Atwasat

الثقافة وحرب البلقان (طائر الفينيق)

فوزي عمار الإثنين 02 يناير 2017, 12:00 مساء
فوزي عمار

جاء تفكك يوغسلافيا الدولة الموحدة إلى 7 دول لعدة أسباب منها وأهمها:
- عدم تجذر الهوية اليوغوسلافية في مخيال و وجدان المواطن اليوغسلافي فكان هناك الصربي والبوسني والكرواتي والسلوفيني والكوسوفي وأبناء الجبل الأسود والمسادوني.
- تفكك الاتحاد السوفيتي الحليف القوي لدولة يوغسلافيا الموحدة.
- سيطرة الصرب علي 60 % من مقدرات الدولة مما خلق شعورا بالغبن عند باقي الأقاليم.
- التدخل الأجنبي، خاصة أمريكا و الأفغان العرب في حرب إقليم كوسوفو.
- المجازر التي حدثت و أهمها مجزرة سريبرينيتسا.

هذه هي سيرة بعض الشعوب التي شعرت أن كيانها مهدد في الوجود، لذلك اختارت المثقف العضوي لهذه المهمة

كل هذه العوامل لم تدع مجالا لبقاء يوغسلافيا دولة موحدة و كان إجباريا الانفصال الذي طالب به الجميع. فكان علي الشعوب السبعة المكونة السابقة لدولة يوغسلافيا إفراز قيادات تقود سفينتها في الظروف الصعبة والأمواج العالية المتلاطمة. ولأن الشعوب تلجأ في الأزمات العميقة الي المثقف، وليس إلي السياسي، لأن المثقف هو من ينتج قيمة مضافة للمجتمع والدولة، وهو من يؤمن بالقضية وهو من يزرع الأمل ويخاف التاريخ ولا يساوم علي المبدأ. عكس السياسي الذي يميل الي عقد الصفقات. فكل شعب التف حول مثقف ومفكر وطني منهم.

فالصرب التفوا حول رادوفان كاراديتش و هو شاعر رغم، تحوله إلى دكتاتور، ولكنه، في نظر شعبه، يعتبر بطلا قوميا. والبوسنيون لجؤو إلى علي عزت بيغوفيتش، وهو مثقف ومفكر. أما في كوسوفو فقد اختاروا روائي هو إبراهيم روجوفا. والكروات اختاروا الكاتب والمثقف المعروف فرانيو توجمان.

وليس بعيدا عن البلقان في دولة تشيكا الوليدة بعد تفكك دولة تشيكوسلوفاكيا؛ اختارت الجماهير الكاتب المسرحي فاتسلاف هافل من خلال الانتخابات أول رئيس لدولة تشيكيا هافل؛ الذي قيل عنه في مماته "كان الراحل رجل دولة عظيما وكان لكلمته وزن في السياسة والمجتمع". كتب هافل مسرحية شهيرة بعنوان "المغادرة" تدور السخرية التي تمتليء بها هذه المسرحية حول زعيم سياسي استقال من منصبه لكنه رفض مغادرة مسكنه الحكومي، ووصف بعض النقاد المسرحية بأنها أفضل أعماله.

هذه هي سيرة بعض الشعوب التي شعرت أن كيانها مهدد في الوجود، لذلك اختارت المثقف العضوي لهذه المهمة، وها هي دول البلقان ودولة تشيكيا تُبعث من جديد مثل طائر الفنيق الذي يبعث من الرماد، هكذا هي الشعوب العظيمة.