Atwasat

الوحدة الوطنية في خــطــر قراءة أولية في مسودة مشروع صلالة ملامح التقسيم ظاهرة للعيان

ضو المنصوري عون الأربعاء 16 نوفمبر 2016, 03:39 مساء
ضو المنصوري عون

ازدادت وتيرة التهليل لمسودة الدستور التي كتبت في صلالة، وسخر لها الإعلام المأجور كل أدواته لتزيينها وكأنها المسودة التي ستنقل الليبيين من أوضاعهم المعيشية السيئة بل وبالغة السوء إلى أوضاع أحسن منها، كما أن من شأن هذه الخلطة الدستورية الصلالية أن تنزع سلاح المجموعات المسلحة، وتقضي على الاختطاف والابتزاز المالي والقتل خارج نطاق القانون. إضافة إلى التأسيس لنظام سياسي يوحد ليبيا ويحصنها من التشظي والانقسام، ويوفر السيولة لدى المصارف.

استخدم مروجو دستور صلالة جملة هذه الأحلام وكأنها مرهونة بالاستفتاء على هذه المسودة لتصبح الأحلام حقيقة ماثلة أمام أعين كل ليبي يحلم بوطن يعيش فوق ترابه بكل طمأنينة ووئام. كان للتظليل الإعلامي والدعم الدولي الذي يرقص على نغماته متنطعو السياسة، والحالمون بامتطاء ظهور الليبيين الذين لمعتهم دهاليز السياسة الملوثة، والراغبون في استكمال الدور الذي لعبوه منذ أن حولوا أحلام الشعب إلى كوابيس تلاحق ابتسامة أطفالهم مطلع كل شمس.

ورغم التعتيم الذي يمارس ضد الرافضين لهذه المسودة بل وشيطنتهم إلا أننا ننتهز أي فرصة سنحت لنا لبيان عوار هذا المشروع. وأن وراءه ما وراءه. من استهداف لوحدة ليبيا وطمس هويتها واستنزاف ثرواتها، بل وبيعها في أسواق النخاسة، كل ذلك تحت ذريعة أن أوضاع البلد أصبحت لا تحتمل، وأننا بهذه الوصفة السحرية سنقضي على كل هذه الأوضاع القائمة.

هذه الهرطقات الدستورية التي تستهدف دسترة الأمر الواقع تحت عباءة التوافق. بما تحمله هذه الكلمة من تظليل وتزييف للحقائق هي التي ستكون المحور الرئيسي لهذه الورقة، محاولين فيها التصدي لما يحيط بالوطن من مخاطر، وفي قراءة متأنية لما احتوته مسودة الدستور التي يقول الموقعون عليها إنها أحيلت إلى مجلس النواب 19-4-2016 م بعد جلسة أثير الجدل حول مشروعيتها ومشروعية ما انتهت إليه.
وقد أكد القضاء صحة هذه المخاوف وأصدر أحكامًا بوقف نفاذها.

هذه المخاوف التي تصدى لها قضاة شجعان مازالت قائمة، بل وتزداد وحشية كل يوم عندما تحتضنها فئات ترى أن بداخلها مايحقق ما تصبو إليه حتى على حساب الوطن، ومن هنا فإن الواجب يحتم علينا البحث عن حقيقة هذه المسودة وما ترمي إليه وما تخبئه لهذا الوطن الجريح. الإشارة الأولى في المادة الأولى (الخوف على وحدة ليبيا) تنص المادة الأولى (ليبيا دولة حرة مستقلة لا تقبل التجزئة، ولا يجوز التنازل عن سيادتها، ولا عن أي جزء من إقليمها، تسمى الجمهورية الليبية).

ما لم يتفاد المشرع الدستوري هذا الفراغ التشريعي كما فعل المشرع المغربي فإن الخطورة تظل قائمة مهددة للسلم الأهلي

وبقراءة هذا النص الذي استبعد كلمة موحدة كما وردت في مخرجات لجنة المقومات الأساسية التي يظهر من قراءتها الأولية مخاوف جمة، أولها: إن عبارة لا تقبل التجزئة ليست ضمانة لوحدة ليبيا فيمكن القول إنها لا تقبل التجزئة لا يعني لا تقبل التقسيم، فقد تكون التجزئة تحت السيادة الليبية في بداياتها (إقليم كركوك في العراق لا جنوب السودان) حيث يبدأ التقسيم من خلال التجزئة تحت مظلة السيادة والمطالبة بالحكم الذاتي ثم الاستقلال. كما هي المراحل التي قطعها جنوب السودان ومازالت الحلقة الأخيرة لإقليم كركوك، وقد تسرب من اجتماعات لجنة العمل، التي يعتبرها صانعو دستور صلالة أعمالاً تحضيرية للمسودة، أن بعض الأعضاء قد برروا وجود هذا النص واستبعاد كلمة موحدة أو عدم جواز تقسيمها، هو مصادرة على المستقبل فقد نطلب التقسيم في المستقبل.

- «محاضر لجنة العمل وتسجيلاتها لم يعلن عنها حتى لأعضاء الهيئة»، ومن ثم فإن ما يراه المعترضون على المسودة يقتضي ضرورة ورود كلمة موحدة في المادة الأولى أو ما يدل عليها، وتزداد خطورة هذا النص إذا تم ربطه بالنصوص الواردة في الباب السادس (الحكم المحلي) بداية في المادة 154 (يقوم الحكم المحلي على أساس اللامركزية الموسعة...) التي تعني انتهاج النظام الكونفيدرالي الذي يعطي سلطات تشريعية لوحدات الحكم المحلي، وفي أحيان كثيرة خارج سلطة الدولة المركزية، كما هو وارد في نص المادة 155 (تقسم الدولة إلى محافظات وبلديات ومستويات إدارية أخرى وفق مقتضيات الأمن الوطني والموازنة بين معايير المكان والمساحة ووحدتها الجغرافية والعوامل الاقتصادية والتاريخية، بما تحمل معه هذه المعايير من تأسيس على الجغرافيا والمساحة والعوامل التاريخية التي تلقي بظلالها على كل نصوص الدستور، إلا أنها تظهر واضحة في بعض الأحيان وتختفي بأغطية من القش في مواضع أخرى).

ولتأكيد صحة ما نذهب إليه بأن مسودة الدستور تؤسس لتشطر الوطن من خلال هشاشة النصوص الواردة في باب الحكم المحلي الذي أسس على ما ورد في المادة الأولى، ومنها على سبيل المثال: ما نصت عليه المادة 156 (وتدار المصالح المحلية وفق مبدأ التدبير الحر). وقد جاء هذا النص هجينًا ومشوشًا من طريقة الزج به في هذه المسودة، حيث خلت جميع الدساتير العربية من النص عليه لأنه مرتبط أساسًا بوجود مناطق تحت الحكم الذاتي كما هو في المغرب في دستور 2011 م حيث نص الدستور المغربي في الفصل 136 (يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر وعلى التعاون والتضامن..).

وقد ربط الدستور المغربي الفصل 136 بالفصل 140 (للجماعات الترابية وبناء على مبدأ الفريع اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من الدولة)، وقد كان توجه الدستور المغربي مضطرًا لمواجهة التداعيات الدولية المتعلقة بإعطاء الحكم الذاتي لإقليم الساقية الحمراء، إلا أن المشرع المغربي عاد وفصل الطريقة التي يدار بها التدبير الحر ابتداءً من الفصل 140 من الدستور حيث ربط ذلك (في مجالات اختصاصاتها وداخل دائرتها الترابية)، وقد تفطن المشرع الدستوري المغربي إلى خطورة هذا المبدأ وهو التفريع والتدبير الحر، حيث أفرغه من محتواه في الفصل 145

(1) (يمثل ولاة الجهات وعمال الأقاليم والعمالات والسلطة المركزية في الجماعات الترابية)، وحدد طريقة مراقبتهم لتطبيق هذه المعايير بنصه (يعمل الولاة والعمال باسم الحكومة على تأمين تطبيق القانون وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها كما يمارسون المراقبة الإدارية).
(2) يساعد الولاة والعمال رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية.
(3) يقدم الولاة والعمال تحت سلطة الوزراء المعنيين بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية ويسهرون على حسن سيرها. (وهم من خارج الوحدة الترابية) ولم يكتف المشرع الدستوري المغربي بتحديد المعالم العامة لكيفية تدبير الوحدات الترابية لشؤونها وأحكم وثاق السلطة المركزية على عمل هذه الوحدات في الفصل 146.

ومن خلال ذلك فإن المشرع المغربي لوحده ولظروف خاصة تتعلق بإدارته لملف الساقية الحمراء نهج التوجه الكونفيدرالي، لكنه أفرغه من محتواه في ذات الدستور، إلا أن واضعي دستور صلالة أخذوا بداية الآية {لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ، «دون ذكر» وَأَنتُمْ سُكَارَى}؛ حيث ورد هذا الاقتباس من الدستور المغربي بشكل مشوه وبطريقة تجعله مهدرًا لوحدة التراب الوطني تدريجيًا، كما يمهد هذا الاتجاه إلى خلق نزاعات بين المحافظات والبلديات من خلال التضارب في تطبيق هذا المبدأ، كأن تقرر محافظة رسوم عبور السيارات عبر الطرق المارة بها في نطاق التدبير الحر، أو أن تقرر محافظات الساحل فرض رسوم على تصدير الإنتاج لأن مناطق الإنتاج تستفيد بموجب النص الوارد في المادة 186 من مسودة الدستور بنسبة مئوية من الإنتاج كمشاريع بديلة، وهي افتراضات سيقول عنها الكثيرون بنفي حدوثها، لكن جذور الاختلافات موجودة وبقوة من خلال إقرار مبدأي التفريع والتدبير الحر، دون اعتماد الطريقة التي أقرها بها الدستور المغربي؛ حيث تركت نصوص المسودة مفتوحة دون قيود على تطبيقاتها وأي قانون ينظمها لن يخالف تطبيقاتها العملية كما وردت في الدستور.

ومما يعزز ما نذهب إليه أن المادة 157 من مسودة دستور صلالة قد نصت على انتخاب مجالس المحافظات والبلديات أي بمعنى أن وحدات الحكم المحلي تستمد قوتها من العملية الانتخابية وهو ما سيدفعها إلى التمادي في ممارساتها في مواجهة السلطة المركزية لأن المشرع الدستوري أعطى لها سلطة إصدار اللوائح والقرارات بل وأكثر من هذا ما تتلقاه (من هبات ووصايا) على عكس ما قام به المشرع المغربي من إقراره لمبدأي التفريع والتدبير الحر، لكنه عاد وفرغ هذين المبدأين من محتواهما كما سلف أن أشرنا سابقاً، لنخلص مما تقدم أن رفض لجنة العمل إدراج ليبيا موحدة أو غير قابلة للتقسيم يخفي وراءه الكثير من المفاجآت التي تهدد الوحدة الوطنية وتؤسس لنزاعات محلية بين وحدات الحكم المحلي، وما لم يتفاد المشرع الدستوري هذا الفراغ التشريعي كما فعل المشرع المغربي فإن الخطورة تظل قائمة مهددة للسلم الأهلي والتكامل بين وحدات الحكم المحلي والسلطة المركزية.