وجولات ، وتحديات.

أحتاج إلي كثير من الدعم لأرمم بقايا عزيمتي، وكثير من الوقت لأقنع نفسي بحتمية الغياب الأبدي، وأحتاج الي كثير من الكلمات لأشكر الأهل والاصدقاء الذين آزروني في محنتي، وأعدهم أنني علي الوعد، سننجز معا ما وقف أدريس عنده، ملفاته المشرعة كثيرة، وروحه تراقبنا لننجز ما أراد.