Atwasat

تحية إجلال إلى المرأة الليبية

علي الدلالي الخميس 09 مارس 2017, 12:01 مساء
علي الدلالي

بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الذي يصادف اليوم الثامن من مارس، رأيت أن أكتب إشارات من الواقع الليبي لما فيه من دلالات واضحة عن تضحيات المرأة الليبية منذ القدم، وإسهامها في بناء الأسرة رغم جحود الرجل.

كنا قبل عدة سنوات-عندما كانت طرق المواصلات والتواصل آمنة من الميليشيات الخارجة عن القانون، التي تملأ اليوم صدر الأرض الليبية رعبا وتروع الليبيين والليبيات والمهجرين والمهجرات والنازحين والنازحات والمقيمين والمقيمات وعابري السبيل- نلتقي مجموعة من الأصدقاء كل مساء نحتسي الشاي والقهوة إلى ساعة متأخرة من الليل، نناقش مواضيع غير معدة مسبقا أو متفق عليها وقد نعود إليها مرات ومرات، وكأننا لم نناقشها من قبل، تتعلق بالمعاش اليومي في الحاضر ومقارنته بالماضي وكثيرا ما نسرح في "خرافات من الأدب المحكي" نسقطها بحذر شديد على الواقع السياسي.

أحد الأصدقاء (الشيخ م . ب) روى ذات مرة ونحن بصدد الحديث عن تضحيات المرأة في المجتمعات العربية "الذكورية"، ودورها في بناء الأسرة وتسلط الرجال، أن جارهم (العم إبراهيم) حيث كان يقيم يملك مزرعة صغيرة (نسميها سانية أو جنان في ليبيا) متزوج ويعمل فيما يسمى بـ"الزراعة الورقية- السلق، السبانخ، البقدونس، الكزبرة، النعناع، الشبت، الكرافس، الجرجير، الخس، البصل الأخضر وغيرها، تزوج بثالثة لتقوم بـ"شد شكيمة الحمارة حتى تضع زوجتاه الأولى والثانية (الشواري) المحملة بالخضروات على ظهر الدابة".

تحية إجلال وإكبار إلى والدتي التي لم أستطع أن أطبع ما يكفي من القبلات على جبينها، وإلى كل الليبيات وإلى نساء العالم أجمع في اليوم العالمي للمرأة

مهمة العم إبراهيم كانت تقتصر على إحضار الشتول وزرعها وتسويق المنتوج بعد أن ينضج كل أسبوع في سوق الجمعة، فيما تقوم زوجته الأولى (فاطمة)، بعملية السقي وتنظيف الأرض من الأعشاب الضارة وجمع الإنتاج وهي عملية شاقة وصعبة تتم نهارا، وتمضي ليلة الجمعة (أي ليلة يوم السوق بعد يوم بدأته من الفجر في حصد المحصول)، في تجهيز وربط الخضروات قبل وضعها في الشواري، فيما يستيقظ العم إبراهيم من نومه كعادته، يتوضأ ويصلي صلاة الصبح ويتناول الإفطار الصباحي الذي أعدته زوجته فاطمة، ثم يأتي ليجد المحصول جاهزا فتساعده على تحميل "الشواري" على ظهر الحمارة لنقله إلى السوق.

يعود العم إبراهيم إلى البيت بعد تسويق الإنتاج وصلاة الجمعة ليجد الغداء جاهزا، يأكل وينام إلى ما بعد صلاة العصر فيما "المسكينة" فاطمة تقوم على شؤون البيت والأطفال.

بعد بضع سنوات على نفس الحال، اشتكت فاطمة من التعب في "السانية" وكثرة الأعمال المنزلية ورعاية أطفالها الخمسة، فما كان من العم إبراهيم إلا أن فكر وقرر الزواج بثانية لتساعد الأولى. وهكذا كان الأمر. دخلت الزوجة الثانية رأسا على العمل في "السانية" إلى جانب الزوجة الأولى فطابت الفكرة لـ (عمنا إبراهيم) الذي وجد نفسه في بحبوحة حيث تقلصت مسؤولياته واقتصر دوره على بيع المنتوج في السوق كل يوم جمعة. استمر الحال هكذا بضع سنين أنجبت المرأة الثانية بدورها أطفالا ومن يكبر منهم ، ذكورا أم إناثا ينزل للعمل في الحقل و(عمنا إبراهيم) دائما في بحبوحة.

ذات يوم وهو يتناول وجبة الإفطار بعد صلاة الصبح كان (عمنا إبراهيم) يراقب زوجتيه تحاولان رفع "الشواري" (يقال إن أصل الكلمة فارسي وهي قفة مزدوجة من سعف النخيل توضع على ظهر الدابة لحمل الأغراض)، غير أنهما فشلتا وسقطت "الشارية" فتبعثرت الخضروات. جن جنون (عمنا إبراهيم) وكال سيلا من الشتائم لزوجتيه بسبب الحادثة وسأل عن السبب فقالتا: والله الحمارة تحركت عندما هممنا بوضع "الشارية" على ظهرها.
زاد غضب (عمنا إبراهيم) وعلا صوته وقال "علي الطلاق الخميس الجاي الا ما نجيب الثالثة باش تشد الشكيمة متاع الحمارة". وهكذا كان.

لقد كانت المرأة الليبية ولا تزال تتحمل العبء الأكبر في بناء الأسرة والسهر على تربية الأطفال وأستشهد هنا بما رأيته من أمي رحمها الله وهي واحدة من مئات الآلاف من الليبيات اللائي ساهمن بقوة في بناء هذه الدولة- وإن كانت غرقت اليوم في صدمة ظلام ستخرج منها مهما اشتد الظلام وزاد العناد- حيث كانت أمي تعمل منذ أن بدأت الإدراك، بمعدل يزيد 10 أضعاف على الأقل مقارنة بالجهد الذ يقوم به والدي في مصنع قرجي للمعكرونة حيث كان يعمل رحمه الله.

كانت أمي تهتم بتربية الأبناء وإعداد الطعام وهو ليس بالكيفية التي نتصورها اليوم حيث كنا على سبيل المثال نأتي لها بالشعير لتصنع منه الدقيق وما يتطلبه ذلك من (تنظيف وتحميس وتغييز وتغربيل)، وتصنع "البسيسة" و"الهريسة" و"معجون الطماطم" و"البزار" و"الزيتون المملح" و"معجون التمر" و"الرب"، وتغسل الملابس وأواني المطبخ يدويا، وغير ذلك الكثير.

تحية إجلال وإكبار إلى والدتي التي لم أستطع أن أطبع ما يكفي من القبلات على جبينها، وإلى كل الليبيات وإلى نساء العالم أجمع في اليوم العالمي للمرأة.