Atwasat

ضد الأحزاب... لماذا؟

أحمد الفيتوري الثلاثاء 14 مارس 2017, 10:36 صباحا
أحمد الفيتوري

لم تعد بيننا لغة
ولا ترجمة عن لغة
ولا إشارة
صمتت بيننا كل اللغات
نوري الجراح

1-
"من تحزب خان" جاء في الكتاب الأخضر، لكن قبل ذلك بكثير وبالتحديد في أول خطاب لقائد الانقلاب العسكري في ليبيا يوم 16 سبتمبر 1969 جرّم الحزبية، وقبل هذا وذاك جرّم أيضا النظام الملكي الحزبية التي كان الدوتشي موسوليني قد جرّمها أيام حكمه الفاشي، وكذا حصل ذلك في العهد العثماني: فقد "أسس أول تنظيم معارض في ليبيا السيد/ إبراهيم سراج الدين (1860م – 1892م). وبدأت فكرة تنظيم (جمعيّة أهليّة) تتبلور حينما فاتح سراج الدين السيد/ أحمد التائب (رئيس بلدية طرابلس) بالموضوع، فرحب الأخير بالفكرة، بل شجعها ودعمها بكلّ قوة. ولما وجد سراج الدين ترحيباً بفكرته من قبل العديد من الأشخاص، وفي مقدمتهم السيد/ أحمد التائب والشيخ/ حمزة ظافر، بدأ في اتخاذ خطوات عمليّة في التنظيم والإعداد، فالتف حوله رهط من الشباب الليبي وأقبلوا على سماع أحاديثه وندواته ومناقشة آرائه. ووردت قصة أول تنظيم مُعارض في ليبيا، وتفاصيل نشأته والظروف التي مر بها في كتاب: "بدايات اليقظة العربيّة والنّضال الشعبي في ليبَيا 1884م – 1911م " للمؤرخ والمفكر والكاتب الفلسطيني – المرحوم الدكتور/ أحمد صدقي الدجاني.

لقد مورست الفاشية الفجة عهد القذافي ومن قبل ورثته باختلاف مشاربهم ضد الحزبية والتحزب وهم بهذه الضدية يخفون تحزبهم

2–
أذكر أنه في الأيام الأولى للثورة وبساحة المحكمة ببنغازي شُيدت خيام فيها دارت الكثير من الندوات والمناقشات حول قضايا الثورة والبلاد ومنها الأحزاب بطبيعة الحال، وفي جلسة بتلك الخيام كان المُحاضر الذي يروج لأيدلوجيا دينية متطرفة هاجم الديمقراطية واستدل على فسادها بالحزبية، ساعتها كان القذافي حيا صاحب مقولة: من تحزب خان، وقفتُ مُتكئا على عامود مربوطة به الخيمة مُقاطعا: لن ينتظر أحد الإذن منك – مُخاطبا المحاضر- ليؤسس حزبا كما لم يستطع القذافي منع الأحزاب السرية التي كانت في البلاد كحزب البعث، والأخوان المسلمين وأحزاب أخرى صغيرة منها جماعة أسست حزباً أمازيغياً، وكنت التقيت بعض أعضاء هذه الأحزاب بالسجن حيث كنت متهما أيضا بالانتماء الحزبي المُجرّم في عُرف القذافي، وكل الفاشيين الذين يستحوذون على السلطة والثروة والسلاح ويُصادرون حياة الناس ويُؤممون الأكسجين.
كانت ولازالت وستبقي فكرة الأحزاب لا تعني أكثر من حق الآخر في أن يفكر ويعمل بالطريقة التي يري وسط الجماعة، وهذا الحق مكتسب بالضرورة من أن الإنسان كائن مفكر له حيثيته، وهو يتحزب لما يراه صائبا شاء من شاء وأبى من أبى، وهكذا فالحزب تطوير لهذا الحق الذي وجد مع وجود المجتمع الإنساني، ومع وجود كيان سياسي سبيلا لقيادة الجماعة، ومن هذا فالسلطة نوع من التحزب في المُطلق، لكن مع ظهور المجتمعات الحديثة مع الرأسمالية في الغرب أمسى الحزب مكونا رئيسا من مكونات الدولة ووسيلة لإدارة البلاد، ومرتكزا أولَّ للديمقراطية التي هي تداول الحكم في الأخير....

3-
عقب ثورة فبراير التي كانت منزعا نحو الديمقراطية تعقد الحال بعد أن عمل التيار الإسلامي المسلح من أجل الاستحواذ على البلاد بالقوة ظهرت دعاوى ضد الحزبية، في جوهرها هي دعاوى صاحب مقولة من تحزب خان من استحوذ على السلطة لأكثر من أربعين عاما، وعاث في البلاد فسادا ذات الطغمة التي ضد الحزبية عاثت في البلاد فسادا وحربا وقتلا ما بعد القذافي وحتى الساعة، ويردد الكثيرون دعاواهم ضد الحزبية مُعللين هذا بأن الحاجة للأمن تجب ما قبل وما بعد، وكأن البلاد خاضت تجربة ديمقراطية وقادتها أحزاب في حين العكس صحيح، وما تُعانيه ليبيا منذ بدء دولتها وحتى الساعة ناتج عن تغييب للديمقراطية وتجريم الحزبية وبالتالي تفشي انعدام الأمن لطغيان السلطة سلطة السلاح والانفراد به وبالتالي فشل الدولة.

لقد مورست الفاشية الفجة عهد القذافي ومن قبل ورثته باختلاف مشاربهم ضد الحزبية والتحزب وهم بهذه الضدية يخفون تحزبهم، منهم أخوان ليبيا من قادوا عملا مسلحا وسياسيا وإعلاميا ضد التحالف الوطني بدعاوى عدة، منهم من عمل من أجل إعادة النظام السابق في جوهره كحكم عسكري ينبذ الديمقراطية وقام تحالف بين المتقاتلين على "السلطة والثروة والسلاح" ضد الأحزاب وضد عملها مُستعيدين أساليب النظام – القمعية - الذي عليه ثاروا.

الدولة مدنية بالأساس في العصر الحديث والدولة ديمقراطية بالأساس، ولا ديمقراطية بدون أحزاب، هذا يُقرون به جميعا ولكنهم في الحقيقة ومن أجل الاستحواذ على "السلطة والثروة والسلاح" يعملون ضد ما يقرون به، ومن هذا ضد الأحزاب كانوا ولازالوا وسيبقون. وما من سبيل لليبيا دون أحزاب لأنه لا سبيل إليها إلا بدولة مدنية ديمقراطية فيها دستور يكفل تداول السلطة وقانون يقر الحزبية طال الزمن أو قصر، أما غير ذلك فقد عشناه منذ الفاتح من سبتمبر 1969 ونعيشه اللحظة بأقبح صوره وأكثرها رعبا ما خفي كان أعظم ...