Atwasat

شوكولاته فاخرة.. تعليب وتسويق ليبيا!

علي جماعة علي الأربعاء 01 مارس 2017, 09:10 صباحا
علي جماعة علي

قبل الولوج إلى الفكرة. دعني أطلب منك أن تتأمل علبة شوكولاته فاخرة بغلاف أنيق ذي ملمس ثقيل. هل حبست لوهلة ناظريك هل استطعمت مذاقها الشهي اللذيذ؟. في غالب الأحوال، فعلت ذلك وأكثر. بل وتحولت الشوكولاته في عقولنا وأذهاننا إلى رمز للود والمحبة في مناسبات جميلة للتعبيرعن الامتنان، المواساة، الاشتياق بين الأصدقاء، الأحباب، رش الفرحة على قلوب الأطفال. ذلك ما أصفه بالقوة الناعمة للشوكولاته (شكلها الأنيق، مذاقها اللذيذ، رمزيتها الودودة).

خلف هذه القوة الناعمة. تقف قوة أخرى خشنة هي سلسلة العمليات المرهقة، المملة، الثقيلة من نقل، مناولة، تخزين، تفريغ حاويات الكوكا، خزانات الحليب، شوالات السكر إلى التخلص من مخلفات التصنيع. بالطبع تقف فرق من الإداريين، المهندسين، التسويقيين خلف هذا التميز، التفرد في صناعة الصورة الجميلة للشوكولاته، تنسيق أدوار القوة الخشنة، الناعمة، الحال كذلك مع باقي المنتجات الناجحة ذات العلامات التجارية الرائجة مثل السيارات، الهواتف المحمولة.. إلخ.

يحتاج خبراء القوة الناعمة أن يضمّنوا للعلامة التجارية النقوش الأثرية، الرقصات الشعبية، المساجد العتيقة، الملابس التقليدية

والسؤال الآن: هل يمكن أن تحذو بلادنا حذو منتج الشوكولاته مثلاً، وأن تحظى في عقول، أفئدة الناس بصورة جذابة راسخة، زاخرة بإيحاءات مثيرة، مشوقة من إلهام اسمها، موقعها، جمال طبيعتها، طيبة أهلها، تاريخها الغني. كيف يمكن لنا أن "نعلب"، نسوق ما تملكه بلادنا من تنوع عرقي، موارد اقتصادية في علامة تجارية يداوم على الإقبال عليها جمهور عالمي متزايد من السواح، المستثمرين، صناع السينما، المستكشفين، البحاث وبما يتيح للدولة، على المدى البعيد فرص للتأثير السياسي في محيطها، أبعد.

بينما تتصارع الميليشيات عبثياً على مناطق نفوذ، تتصاعد لغة الكراهية بين سياسيين فاشلين قصيري النظر لا يملكون رؤية إبداعية للمستقبل، بينما يعمل سياسيون آخرون محترمون على مشاريع للتوافق، بناء الدولة. دعونا نتخذ لنا ركناً قصياً هادئاً للعمل على مشروع "العلامة التجارية" لليبيا ندعو له مبدعين من فنانين تشكيليين، شعراء ملهمين، خبراء سياحة، فناني راب شباب، مفكرين، رجال أعمال طموحين، آخرين.
دعونا نجلس نتسامر على الرمال الذهبية حول وادي الأبطح، على شاطئ الخمس، في دواميس غريان، المدينة القديمة في غدامس، القطرون، في منتجع راس الهلال الخلاب، تحت نخيل الجفرة، بين جبال أكاكوس، في جزيرة فروة، مشروع السرير، نناقش على مدى أسابيع كيف نصمم علامة تجارية قوية لبلادنا ننقش فيها روح ليبيا، جمالها، عراقة شعبها في صورة جميلة، نختار لها رمزاً مميزاً قد يكون شجرة زيتونها المباركة أو غزالتها الرشيقة أو نخلتها الشامخة أو ناقتها الصبورة.

يحتاج خبراء القوة الناعمة أن يضمّنوا للعلامة التجارية النقوش الأثرية، الرقصات الشعبية، المساجد العتيقة، الملابس التقليدية، أن يقدموها بلحن مميز تتناغم فيه المعزوفات، الأهازيج، الأشعار الشعبية من كل المدن والقرى، الواحات بالإضافة إلى موسيقى الجيل الجديد، ما تحمله من روح شبابية جسورة مغامرة منفتحة على الجديد.

كما يحتاجون إلى صياغة رسالة تعريفية للناس حول علامة ليبيا التجارية تعلق في مداخل سفاراتها، مطاراتها، مبانيها الحكومية مكتوبة بمفردات منتقاة بعناية تشدد على إيمان الليبيين بالانفتاح الحضاري، التسامح، قبول التنوع. مفردات قليلة معبرة يسهل حفظها، لها وقع موسيقي على الأذن، الروح مثل حكمة عتقتها العصور.

لعله من المفيد هنا الإشارة إلى أن تصميم العلامة التجارية يبدأ بالاقتناع أن هوية ليبيا تكتسب حيويتها من تنوعها العرقي (عرب، أمازيغ، طوارق، تبو)، يضيفون لبلدهم من عصارة تجاربهم، تتلاقح أفكارهم الذكية لخدمتها.
وكما أسلفنا في الحديث عن الشوكولاته تقف خلف القوة الناعمة للمنتج أخرى "خشنة" إن جاز التعبير. وفي حال العلامة التجارية لليبيا فإن القوة الخشنة اللازمة للنجاح هي مجمل العمليات، المهام، الكفاح المجتمعي لتأسيس دولة قابلة للازدهار في أجواء الحرية، حماية الحقوق برعاية مؤسسات مستقلة، فعَّالة تحتكم لدستور يضمن التعددية السياسية، التداول السلمي للسلطة، كذلك أعمال مؤسسات الاقتصاد، التجارة في تشجيع، دعم مشاريع نوعية تتمتع بميزة تنافسية في نطاق الإقليم، خارجه.

إنه عصر الصورة، التكثيف المعلوماتي، يحتاج من يلتقط العناصر المبعثرة في هويتنا يشكلها بحرفية الصائغ الماهر ويمزجها بألوان الفرح

وكأمثلة على مشاريع صغيرة قد تساهم في صناعة العلامة التجارية يمكن اقتراح إقامة كرنفال ليبيا السنوي موسماً للفرح، التسوق، التعارف الدولي، السياحة. كما أن هوية الدولة السياسية باعتبارها أحد عناصر العلامة التجارية يمكن أن تعزز رمزياً بتشييد قصر رئاسي فخم يحمل في تصميمه الهندسي المتفرد الخصائص، المكونات الجامعة للهوية الليبية، ينطبق الأمر ذاته على باقي المؤسسات السيادية للدولة. يمكن أيضاً تعزيز العلامة التجارية بإنشاء متحف للتاريخ السياسي في ليبيا، يمكن كذلك إعادة بناء قلعة باب العزيزية (مقر حكم معمر القذافي) بتفاصيلها كمعلم سياحي يوثق لمرحلة حكم القذافي الشمولي، يضم كذلك صوره، أزياءه، حتى الطاولة التي ألقى من عليها خطاب (زنقة زنقة دار دار) الشهير. كما يمكن اقتراح بناء متحف لثورة السابع عشر من فبراير تحوي وثائق، معدات، آليات استخدمها الثائرون في الإطاحة بالقذافي.

إنه عصر الصورة، التكثيف المعلوماتي، يحتاج من يلتقط العناصر المبعثرة في هويتنا يشكلها بحرفية الصائغ الماهر ويمزجها بألوان الفرح، الأمل، يقدمها للعالم على خلفية أغنية جميلة تستحضر روح الشعب الليبي الصبور في رحلة العصور مع الاستبداد، المقاومة، الحرية.