Atwasat

بلد السلمون.. ومراعي الغزلان

محمد عقيلة العمامي الإثنين 25 سبتمبر 2017, 09:47 صباحا
محمد عقيلة العمامي

جمهورية أيسلندا، أو (أرض الثلوج) جزيرة على حافة القطب الشمالي بالمحيط الأطلسي، تعداد سكانها أكبر قليلا من عدد المشاركين في المؤتمر الوطني الذي يزمع السيد غسان سلامه عقده في ليبيا، وقريب جدا من نصف تعداد بنغازي من بعد ضحايا حروب فبراير.

ولا يبدو أن تعداد أيسلندا سيزيد فلا جيران لهذه الجزيرة النائية، ولا هجرات غير شرعية لها أو عبرها. وهي مجرد قطعة أرض بركانية، كأرواح شبابنا، مازالت أدخنة تظهر فوق سطح البحر ويراها الناس من حافة جزيرتهم الآمنة جدا. إنها مجرد هضبة رملية تعلوها جبال جليدية تنحدر منها أنهار تطفو فوقها نتف الثلج وقطع جليد. صيد السمك، خصوصا السلمون والزراعة هما نشاط الناس، وزادت عليهما أنشطة تجارية أخرى من بعد أن صارت أصغر دولة تنظم إلى الناتو. لا جيش لها ولا كتائب مجرد 500 شرطي يساعدون العجائز في عبور الشوارع من الإشارات الضوئية، والمدينة آمنة جدا؛ أما أكثر الجرائم شيوعا التهريب ومخالفات المرور، أخطرها القيادة في حالة سكر، فضبط سائق تناول كوبا واحدا من البيرة (المسقعه) يعرضه إلى حرمان من القيادة لمدة ستة أشهر وغرامة قدرها 100 دولار وسجنا، يختار المتهم توقيته لمدة ثمانية أيام، والسجن عبارة عن مزرعة مفتوحة.

عاصمتها (ريكيافيك) وتعني خليج الدخان، فثمة ينابيع بالجوار تنفث بخارا ساخنا جراء البركان القديم، يذهب المواطنون إليها في رحلات نهاية الأسبوع يطهون فوقها البطاطس، ويتخذون من أسطحها الحامية شواية لخبز يشبه خبز التنور. فتياتها غاية في الجمال والأنوثة، فمنذ أن استوطن فيها الزعيم النرويجي (ارنارسون) بشكل كامل سنة 874 وظلت بين السلطة النرويجية والدنماركية حتى سنة 1944 إذ انسلخت بالكامل عن الدنمارك، تواصل مجيء المهاجرين من (الفايكنج) وأحفادهم، الذين كانوا يغيرون وينهبون موانيء أوروبا الغربية ويخطفون الجميلات، ذوات الشعر الأحمر، وصار هذا الخطف عادة استمرت سوى بالزواج أو بالسرقة. ويبدو أن الزعيم سن قانونا لا يسمح إلاّ بدخول الفاتنات، فصارت بلاده مراعي آمنة لغزلان حمراوات الشعر.

تمتلك هذه الجمهورية رقما قياسيا، وفق التقارير، في حرية الصحافة، ولعل ذلك ما لفت انتباهي ودفعني للبحث عن معلومات عنها، وليس مثلما يشاع بسبب وفرة السلمون أو الأشياء الأخرى. إن أكثر ما أسرني مثل آيسلندي يقول: "أن تكون بلا حذاء أفضل من أن تكون بلا كتاب" ولعل هذا ما جعلها توفر كتبا لمواطنيها تزيد بمعدل سبع كتب عما توفره إنجلترا لمواطنيها، وتقول الإحصائيات أنه لا يوجد مبني سكني من دون محل أو اثنين لبيع الكتب، والصحف اليومية، التي يبلغ عددها سبعة. ويعد أشهر برنامج إذاعي أسبوعي في المدينة ذلك الذي يقدم قراءات أدبية شهيرة منتظمة. والثقافة - يا هيأة ليبيا لدعم وتشجيع الصحافة- في آيسلندا تُفرغ الكتاب والفنانين والملحنين البارزين وتدفع لهم مرتبات شهرية منتظمة. ولعل ذلك يرجع لنتائج تخصيصهم لأكبر بند في ميزانيتهم للإنفاق على التعليم المجاني حتى المستوى الجامعي، ناهيك عن الرعاية الصحية والتقاعدية؛ والعجيب أن ميزانيتهم كلها من الضرائب التي تبلغ حتى 75% من الدخل ويدفعها المواطنون عن طيب خاطر.

الآيسلنديون شعب ينحدر، تقريبا، من عرق واحد. ويتسمون بطريقة تختلف عن الأوربيين كافة، فهي تقترب كثيرا من الطريقة العربية في التسمية؛ فاسمي مثلا محمد عقيلة، وبحسب التسمية العربية المعروفة : محمد بن عقيلة، يعني يضاف لأسمى الأول محمد: (ابن) عقيلة. ويصبح اسمى بالآيسلندي: Mohamed Agiela(son) فينطق (موهمد اجيلاسون) أما الأنثى فيكون المضاف (ابنة) يعني (daughter) فيصبح مثلا اسم شقيقتي زكية عقيلة مثلا: Zakeya Agiela(daughter ) وينطق(زكيا اجيلادوتر) وهذا يسبب لهم مشاكل في العالم في مسألة الإقامة في الفنادق وفي الأعمال المصرفية. الأهم من ذلك كله أن نسبة التعليم في آيسلندا تبلغ 100% ونسبة البطالة معدومة 100% وهم شعب راق منظم مؤدب، يحبون وطنهم ويخافون عليه، فعلى من يريد الإقامة عندهم أن يتذكر أنهم أحفاد (الفايكنج) الأجلاف المحاربين الأشاوس، الذين لن يترددوا في تكسير رأسه بنسبة 100% ويصبح الرقم الرابع، في إحصائيات بلادهم الإجرامية ، فطوال خمسين عاما لم يسجل في آيسلندا سوى ثلاثة جرائم قتل فقط.