Atwasat

هوما عابدين.. بهار مضاف

نورالدين خليفة النمر الأحد 28 أغسطس 2016, 09:59 صباحا
نورالدين خليفة النمر

الجيل المولود في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين في طرابلس التي غيرّ اكتشاف النفط في ليبيا، وتصديره عام1961 قدرها ما بعد الكولونيالي، وصيّرها مدينة كوسموبوليتية "Cosmopolitanism" فتّحت "هوليود" مخياله الطفولي بأفلامها المنتجة عن الغرب الأميركي التي شاهد بعضها في السينما، والبعض بثّه في سويعات محدودة تلفزيون الملاّحة الإسمّ المحلّي، لقاعدة "هويلس" العسكرية الأميركية الرابضة على تخوم العاصمة، أما نباهته فقد أيقظتها على أميركا السياسية الكاريزما المزدوجة لرئيسها المغتال جون كيندي1961 ــ 1963، وزوجته الشابّة "جاكلين كيندي" ،التي انشغل مخيال مراهقته بترملّها الجذّاب، الذي رمى بها أخيرا في أحضان ملياردير يوناني عجوز فصارت جاكلين أوناسيس.

حسب أرجح التكهنات ستصبح هيلاري كلينتون في يناير 2017، أول امرأة رئيسة يقف بجانبها بيل كلينتون الزوج الذي كان رئيساً 1993 ــ 2001 ، فتنهي بذلك تقاليد الجاذبية المخيالية لصورة "الأميركية الأولى" المكمّلة لهيئة زوجها الرئيس، والتي تقف إلى جانبه حتى في سقطة خيانته الزوجية لها، تلك الصورة المنعشة للمخيّلة النوستالجية في الضمير الانتخابي الأميركي لـ " ميمي أيزنهاور، وروزالين كارتر، ونانسي ريغان. وحتى الجوهرة السوداء ميشيل أوباما إذا أعتبرناها امتداداّ لكوريتا سكوت كينغ، ورمزيات الزنوجة المغتالة 1968 باسم مارتن لوثر كنيغ.

في السياسة الخارجية كل المؤشرّات ترمي إلى أن يكون بيل كلينتون لزوجته الرئيسة هيلاري المستشار الملهم

(غاري لانغر) المشرف على استطلاع الرأي لحساب قناة ( إيه بي سي نيوز) وصف كلينتون بـ"مرشحة الوضع القائم" المضاد له مناخ عام تتأجج فيه مشاعر الرفض له ويظلّله تنافس انتخابي مقارب لواحد من مسابقات برامج "تلفزيون الواقع" حسب نايري وودز حيث تصير السياسة وسيلة ترويج للذات، ويكون الساسة "شخصيات" لا برامج ولا سياسات لافتة لهم، فقط تنافس على رفع التصنيف الشخصي للمترشح في سباق يلتهم نظامه الكثيرين: جمع المستشارين، الاجتماعات اللانهائية مع المتبرعين، وعجلة الإعلام سريعة الدوران، والصرير المتواصل للنقد العام.

وهو ما يجعلهم يستهلكون وقتا أقلّ في التفكير في السياسات، ويتفوق الولاء وخدمة الأنصار على خدمة القضية التي أتوا من أجلها في المقام الأول. هذا المسار مثاله في مقال ديفيد بروكس بنيويورك تايمز، هيلاري كلينتون التي يبدو أن مصدر إلهامها المبدئي كان الرغبة في خدمة الأطفال، ولكن مع مرور العقود انبنى جدار قوي فوق المحارة ضروري لخوض معركة السباق الذي تكون نتيجته ليس فقط انتخاب قادة غير مؤهلين بل مواجهتهم، بمجرد انتخابهم، صعوبة كبيرة في التخلص من العناصر الشخصية في عملية اتخاذ القرار، وخدمة بلادهم بتجرد وموضوعية.

هذه المخاوف أكدتها، وقائع الانتخابات الأميركية الراهنة التي تدنت فيها ثقة الناخب الأميركي فى المرشحين الجمهوري ترامب والديمقراطي كلينتون وهو ماجعل مسألة اختيار نائب للرئيس تكتسي أهمية خاصة فلا تقتصر مهمته إزاء مرشحه على جمع الزجاج المكسور الذي تركه في سباقه المحموم خلفه، بل تنيخ على عاتقه مسؤولية إضفاء التوازن والإيجابية على حملته التى يخوضها. وهي الرسالة التي بثّها اختيار كلينتون للسياسي المعتدل المخضرم السيناتور تيم كين لخوض الانتخابات إلى جوارها مرشحاً لمنصب نائب الرئيس.

في السياسة الخارجية كل المؤشرّات ترمي إلى أن يكون بيل كلينتون لزوجته الرئيسة هيلاري المستشار الملهم لتعويض خيالها السياسي الفقير الذي أبان أوجه قصوره تعاملها مع الحدث الإرهابي الذي طال مقرّ القنصلية الأميركية في بنغازي عام 2012 وما رافقه من هراء سياسي مذكّرا بخطيئة "حواء أُم البشرية" فيما يمكن تسميته بـ"خطيئة بنغازي" التي حددها "إيلي ليك" في مقاله المترجم عن "بلومبيرغ" في خمسة خطايا تم تداولها بشكل مبتذل في وسائل الإعلام يبقى أهمّها. التهاون الأميركى مع ظاهرة التشدد والإرهاب الإسلامي، الخطيئة السياسية التي مهّد لها رؤساء سابقون وفاقمها الرئيس أوباما ووزيرة خارجيته في ولايته الأولى هيلاري كلينتون.

عاصر عابدين حقبة الكفاح الأيديولوجي والسياسي لإنهاء (شركة الهند الشرقية) وهيئة (الإمبراطورية البريطانية)

استشارة الزوج بيل كلينتون ستنصّب في استعادة الاستعانة بكل من عملوا معه في سياسته الشرق أوسطية كملف السلام المتوقع استلامه مجدداّ من: مارتن إنديك، ودينس روس، ومادلين أولبرايت، وستختصّ بإيران وسوريا وندي شيرمان، كونها الأقرب من التوجه الإسرائيلي في المنطقة؛ والأكثر التصاقا بالملف النووي الإيراني بحكم إدارتها لمفاوضاته مع وزير الخارجية جون كيري. بهار الوجبة، أي الإضافة الإسلامية الإثنية للطقم ستكون مديرة حملة كلينتون الانتخابية، ومستشارتها الخاصة منذ عام 2008 "همّة أو أُمّة" عابدين أو هوما كما يكتب بتحويره النطقي الهندي في اللغة الإنجليزية، المسلمة من أصول هندية، التي تلمّح كل التقارير إلى فقرها الثقافي ومحدودية، بل ضآلة، معرفتها ودرايتها بتعقيدات الشرق الأوسط الممتدة عنفياته اليوم مفاهيميا وسياسيا من أفغانستان حتى موريتانيا، وفي عمق القارة الإفريقية من ليبيا حتى كينيا ومما يغذي هذه الشكوك بالمزيد تعريفها بنفسها عبر صفحتها الرسمية بموقعي (فيسبوك و(لينكد إن)، كونها "مستشارة للأزياء والإعلام وخدمات الترويج الدعائية".

ككاتب ينشغل بعالم الأفكار أكثر من انشغاله بالبوليتيكا وبرغماتيتها الفلسفية التي أسس لها كل من الفيلسوف وليم جيمس،والفيلسوف جون ديوي، لفتني إلى البهار المضاف "هوبا عابدين" ، المكوّن العائلي، الأب الذي وصف بـ "المُلهم" لابنته هوما "سيد زين العابدين، مؤسس مركز شؤون الأقليات المسلمة ببريطانيا، ورئيس تحرير جريدته (IMMA ) التي تعنى بنشر البحوث الخاصة والدراسات الإسلامية إلى جانب عضويته في مركز أوكسفورد للدراسات الإسلامية الذي يضم مجلس أمنائه إلى جانب الفقيه المصري يوسف القرضاوي، رئيس اتحاد علماء المسلمين "أبو الحسن الندوي" عميد أكاديمية الأبحاث والمنشورات الإسلامية في الهند، ورئيس دار العلوم (ندوة العلماء) المسمين بـ "الندويين". من الناشطين الإسلاميين في الهند والباكستان.

عاصر عابدين حقبة الكفاح الأيديولوجي والسياسي لإنهاء (شركة الهند الشرقية)، وهيئة (الإمبراطورية البريطانية) وتحقيق استقلال الهند المشروط بتأكيد هوّية المسلمين وحتمية وجودهم في شبه القارّة وتشكّلهم اللاحق في دولة الباكستان، ولتحقيق هذا الهدف انخرط منتصف الخمسينيات وكان عمره25 عاماً في حزب "الجماعة الإسلامية " النسخة الهندية لجماعة "الإخوان المسلمين" المصرية، التي أنشأها وتزعمها المفكّر أبو الأعلى المودودي الذي تخرج عابدين من مدرسته الإسلامية Sanvi Darsgah وصار فيما بعد من الفاعلين في تأسيس جريدة "الجماعة الإسلامية "Islamic Thought ، وأصبح لاحقاً رئيساً لتحريرها.

هوما عابدين المولودة في كالامازو بميتشغان 1976 هي الإبنة الثانية لسيد زين العابدين

كما اقترب من جماعة التبليغ والدعوة الإسلامية الهندية المتمحورة في الأفكار الدعوية اللاعنفية "الغاندية" التي تشكّلها كتابات المفكر "وحيد الدين خان" مستقراّ أخيراً في فيلادلفيا بالولايات المتحدة مكملاً تعليمه العالي الذي أهلّه لأن يصبح في بدايات الثمانينيات مستشاراً منشغلا بفكرة دمج الأقليات المسلمة المهاجرة في المجتمعات الغربية بحكم عضويته في رابطة العالم الإسلامي، واتحاد علماء المسلمين المؤسسة الأخوانية الغامضة التي يتزعمها الشيخ القرضاوي من مقرّ إقامته بدولة قطر.

هوما عابدين المولودة في كالامازو بميتشغان 1976 هي الإبنة الثانية لسيد زين العابدين وزوجته الباكستانية صالحة عابدين التي عملت في أول كلية للبنات في السعودية "دار الحكمة" إلى جانب عضويتها في المنظمة الدولية للمرأة تنظيم "الأخوات المسلمات" وقيادتها لفرعه النسائي الممثل للسعودية في جماعة الأخوان المسلمين والتي ترأست تحرير مجلة "شؤون الأقليات المسلمة "بعد وفاة زوجها، التي شاركت في هيئة تحريرها "هوما عابدين"، الموقع الذي صار شاغراّ وتشغله اليوم أختها الصغرى هِبة عقب استقرار هوما بمدينة نيويورك، وانضمامها إلى فريق"هيلاري كلينتون" في 2008.

في هذا المقال قدّمت بعض المعطيات المعززة لحدوسي في مفارقة Paradox هوما عابدين السياسية، وضعُها على المحك الفكري من خلفية الإسلامية الهندية الذي تناولته بالتحليل في مقاليَّ المنشورين في موقع بوابة الوسط "الـحـاكـمـيـة" 8 مايو 2016 ، و "التفسير الخاطيء" 15 مايو 2016 ربما سيكون محور مقال قادم.