Atwasat

الجلادون ضحايا!

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 25 سبتمبر 2016, 12:57 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

علاقة الكتاتوريين بالثقافة والقراءة والكتابة علاقة فيها كثير من الخصوصية والتعقيد. فهم يحرصون، منذ فترة مبكرة من شبابهم، على اكتساب قدر من الثقافة. فيقال، مثلا، أن هتلر كان يحب قراءة شكسبير وأن بينوشيه كان يحب قراءة تاريخ التشيلي ومذكرات سجناء القرن التاسع عشر وأن الخميني كان يحب قراءة هوغو. لكن يبدو أن الدوافع وراء اكتساب الثقافة لدى مثل هؤلاء ليست هما معرفيا، بالأساس، وإنما تكمن في مكان آخر.

فأولا، يبدو أنها ضرورية لإكسابهم هيبة ودرجة من القدرة على التأثير في من حولهم عند الإعداد للقفز إلى سدة السلطة، في حالة الانقلابات العسكرية، وكذلك لتعزيز دورهم القيادي في حالة التنظيمات والأحزاب التي تنخرط في العملية الديموقراطية السلمية بانتظار وصولها إلى السلطة.

وهي ضرورية، ثانيا، من ناحية أمنية بعد وصولهم إلى السلطة. إذ يمكنهم هذا القدر من الثقافة من الانتباه إلى الحراك الفكري في مجتمعاتهم وتمييز تياراته واتخاذ مواقف استباقية من التيارات غير المرغوبة وتدعيم التيارات الحليفة، ولو مرحليا.

معمر القذافي الذي قال في خطابه أمامنا وهو يطلق سراحنا من السجن يوم 3. 3. 1988: "لقد صنعتم منا جلادين"!

لقد عبر معمر القذافي، مثلا، عن النقطة الأخيرة بجلاء في خطاب مبكر له قائلا أنه قرأ "كل شيء! حتى أورسين لوبين!" لكي يعرف كيف يتعامل مع شخص مثل أرسين لوبين في حالة ظهوره له! كما أنه نظم، باسم مجلس قيادة الثورة حينها، سنة 1971، أي بعد أقل من سنتين بعد الانقلاب، ما عرف بـ "ندوة الفكر الثوري" التي اتضح لاحقا أن الهدف منها كان تبين التيارات الفكرية والسياسية الجارية في المجتمع وفرز المثقفين الليبيين وتصنيفهم من حيث توجهاتهم وميولهم الفكرية. ومعروف عن معمر القذافي بأنه خصص أناسا يلخصون له الكتب التي يسمع عنها وتثير اهتمامه، بما في ذلك الروايات، لأن ما كان يهمه هو موضوع العمل الروائي وتوجهه الفكري، وليس جماليات الكتابة.

لكن الأمر الغريب هو وجود ميول وممارسات فنية وكتابية لدى الطغاة. فنيرون كان شاعرا وكذلك يوليوس قيصر. وهتلر كانت لديه ميول فنية وتقدم للدراسة في مدرسة فنية ورفض، وهو أيضا كاتب. وفرانكو كان رساما وموسوليني كان شاعرا وكاتب مقالات. وأنور الخوجة كتب الشعر والمذكرات وكتبا سياسية. ورونالد ريغان (وهو ينطوي على شخصية دكتاتور ألجمتها الدولة الديموقراطية) كان ممثلا.

وفي منطقتنا العربية كتب صدام حسين بضع روايات وكتب معمر القذافي، إضافة إلى الكتاب الأخضر وكتابين آخرين، القصة والأغنية العامية (وإن لم يتم الإعلان عن ذلك، لكن يقال أن عددا من أغاني محمد حسن كتبها معمر).

وبغض النظر عن وجود الميول الفنية والأدبية، والكتابية إجمالا، لدى أمثال هؤلاء الطغاة في شبابهم، وهو أمر عادي ومقبول، فإن حرصهم على التمسك به وهم في السلطة، يبدو ناتجا عن سببين:
السبب الأول أنهم لم يكونوا مبدعين في توجهاتهم وممارساتهم هذه وأحبوا أن يفرضوها بقوة السلطة وهم في سدة الحكم.
أما السبب الثاني فهو محاولة التأكيد على أن لهم جانبا إنسانيا رقيقا ووجدانا حساسا وأن وتوحشهم اضطرتهم إليه الظروف المعادية والأعداء المتربصون بهم وبشعوبهم.

ومرة أخرى نتمثل، بخصوص النقطة الأخيرة، بمعمر القذافي الذي قال في خطابه أمامنا وهو يطلق سراحنا من السجن يوم 3. 3. 1988:
"لقد صنعتم منا جلادين"!