Atwasat

ركن العامرية.. العار..

فدوى بن عامر الإثنين 11 يوليو 2016, 09:23 صباحا
فدوى بن عامر

«الصراحة أنه عنده حق من يقول لازم من المحرم مع المرأة عند السفر»..! تفوهت بها امرأة ليبية وسط جمع نسوي في بلادي. هي على قدر كبير من العلم والاستقلالية الاقتصادية وتعمل في إحدى الدول العلمانية التي تعيش فيها لفترة طويلة. الخارقة أن طبيعة عملها تحتم عليها السفر الذي دائمًا ما تقوم به بلا محرم..!

أكاد أجزم أن الأمر كان مغازلة إما ساذجة أو ماكرة للوسط الاجتماعي، إلا أنني أعتقد بالثانية، ففي ذلك نفي لتهمة العمل بفكر (مستورد) وكأن الأفكار المتداولة في مجتمعنا المتهالك ليست مستوردة بالدرجة الأولى..!

تذكرتُ حينها حديث جدتي لي بأن أنواع الناس أربعة، فقد يعلم الإنسان أنه يعلم وقد يعلم أنه لا يعلم وقد لا يعلم أنه يعلم والفضيحة عندما لا يعلم أنه لا يعلم..!

فالإنسان الذي لم يعش ككائن قائم بذاته لا بغيره لن يدرك معنى الحرية مثلاً إلا بقدر ما يسمع أو يقرأ عنها. ولا يفقه الحرية من لا يملك حق تقرير مصيره، ولا ينتهي لماهيتها من لم يعشها ذاتية متمثلة بالاستقلالية الفكرية والمادية وغيرهما إلا بمقدار ما وُهبت له. والمهم أن من لم يخبر الحرية بقلبه ومن لم يحرر واقعه النفسي لن يستطيع أن يمارسها في واقعه الاجتماعي.

أقول هذا وأفكر في ذلك العار حينما يتمثل في أنانية الإنسان العالم بالشيء وناكره على غيره. البليد من سبر أغوار الحرية بفضل العيش في ظل قوانين الدول الحديثة الليبرالية والعلمانية كصاحبتنا تلك، ثم استهجنها على الآخرين من بني الإنسان.

نحن بحاجة لتكثيف الجهود لتفكيك ثقافة الخوف والذعر على الموروث ومنه وكل بما يملك وبما تسمح له خبرته

فمكمن المفارقة المخزية في انعدام رغبته أن يذوق غيره مما ذاقه واستحسنه وتنّعم به بل قد يصل الأمر لرفضه القاطع متحججًا بالأعراف والعادات ومفاهيم الشريعة التي لا يعلم منها إلا مقدار ما يكرره الآخرون.

بل هناك من يصل به الحال إلى الكذب والرياء متظاهرًا ومتباهيًا بالتزام العادات السقيمة أمام غيره بينما واقعه مخالف لها في كل شيء وذلك للجبن المتمكن من قلبه من ناحية وحبه لذاته من ناحية أخرى فلا هو بمبالٍ لنقل إيجابيات تجربة حياتية مرّ بها ليستفيد منها غيره حتى وإن على نطاق العائلة والأصدقاء ولا بمالك للشجاعة لانتقاد وضع راهن مقيت للغاية أو حتى التزام الصمت الذي هو أضعف الإيمان. لذا لا يستحق أن يكون إنسانًا من أفعاله تكذب أقواله.. لا يكون إنسانًا من واقعه يكذب مقاله.

ورغم أن الحديث هنا في عمومه يخص الإنسان إلا أن للمرأة فيه ضعف نصيب الرجل ذلك إن لحقها عار فإنه يلحقها منه ضعف ما يلحق الرجل لذلك فالتي لا ترغب أن يكون لها كيانها المستقل فإن ذلك شأنها ولها أن ترضى بالحياة تحت الوصاية البطريركية، فكرية كانت أو اقتصادية أو غيرهما ولكن أن تطالب ببقاء ذلك الوضع أو وجوب فرضه على الجميع عبر تشريعات مجحفة وحجج واهية فهذا ليس من الإنصاف. فأفراد المجتمع هم من ينتجون عاداته وتقاليده وليس العكس وباستطاعتهم تغيير ما شاؤوا منها وقتما عقلوا وتوكلوا.

والأنكى والأمرّ في امرأة تحررت من غبن المجتمع ورفضت ذلك على بنات بلادها بكذبة صيانة الموروث..! عن أي موروث وأي تقاليد أصيلة نحافظ..! تلك التي أفرزت لنا مجتمعًا غلب عليه الإجرام من قتل وكذب وغش ونفاق وشقاق..!

نعلم تمامًا أننا في بلادنا نعيش ربما أردأ عصورها من كبت للحريات وسواد للقهر، ونعلم أيضًا أنه عندما يخفق الإنسان عن تكوين آراء خاصة به لقصوره عن التعلم من تجاربه وتجارب غيره وعندما يعجز عن التفكير الدقيق في الأحداث والتدبر العميق في الوقائع، عندها قد يلجأ إلى اعتناق أي فكر جاهز.

ويكون مؤهلاً لتُزرع فيه أفكار التطرف بكل أشكالها. لذا نحن بحاجة لتكثيف الجهود لتفكيك ثقافة الخوف والذعر على الموروث ومنه وكل بما يملك وبما تسمح له خبرته، أما التظاهر بالرضوخ لقوة التيار المعاكس فسنبقى إذًا إلى أبد الآبدين غارقين في عار تحكم واقع القهر فينا بدل قهر واقع بليد وتغييره بآخر مأمول.