Atwasat

متعة الحوار

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 23 أكتوبر 2016, 12:13 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

النقاشات والجدالات، سواء في قضايا فكرية، أو مواضيع سياسية أو اجتماعية، أو في شؤون الحياة اليومية، والتي تندرج كلها ضمن تعبير "الحوار"، تكون مفيدة ضرورة إذا ما كان المتناقشون أو المتجادلون على درجة الحد الأدنى، على الأقل، اللازمة لمثل هذا الأمر من الاستنارة العقلية والسوية النفسية.

فالنقاش (مجرد استعراض الآراء) والجدال (الدفاع المتحمس عن مبدأ فكري)، وحتى السجال (التمسك الشديد بالرأي ومحاولة إقناع الخصم، لا مجرد إيضاح فكرتنا له)، تتبلور عنه فوائد معرفية، في المجالين الفكري والمعلوماتي، ليس أقلها اكتشاف مناطق الضعف والهشاشة في أفكار المرء الخاصة وانتباهه إلى وجوب ترميمها وتقويتها.

النقاش وما إليه لا يعني الكلام فقط، بل يعني الاستماع أيضا. حسن الاستماع، تحديدا، فالاستماع الحسن يوفر على الأطراف المتناقشة الجهد والوقت ويجنبها كثيرا من الانفعالات السلبية التي قد "تفسد قضية الود". فإذا أنا لم أتابع كلام مناقشي وأجتهد في فهم مقصوده وأساعده، من خلال الاستفسارات، على إيضاح رأيه بأفضل طريقة ممكنة، فسأتوه في مسارب أخرى متشعبة أثناء ردي عليه ونبتعد، معا، عن سياق القضية الأصلية ونبتعد عن بعضنا.
في النقاش تكون المماحكات (التركيز على كلمة غير دقيقة هنا أو تعبير أو قياس غير موفق هناك واعتباره لبَّ القضية) يشتت النقاش ويمنعه من الإثمار.

النقاش أو الحوار ليس معركة حتى على سبيل المجاز

يدخل المرء في نقاش مع شخص ما (ذكر أو أنثى) وفي أثناء الجدال يقول أحد طرفي النقاش بينما الطرف الثاني مستغرق في الحديث: لم أكمل كلامي! والحقيقة أنه أكمل كلامه وأدلى بما عنده وقتها، ولكنه تذكر، أثناء حديث الطرف الثاني، بعض النقاط التي ارتأى أنه فاته قولها فأحب أن يستدرك. طبعا تحدث أحيانا بعض المقاطعات غير المتعمدة التي لا تفسد متعة الحوار. أو يظل أحد الطرفين يعمل ذهنه في ماذا يقول هو وكيف سيقوله والطرف الآخر يتحدث فتضيع عليه المتابعة.

النقاش، أو الحوار، ليس معركة، حتى على سبيل المجاز. النقاش تبادل معرفي. كان أحد الأصدقاء حينما نتناقش في موضوع ويجد أن مسار النقاش ليس في صالحه يقول: أنا لا أستطيع مقارعتك! وفكرة المقارعة أبعد ما تكون عن ذهني.

يجدر بي أن أختم هنا بمناقشة العبارة المنسوبة إلى الإمام الشافعي القائلة: "ما جدلت عالما إلا غلبته، وما جادلني جاهل إلا غلبني"!

لا أتصور أن الإمام الشافعي كان يقصد أنه أعلم أهل زمانه وأنه قادر على "الانتصار" في جداله مع أي عالم وإقناعه. وإنما أرى أنه يعني نيل الفائدة في الجدال مع العلماء. فحين تناقش عالما (عارفا) ستستفيد حتما. ستستفيد بإقناعه بفكرتك إذا أقنعته، أو تستفيد باكتساب معرفة جديدة ورؤية جديدة إذا أقنعك. في الأولى تكون صاحب فضل لأنك أفدته، وفي الثانية تكون غانما لأنك استفدت منه. وفي الحالين تكون قد انتصرت عليه وغلبته. في النقاش أوالحوار السوي تكون جميع الأطراف الداخلة فيه منتصرة وغالبة، ومتمتعة بلذة تبادل المعرفة. أما نقاش الجاهل فيحرمك من إسداء الفضل أو نيل الغنيمة!