Atwasat

ركن العامرية ..الليبيون بلا كرامة يا أصحاب الكرامة

فدوى بن عامر الأربعاء 01 مارس 2017, 09:23 صباحا
فدوى بن عامر

وتتوالى الإنجازات في وطننا على شكل قرارات لم تسبقها دراسات بل (ميعاد) بين الرجال، تارة في مربوعة عسكرية وتارة أخرى في مربوعة إسلامية والمصالح متبادلة بالضرورة ولتذهب مصلحة المواطن الليبي إلى الداهية. ولا تخلو تلك المرابيع من مشاهد الرز واللحم ومن ثم تأتي القرارات تباعًا من وادي التخمة، بينما يعيش الإنسان الليبي الذي ألبسوه ثياب الحزن وألقموه القهر في وادي الجحيم.

لا أحد من هؤلاء السلاطين يُعمل الفكر قليلًا لتسهيل حياة الليبي المغلوب على أمره أبد الدهر، أعني منذ أن عبرت خيول الفاتحين الأوائل أراضيه حيث انطلقت من الإسكندرية غربًا ولم تتوقف للاستراحة والتقاط الأنفاس إلا في القيراون، التي كانت مدينة المسلمين الأولى في المغرب العربي، فلمَ لَمْ تُبنَ القيراون على الأراضي الليبية!. لابد من سبب وجيه وأترك أمر التكهن به لكم.

فجأة انتفت تهمة الجوسسة عمن جاوزت منتصف الأربعينيات، وفجأة شملت المحارم بين سن الثامنة عشر والخامسة والأربعين، وللإنصاف فالقرار قد ضم في بطنه الرجال والنساء معًا، أعني أنه أخذ بمبدأ المساواة بين الجنسين إلا إنها كانت مساواة على طريقة سلاطين وادي الجحيم، تلك التي تفتح باب الظلم على مصراعيه، الكاتمة للحريات والمفترضة سوء نية المواطن الليبي المغلوب على أمره بأمر كل الأمراء. مساواة ظالمة لكنها ستفتح الباب (للبيزنيس) الذي سيزدهر باستصدار الموافقات الأمنية للراغبين بالسفر. اللافت أن قرارًا كهذا بحاجة لمنظومة أجزم أنها غائبة، وإن كانت فلتكن من باب أولى لتنظيم أحوال مطار الأبرق الغارق في الفساد والظلم والظلام وسوء الآداء والأدب. أهناك مطار في العالم ليس به ميزان لحقائب السفر حيث اُستبدل الميزان بآلية "التحكير" باليد، فيأمر الموظف صاحب اليد السحرية "المحكّرة" المسافر بدفع المال لتجاوز حقيبته الوزن المسموح به!.

أهناك مطار على كوكب الأرض ليس به دورات مياه صالحة للاستعمال الآدمي، ويفتقد لكرسي واحد غير أعرج!. في الحقيقة المطار برمته يُدار بطريقة عرجاء لا تصلح لبني الإنسان، ولا تقولوا لي إنها المؤامرة من الكفار يا امرأة. بل هي المؤامرة بيننا وبين بني جلدتنا، فالإدارة ليبية خالصة غير مخلصة رغم تدينها الشكلي وطبيعتها المحافظة بالفطرة.

المواطن الليبي الذي يعيش ارتكاسة حضارية غير مسبوقة يدفع الْيَوْم حريته ثمنًا لمساندته المؤسسة العسكرية

وهذا الليبي المهجّر قهرًا وقسرًا، الذي أصبح في يوم مدلهم ليجد نفسه وأطفاله في المخيمات أو ممنونًا عليه بحجرة عند بعض الأقارب، أو مستأجرًا بيتًا لا يساوي ربع ما يُطلب فيه من أموال لا يملكها!. هذا الليبي ليس بحاجة إلا لتفعيل قرارات تعمل بها كل الدول التي تحترم نفسها ومواطنيها.

المواطن الليبي الذي يعيش ارتكاسة حضارية غير مسبوقة يدفع الْيَوْم حريته ثمنًا لمساندته المؤسسة العسكرية، كان ذلك خوفًا من تطرف ديني همجي ليُفاجأ بتحالف مؤسسته العسكرية مع التيار الديني السلفي، وهكذا صيغت قرارات تهدف لمزيد من التضييق على المواطن، هذا المواطن الذي بحاجة لقرارات تهتم بصحته، فالفساد الذي عّم قطاع الاستيراد في الوطن سيدفع ثمنه المواطن الليبي وأولاده وأحفاده وربما أحفاد أحفاده أيضًا. أدوية زراعية منتهية الصلاحية وعقاقير طبية تُستورد غير خاضعة للمعايير المنصوصة، ومراقبون انعدم لديهم حس الضمير السوي فهم يجيزون كل شيء حتى الحناء المسمومة لمن يدفع أكثر، ولم يعد بإمكان الطبيب معرفة ماهية الأدوية لغياب التعليمات بالعربية والإنجليزية، ناهيك عن استيراد البضائع المقلدة الرخيصة لبيعها في الأسواق كأصلية بأغلى الأثمان، وهذه عينة من أفعال الشعب المتدين بالفطرة الحافظ لكتاب الله الملقي السلام بين الكلمة والأخرى المتمتم بعبارات الحمد والشكر والتكبيرات والتبريكات بين كل لحظة وأخرى.

المواطن الليبي ليس بحاجة لمزيد من الانتهاكات لإنسانيته، هو بحاجة لأن يوصل زوجته التي تعاني المخاض لمستشفى آمن من غير التفكير في المبلغ المطلوب لشراء العدة المطلوبة للولادة. هذه خارقة لم أسمع بوقوعها إلا في بلادنا حيث لا كرامة للإنسان. أن يتعين على الزوج شراء حقيبة الولادة المحتوية على قفازات طبية ومقص وباقي المستلزمات الضرورية فهذا لعمري قمة الاستهزاء بالمواطن. وكل هذه المعاناة لإنجاب أطفال باتوا وقودًا لجحيم الوطن. تنجب الليبية ليقتلوها بقتل ولدها، ولا أعني هنا القتل بمعناه المتداول فقط وإنما كل أنواع القتل الذي أصبح شريعة هذا المجتمع الحالك الظلمة.

الليبيون بحاجة لتفعيل المحاكم والتوقف عن القتل الهمجي والعبثي لبعضهم بعضا دون محاكمة عادلة ومنصفة. هم أحوج ما يكون للتوقف عن اللهاث وراء الشماتة وروح التشفي رغم التمسك بمظاهر التدين بحثًا عن طمأنينة داخلية مفقودة وللأبد.

ألم يسمع من هم على رأس وادي الجحيم عن كل هذه المصائب التي يكابدها الليبي يوميًا وفي كل لحظة. ألم يسمعوا باختراع يُقال له ترتيب أولويات لينصرفوا عن كل ذلك تارة لإصدار قرار يقضي بمنع سفر المرأة إلا بمحرم وتارة إلغائه واستبداله بآخر أشد تعسّفًا!. ولم أندهش لردود فعل أفراد المجتمع بين هذا المؤيد والممجد لما اعتبره حكم الله وذاك المعارض لقرارات أصحاب السعادة والفخامة.

خلاصة القول أن مطالبنا ظالمة إذ كيف نطالب بالحرية وقيام دولة عادلة لمجتمع معاد لكل ذلك، فنحن لدينا وطن يحتاج أهله لباقي الزمان ولن يكفيه للانتحاب على ما اقترفته يداه.