Atwasat

شوكولاتة فاخرة.. تعليب وتسويق ليبيا!

علي جماعه علي الثلاثاء 28 فبراير 2017, 04:51 مساء
علي جماعه علي

قبل الولوج إلى الفكرة.. دعني أطلب منك أن تتأمل علبة شوكلاتة فاخرة بغلاف أنيق ذي ملمس صقيل، هل حبست لوهلة ناظريك، هل استطعمت مذاقها الشهي اللذيذ؟ في غالب الأحوال فعلت بك ذلك وأكثر، بل وتحولت الشوكولاتة في عقولنا وأذهاننا إلى رمز بادخ للود والمحبة في مناسبات جميلة للتعبير عن الامتنان، المواساة، الاشتياق بين الأصدقاء والأحباب، ورش الفرحة على قلوب الأطفال. ذلك ما أصفه بالقوة الناعمة للشوكلاتة (شكلها الأنيق، مذاقها اللذيد، ورمزيتها الودودة).

خلف هذه القوة الناعمة تقف قوة أخرى خشنة هي سلسلة العمليات المرهقة، المملة، والثقيلة من نقل ومناولة وتخزين وتفريغ حاويات الكوكا وخزانات الحليب وشوالات السكر، إلى التخلص من مخلفات التصنيع. بالطبع تقف فرق من الإداريين والمهندسين والتسويقيين خلف هذا التميز والتفرد في صناعة الصورة الجميلة للشوكلاتة، وتنسيق أدوار القوة الخشنة والناعمة، والحال كذلك مع باقي المنتجات الناجحة ذات العلامات التجارية الرائجة مثل السيارات والهواتف المحمولة.. إلخ.

يحتاج خبراء القوة الناعمة أن يضمّنوا للعلامة التجارية النقوش الأثرية الرقصات الشعبية، المساجد العتيقة والملابس التقليدية

والسؤال الآن: هل يمكن أن تحذو بلادنا حذو منتج الشوكلاتة مثلاً، وأن تحظى في عقول وأفئدة الناس بصورة جذابة، راسخة، زاخرة بإيحاءات مثيرة ومشوقة من إلهام اسمها وموقعها وجمال طبيعتها وطيبة أهلها وتاريخها الغني. كيف يمكن لنا أن «نعلب» ونسوق ما تملكه بلادنا من تنوع عرقي وموارد اقتصادية في علامة تجارية يداوم على الإقبال عليها جمهور عالمي متزايد من السواح، المستثمرين، صناع السينما والمستكشفين والبحاث، وبما يتيح للدولة على المدى البعيد فرص للتاثير السياسي في محيطها وأبعد.

بينما تتصارع الميليشيات عبثيًا على مناطق نفوذ وتتصاعد لغة الكراهية بين سياسيين فاشلين قصيري النظر لا يملكون رؤية إبداعية للمستقبل، وبينما يعمل سياسيون آخرون محترمون على مشروعات للتوافق وبناء الدولة، دعونا نتخد لنا ركنا قصيا هادئا للعمل على مشروع «العلامة التجارية» لليبيا ندعو له مبدعين من فنانين تشكيليين، شعراء ملهمين، خبراء سياحة، فناني راب، شباب ومفكرين ورجال أعمال طموحين وآخرين.

دعونا نجلس نتسامر على الرمال الذهبية حول وادي الأبطح وعلى شاطئ الخمس وفي دواميس غريان والمدينة القديمة في غدامس والقطرون، في منتجع رأس الهلال الخلاب، تحت نخيل الجفرة وبين جبال أكاكوس وفي جزيرة فروة ومشروع السرير، نناقش على مدى أسابيع كيف نصمم علامة تجارية قوية لبلادنا ننقش فيها روح ليبيا وجمالها وعراقة شعبها في صورة جميلة، ونختار لها رمزًا مميزًا قد يكون شجرة زيتونها المباركة أو غزالتها الرشيقة أو نخلتها الشامخة أو ناقتها الصبورة.

يحتاج خبراء القوة الناعمة أن يضمّنوا للعلامة التجارية النقوش الأثرية الرقصات الشعبية، المساجد العتيقة والملابس التقليدية، وأن يقدموها بلحن مميز، تتناغم فيه المعزوفات والأهازيج والأشعار الشعبية من كل المدن والقرى والواحات بالإضافة إلى موسيقى الجيل الجديد بما تحمله من روح شبابية جسورة مغامرة مثوتبة منفتحة على الجديد.

كما يحتاجون إلى صياغة رسالة تعريفية للناس حول علامة ليبيا التجارية، تعلق في مداخل سفاراتها ومطاراتها ومبانيها الحكومية، مكتوبة بمفردات منتقاة بعناية، تشدد على إيمان الليبيين بالانفتاح الحضاري والتسامح وقبول التنوع. مفردات قليلة معبرة يسهل حفظها ولها وقع موسيقي على الأذن والروح مثل حكمة عتقتها العصور.

لعله من المفيد هنا الإشارة إلى أن تصميم العلامة التجارية يبدأ بالاقتناع أن هوية ليبيا تكتسب حيويتها من تنوعها العرقي (عرب وأمازيغ وطوارق وتبو)، يضيفون لبلدهم من عصارة تجاربهم وتتلاقح أفكارهم الذكية لخدمتها.
وكما أسلفنا في الحديث عن الشوكولاتة، تقف خلف القوة الناعمة للمنتج أخرى «خشنة» إن جاز التعبير. وفي حال «العلامة التجارية» لليبيا، فإن القوة الخشنة اللازمة للنجاح هي مجمل العمليات والمهام والكفاح المجتمعي لتأسيس دولة قابلة للازدهار برعاية مؤسسات مستقلة وفعالة تحتكم لدستور يضمن التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، وكذلك أعمال مؤسسات الاقتصاد والتجارة في تشجيع ودعم مشروعات نوعية تتمتع بميزة تنافسية في نطاق الإقليم وخارجه.

عصر الصورة والثكتيف المعلوماتي، يحتاج من يلتقط العناصر المبعثرة في هويتنا، يشكلها بحرفية الصائغ الماهر

وكأمثلة على مشروعات صغيرة قد تساهم في صناعة العلامة التجارية يمكن اقتراح إقامة كرنفال ليبيا السنوي موسمًا للفرح والتسوق والتعارف الدولي والسياحة. كما أن هوية الدولة السياسية باعتبارها أحد عناصر العلامة التجارية يمكن أن تعزز رمزيًا بتشييد قصر رئاسي فخم يحمل في تصميمه الهندسي المتفرد الخصائص والمكونات الجامعة للهوية الليبية، وينطبق الأمر ذاته على باقي المؤسسات السيادية للدولة. يمكن أيضًا تعزيز العلامة التجارية بإنشاء متحف للتاريخ السياسي في ليبيا ويمكن كذلك إعادة بناء قلعة باب العزيزية (مقر حكم معمر القدافي) كمعلم سياحي يوثق لمرحلة حكم القذافي الشمولي ويضم كذلك صوره وأزياءه وحتى الطاولة التي ألقى من عليها خطاب (زنقة زنقة دار دار) الشهير. كما يمكن اقتراح بناء متحف لثورة السابع عشر من فبراير يحوي وثائق ومعدات وآليات استخدمها الثائرون في الإطاحة بالقذافي.

إنه عصر الصورة والثكتيف المعلوماتي، يحتاج من يلتقط العناصر المبعثرة في هويتنا، يشكلها بحرفية الصائغ الماهر، يمزجها بألوان الفرح والأمل ويقدمها للعالم على خلفية أغنية جميلة تستحضر روح الشعب الليبي الصبور في رحلة العصور مع الاستبداد والمقاومة والحرية.