Atwasat

"الله لا يلعب النرد"

محمد عقيلة العمامي الإثنين 16 يناير 2017, 10:48 صباحا
محمد عقيلة العمامي

بلغت قيمة سوق القمار في أوربا سنة 2009 نحو: 335.000.000.000$، وهو رقم أكبر بكثير مما ينفقه العرب على التعليم والصحة معا. للقمار أشكال وأنواع لا تحصى ولا تعد. ويصعب تصور مدى سيطرته على مدمنيه، ومصائبه ومغباته، بل ونوادره أيضا.

في ثمانينيات القرن الماضي شاهدت مقامرا ليبيا يقترب من مرحلة الكهولة، يلعب (الروليت) في كازينو فندق الشيراتون. كان أعمى تماما، يرافقه شاب يدون له الأرقام التي تكسب، أي تلك التي تقع في حيزها الكرة البيضاء، وأيضا اسم المستخدم الأنيق، المكتوب اسمه بمسطح فضي أعلى سترته، والذي يدفع الكرة بمهارة على حافة الصحن الذهبي، المحاط بخشب (الموهاجنو) والذي تتوسطه العجلة المسطحة الملونة بالأحمر والأسود وكذلك الأخضر.

لقد راقبتهما، واقتربت منهما جدا، وداهنت العجوز المقامر، مبديا إعجابي بمهارته، وأخبرتهما بأنني ليبي مثلهما، وتبادلتُ اثناء مراقبتي له (قفشات) وأكد لي أن فقدان البصر نعمة، إذ يعتمد من يفقده على تجاربه ودراسته، وتصير حاسة اللمس هي عيناه، بل ويستغلها بمتعة عندما يريد أن يكتشف المرء الأشياء، قال: "ما أشم عطرا أنثويا حتى تتجه كفاي نحوه وكثيرا ما تتحس تضاريسها، فمن يلوم أعمى لا يرى طريقه؟ هل بمقدورك وأنت المبصر أن تفعل ذلك؟".

المنطق والعلم يقولا أن الله حق، تماما مثل حاجتنا لبقاء ليبيا واحدة موحدة

كانا بعدما يغيرون دافع الكرة بآخر، يتجهان نحو (البار) ودعاني أن أرافقهما، وأفهمني أنهما يحصون الأرقام التي تكسب جراء دفعة كل (Dealer) وبذلك يعرفون أكثر الأرقام التي يصيبها كل منهما. عرفت أنه كان متفوقا في القسم العلمي وأنه درس هندسة الطيران ولكنه فقد بصره نتيجة حادث أليم. والحقيقة طوال مراقبتي له لم يخسر كثيرا أو يكسب كثيرا سوى حالة السعادة التي تحف به وهو يناكف النادلة، أو زبونة إن وقفت أو جلست بجانبه.

حينها لم استوعب تماما، فكرة تدوين الأرقام ولكنني البارحة اكتشفت شيئا قريبا من فكرته، فدعوني أخبركم كيف اكتشفت بالصدفة ذلك الأمر؟: إنها عبارة لفتت انتباهي قالها عالم الرضيات (اينشتاين)، من حوار سمعته من منضدة بجواري بمقهى اسمه (اينشتاين) فقلت في نفسي، لعل صاحب نظرية النسبية هذه له علاقة بهذا المقهى، كأن يكون لأسرته مثلا، أو أنه كان من رواده، ولكنني اكتشفت أنه مجرد مقهى تأسس في برلين سنة 1978 وصار لها فروع في العالم كله.

العبارة تقول: "إن الله لا يلعب النرد" وعندما بحثت عنها اكتشفت أنها ناقصة فبقيتها تقول: " إن خالق الكون يعلم بالضبط أي إلكترون يتحرك، وأي إلكترون توقف!" وكان ذلك تعقيبا على نظرية الاحتمالات، التي تعد من أساسيات أحد فروع علم الرياضيات. ثم اكتشفت علاقتها بالقمار. جذور النظرية أسسها عالم من علماء عصر النهضة الأوربية اسمه (جيرولامو كاردانو) تخصص في الطب والرياضيات والتنجيم وكان مقامرا! ولعله من المقامرة أسس جذور نظرية الاحتمالات، فهي: "نسبة وقوع الحدث على مدى طويل، أو وقوع أمر ما لسنا على ثقة بحدوثه، كفوز حصان في سباق، أو كلعبة النرد (الطاولة) في احتمالية ظهور أي رقم من الأرقام الستة، أو (وقوع كرة الروليت في مربع الرقم) كلها مجرد احتمالات. فالرياضيات مثلما يقال: "وجدت لتسحر العقول" و " الموسيقى رياضيات مسموعة والرياضيات موسيقى صامته".

أما نظرية الاحتمالات فهي قائمة في كل شيء، ولا تحتاج إلاّ لاستخدام منظم لعقولنا، فاحتمال حصولك على مرتبك، أو عودة الكهرباء؟ هو احتمال. وهل يتوافق الفرقاء أم لا؟ هو أيضا احتمال. وهل ستتقسم ليبيا أم تدخل في حرب أهلية كذلك احتمال؟ أما الشيء المؤكد هو ضياع ليبيا لو استمر الوضع على هذا الحال. كل الذين يخافون على ليبيا، أو على مصالحهم يؤكدون لنا أننا لا نملك المزيد من الوقت إذا كنا نريد بلادنا ثانية.

قد تعود لنا ليبيا أو قد لا تعود؟ هذا أمر نرجو ألاّ نحتاج في إجابته إلى (جيرولامو كاردانو) و(إينشتاين) وإنما لتلك الشخصية الليبية البسيطة التي فقدت كل شيء ولكن إصرارها لم يبعدها عن الحياة، وأيضا إلى البصير الذي اختار طريقا يخالف طريق الشيخ الذي حفظ القرآن هما الاثنان يسعيان للحياةـ وهما يختلفان على نحو ما عن ذلك الذي ينهب مقدرات جيرانه معتقدا أن العميان لا يعرفون ذلك. ومع ذلك ليس بمقدور أحد منهم أن يحرم الآخرين من حقهم في الحياة. المنطق والعلم يقولا "أن الله حق، تماما مثل حاجتنا لبقاء ليبيا واحدة موحدة".

هذا أمر لا أتمنى أبدا أن تتناوله نظرية الاحتمالات.