Atwasat

شخصنة الجغرافيا الليبية

سالم العوكلي الثلاثاء 28 يونيو 2016, 05:07 مساء
سالم العوكلي

"المكان، العاصمة البريطانية لندن، شقة بشارع أدوارد رود. الزمان عام 1976، والحادثة، شجار قوي بين المعارض اليساري نوري الكيخيا، والمهاجر في بريطانيا وقتها السيد عبدالرحمن السويحلي، وسبب انفعال الكيخيا، وما ترتب عليه من شجار، أنه أثناء نقاش بينهما حول مسائل ليبية تفوه السويحلي بعبارات تظهر مقته للشرق الليبي".

ذكرني بهذه الحادثة المسجلة لدي بأصوات شهود حضروا الواقعةـ برسالة المدعو عبدالرحمن السويحلي الأخيرة الموجهة إلى رئيس وأعضاء مجلس رئاسة حكومة الوفاق. وبتوقيع تحت منصبه الذي اغتصبه رغما عن كل قانون أو اتفاق أو بقية خجل (رئيس المجلس الأعلى للدولة) هذا المنصب الذي تقلده بواسطة بعض من قواه الثورية مثلما تقلد القذافي كل مناصبه بمبايعة قواه الثورية رغما عن الأعراف ورغما عن الليبيين. المغالطة في رسالة السويحلي تتعلق بتسمية الجسم الذي يدعي ترؤسه، حيث لم يرد إطلاقا في الاتفاق السياسي أي تسمية لمجلس الدولة بالمجلس الأعلى، فصفة (أعلى) اقترحها هو حتى يصبح القائد الأعلى والمشرع الأعلى ومن ثم الصقر الوحيد والأعلى.

والمتتبع للأحداث سيلاحظ أن كل تصرفات وتصريحات السويحلي تقف خلفها حالة نفسية تتعلق بكراهيته لكل ما يمت للشرق الليبي بصلة، مثلما الكثير من تصريحات الانفصاليين في برقة تقف وراءها العصبية نفسها. وهؤلاء جميعا من المفترض أن يخرجوا من المشهد لأنهم معرقلون لكل تقارب أو توافق بين الليبيين الذين يجمعهم مصير واحد.

ما يثير الفتن في ليبيا هو شخصنة الصراع، ومزاج أشخاص في الغرب وفي الشرق يتبادلون هذه الكراهية والحقد الإقليمي.

يهاجم في رسالته رئيس البعثة الليبية في الأمم المتحدة، السيد إبراهيم الدباشي، المعترف به في منظمة مشكلة من 194 دولة من العالم، وبصفة لم يعترف بها في العالم كله إلا 40 من حوارييه الذين صعدوه ليكون رئيسا لجسم سرطاني مهمته الأولى أن يجهض أية محاولة للاتفاق أو الوفاق. وهو يسمي السيد الدباشي بـ (المدعو) ويعتبر مداخلته "تضر بروح التوافق" والجميع يجمع على أن وجود السويحلي في المشهد السياسي هو الذي يضر بروح التوافق أو أي أمل في الوفاق الوطني، فلا يمكن أن يتم توافق ورجل لا يخفي كرهه للشرق الليبي مازال ضمن الصفقات السياسية وضمن المناصب التي يفرضها سلاح الميليشيات.

الدباشي مندوبنا في الأمم المتحدة ليس وراءه ميليشيا ولا حتى مسدس واحد، والسويحلي دخل المؤتمر الوطني ليس كعضو منتخب، ولكن بميليشيا يدعوها كل مرة لاقتحام المؤتمر الوطني وكلما أراد تمرير قرار أو قانون، ولعل المائتي تابوت مازالت في ذاكرة أعضاء المؤتمر حين أرغموا على تمرير قانون العزل السياسي الذي مازلنا ندفع ثمن تداعياته حتى الآن رغم إلغائه الخجول من البرلمان. عبدالرحمن السويحلي مكانه الوحيد في المحكمة الجنائية الدولية وليس على رأس مجلس دولة أعلى ولا أسفل.

الآن ينتقل هذا القلق وهذا الحقد على بنغازي إلى رئيس دار الإفتاء الليبية، الشيخ الصادق الغرياني، الذي تحولت لديه هذه المدينة إلى كابوس.

من جانب آخر شكلت بنغازي قلقا وكابوسا للقذافي طيلة فترة حكمه، ولم يحبها إطلاقا رغم أنه قال في أحد خطاباته الأخيرة "بنغازي حبيبتي" وهو يبعث إليها بطائرات تقصفها فتخذله وتحط في مالطا، وهو يبعث لها برتل كاف لاحتلال إفريقيا . عاش القذافي قلقا مستمرا من هذه البنغازي منذ أحداث جامعتها في أبريل، ومنذ مقتل يده اليمنى مصباح الورفلي فيها، ومنذ هدمه لناديها المعشوق الأهلي بعد أن تحولت إحدى مبارياته إلى مظاهرة ضده وضد عائلته، ومنذ مجزرة بوسليم التي لم يهدأ ملفها في بنغازي رغم تصفيته في باقي المدن، وظلت مظاهرات أهالي ضحايا مجزرة بوسليم تقلقه حتى كانت شرارة انتفاضة فبراير التي بدأت يوم 15 فبراير من أمام مبني مديرية الأمن بالهواري عبر أهالي الضحايا بعد اعتقال محاميهم فتحي تربل. ومنذ كارثة الإيدز التي أصيب بها أطفال بنغازي في مستشفى الأطفال عبر عمل مدبر لم تنجح كل التحقيقات الموجهة في تحديد المسؤول عنه، لينتهي بصفقة الممرضات البلغاريات المشبوهة وبتعويض أهالي الأطفال المصابين، وتعويض الممرضات عبر تدخل من دولة الإمارات ومن زوجة ساركوزي السابقة.

والآن ينتقل هذا القلق وهذا الحقد على بنغازي إلى رئيس دار الإفتاء الليبية، الشيخ الصادق الغرياني، الذي تحولت لديه هذه المدينة إلى كابوس، لدرجة أنه اعتبر الجهاد الوحيد في الدنيا في محاربة هذه المدينة، والحرب عليها بالنسبة له أهم حتى من الحرب على إسرائيل، ومرارا وفي كل فرصة يقول المعركة المقدسة في بنغازي، إلى أن وصل أخيرا إلى تشكيل ميليشيا تابعة لدار الإفتاء مهمتها الحرب على بنغازي وأهلها. مصرا على تسمية هذه الجماعات المحاربة في بنغازي بالثوار، وبنغازي هي مهد ثورة فبراير ومديرتها وعاصمتها، ولولا بنغازي لكان القذافي مازال حاكما وولي أمرنا، ولمازال المفتي يصدر فتاواه التي تحث على طاعة ولي الأمر.

ما يثير الفتن في ليبيا هو شخصنة الصراع، ومزاج أشخاص في الغرب وفي الشرق يتبادلون هذه الكراهية والحقد الإقليمي، ومن المفترض أن يسحب البساط من تحت أرجلهم جميعا لأن ليبيا لا تقبل القسمة إلا على نفسها.