Atwasat

هل حقا يُراد حل للأزمة الليبية؟

أحمد الفيتوري الثلاثاء 13 ديسمبر 2016, 08:44 صباحا
أحمد الفيتوري

 [مقترح لحل معضلة «اتفاق الصخيرات»]

17 ديسمبر 2015 - 17 ديسمبر 2016
الليبيون تعودوا على التسويف والتأجيل وزحزحة المشكل، الديكتاتور لعقود أربعة يحمل الجزرة على عصاه قدام الجحش، كل أمر سيحدث عند الاحتفال بذكرى استيلاءه على السلطة في سبتمبر القادم، وكل احتفال برنامجه السياسي الرئيسي التحول من الثورة إلى الدولة التي تم ذبحها كقربان لثورته السبتمبرية العظمى، وفي الشهر الثاني من العام الحادي عشر من الألفية الثالثة كانت الثورة أي استيلاء الديكتاتور العسكري على السلطة قد شبعت موتا، ولم يعد من مجال للدولة التي أيضا أشبعت قتلا تحت نظرية السلطة الغاشمة حول مفهوم اللا دولة.

فبراير 2011 كان إعلانا صريحا شعبيا صارخا لهذا الموت غير المعلن للديكتاتور ونظامه، وتوكيدا على أن اللا دولة التي أنشأها الديكتاتور نظرية وفعلا قد تآكلت وفاض كيلها وتسوست حتى النخاع، في فبراير هذا تم تنحية الرمم ليس إلا وبالتالي أنجز الشعب الليبي المهمة التي أوكلها لنفسه عندئذ، وبعد أن أنجزت المهمة الأولى كانت الضرورة الملحة بناء الدولة عندها بدأ الصراع على السلطة في بلاد تم السيطرة عليها وإدارتها لعقود أربعة على أساس هدم الدولة.

دحر الدولة خلال عقود المُعضلة الليبية الرئيسية، لا دستور، لا جيش، لا أمن دولة، لا إدارة، ولا بناء اقتصادي، أي بنية الدولة غائبة بالتمام والكمال. أما فيما يخص الجيش الإشكال الرئيسي فالأزمة بنيوية حيث تأسست الدولة وأعلن استقلالها بفضل ما عُرف بالجيش السنوسي وسرعان ما تم التخلي عنه، واعتماد قوى أمنية عرفت بالقوى المتحركة للحفاظ على الدولة واستقرارها واستتباب أمنها. هذا ما حصل في العهد الملكي ومن ثم فإن "الملازم القذافي" -الذي جاء إلى السلطة على دبابة كانت أيقونة لجيش وطني رمزي لا حول له ولا قوة-اعتمد نفس المسار، جاعلا من الكتائب الأمنية القوى الرئيسية، وأنهى فكرة تأسيس جيش وطني بنظرية الشعب المسلح الذي لا يُغلب، وهكذا لم يكن للبلاد مثل تونس ولبنان جيشٌ بمعنى الكلمة.

تأسيسا على ما تقدم فأن الحال الذي بان عقب فبراير 2011 هو كشف لمكشوف يعرفه القاصي والداني والكبير والصغير والعاقل ونصف العاقل، ليبيا منذ سبتمبر 1969 كرس الديكتاتور أن تكون على مقاسه بلاد اللا دولة.

عليه فإن ما ترتب عن فبراير 2011 كشف بأن ليبيا ليست تونس ولا مصر وبهذا جاءت ثورة الليبيين مختلفة من جهة، ومن جهة أخرى قامت بعد قيام الثورة في البلدين الجارين حيث أضحى من الممكن أن يخرج الليبيون من القفص، وأمسى العالم من الممكن أن ينصت إليهم ويشاركهم في مهمة إزاحة الميت من على صدورهم، وترتب عن ذلك أن الأوضاع الليبية قابلة للاشتعال، وأن تصدر إليها أزمات الجيران، وأن تكون كما احتمال ممكن لإمارة إسلامية مُرتقبة أو في أحسن الأحوال مقبرة لهكذا مشروع، خاصة بعد إزاحة هذا المشروع عن مصر وما طرأ من تحوير على المشروع الغنوشي من قبول للمشروعية البورقيبية.

المعضلة سياسية بعد كل شيء، وفي ليبيا أن المعضلة ليس بالإمكان حلُها عسكريا فالجيش في طور الإنشاء وهو مشروع ليس إلا، وأما النموذج التونسي فهو مختلف ليس عقب الثورة ضد النظام الاستخباراتي لـ"بن علي" بل قبل ومنذ الانتداب الفرنسي 1882، تونس دولة لا جيش لها ولم تدخل في مقاومة مسلحة ضد الاستعمار الذي بقيت على صلة دائمة به سياسيا واقتصاديا وثقافيا، من هذا فالأزمة الليبية المختلفة بحاجة إلى حلول مختلفة ولعل هذا ما يُشقي الليبيين فيظهرون عجزهم عن البناء بعد نجاح صعب ومُكلف في المهمة الأولى الهدم، وقد خيضت خلال السنوات الست الماضية - بدعم دولي وإقليمي شابه القصور- محاولات عدة للخروج من وحل المشكل الليبي لكن ما نتج الغوص أكثر في الوحل، وفي الأخير جعل من ليبيا لعبة شطرنج، كل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية تلعب من أجل مد وتكريس نفوذها دون أي اعتبار للزمن ولا للخسائر التي يعيشها السكان يوميا، ليس من طرف جاد لحلحلة الأوضاع وحل المسألة الليبية، بل يُعمل عبر الموظف الدولي مارتن كوبلر إلى تسويف المسائل، وذلك من خلال تضييع الزمن بالتوكيد على أن مهمته كموظف تنفيذ ما جاء من الوصايا العشر لزبور ليون.


• مقترح لحل معضلة "اتفاق الصخيرات"



بالعقل والمنطق واللغة الاتفاق دستور وفاق، ما إن تراجع طرف ما عن الاتفاق فلا وفاق إذا، والاتفاقات الدولية أيضا يعاد فتحها ومراجعتها، وحتى أن الديانات تبيح المحظورات عند الضرورة، بينما كهنة "اتفاق الصخيرات" وعلى رأسهم الحبر الأعظم لا يقبل لزبور ليون تبديلا ولا مسا فما بالك بالمراجعة، حرنَ في واقع حرون كل أطرافه تبتغي أن "لا أحد يجيء، لا شيء يحدث ".

وبعد مرور عام على اتفاق لم يتفق عليه ،على الليبيين أن يُحملوا الأمم المتحدة مسئولية التسويف الحاصل، مسئولية أن يوضع كل طرف أمام مسئوليته، وألا تبقي القضية الليبية كما لعبة طاولة يتقاذف الكرة كل الأطراف فتكون البلاد المرتع للإرهابين شذاذ الأفاق وجعلها المأوى. وقد رأينا تتابع المسودات حتى المسودة الأخيرة التي لا يأتيها الباطل التي تابعنا أنها كما كل المسودات السابقة باطل الأباطيل وقبض الريح، لكن في نفس الوقت تدعى كل الأطراف التمسك بها حين يدعون التمسك بـ "اتفاق الصخيرات"، وبدا أن هذا الاتفاق أيضا المعضلة فلسنا قادرين على إلغائه ولا على قبوله:

وبعد أقترح تعديلا متى ما قبلت به كل الأطراف ودعمته وعملت من أجله سيعنى أن الأطراف التي على الأرض شاركت فيه وتشارك في تنفيذه:
أولا: يكون المجلس الرئاسي أعلى سلطة في البلاد خلال فترة انتقالية لا تقل عن سنتين، ويتكون المجلس من رئيس يُنتخب من قبل أعضاء المجلس ومهامه تقتصر على رئاسة الجلسات وما في حكمها من اختصاصات من يملك ولا يحكم، ومن أعضاء هم السادة: رئيس مجلس النواب عقيلة صالح – رئيس مجلس الشيوخ (الدولة) عبد الرحمن السويحلي - القائد العام للجيش الوطني المشير خليفة حفتر – رئيس مجلس الوزراء فائز السراج – رئيس المحكمة العليا - رئيس مجلس البلديات: يتم انتخابه من قبل مجالس البلديات.

ثانيا: المحافظة على اتفاق الصخيرات من حيث المبدأ باعتباره دستور الوفاق.
ثالثا: اعتبار أي مقاربة أو تعديل يستهدف حلحلة الوضع المتأزم هو ما يدعو إليه روح الاتفاق المبني على الوفاق أولا وأخيرا.
رابعا: الرفض للاتفاق بعد الوفاق بالإجماع هو بمثابة خروج عن الدولة.
وأخيرا هذا المقترح بحاجة أيضا إلى وفاق إقليمي- دولي، ودعم قوي من أجل تنفيذه، وهو يُضيف على الاتفاق أن مسئولية تنفيذه مُناطة بالمؤسسات القائمة والتي لا بد أن يُقرها الوفاق.