Atwasat

ركن العامرية.. يوميات رمضانية لامرأة ليبية

فدوى بن عامر الإثنين 13 يونيو 2016, 12:04 مساء
فدوى بن عامر

لا أدري لم بمجرد إعلان (الفقي) رؤية عين الهلال بعينيه الثاقبتين إلا ورعدة شديدة مصحوبة بكم هائل من الطاقة تسري في أوصال كل امرأة ليبية.

لستُ بصدد نقد بعض العادات الاجتماعية السيئة التي نعاني منها وإنما بسرد واقع كثير من البيوتات الليبية.

شهر رمضان، شهر النعم والخير والبركات هو بالنسبة للمرأة الليبية شهر الإقامة الجبرية الطوعية في المطبخ. وكما قال المرحوم النيهوم «يهمنا المطبخ فقط لأننا بسطاء كالتراب ولأن بطوننا أهم ما نملك. أما الباقي، أعني كل ما يجب أن يعرفه المرء عن بيته فنحن لا نملكه. وإذا كان ثمة شعب يستطيع أن يموت من الجهل بنفسه فلابد أننا هنا في ليبيا مقبرة قديمة». إذاً فلها المطبخ ولا شيء غير المطبخ. فيه تستمتع بصنع الأطباق الشهية لأفراد الأسرة، أو لا تستمتع، لا يهم، ما يهم هو إرضاء كل الأذواق، أما هي فيرضيها رضاهم عنها..!

لستُ بصدد نقد بعض العادات الاجتماعية السيئة التي نعاني منها وإنما بسرد واقع كثير من البيوتات الليبية. فلنتطرق إذاً لبعض التفاصيل.

أعتقد جازمة أن المرأة الليبية في العموم هي أكثر النساء العربيات كفاحاً، ويزداد كفاحها أضعافاً مضاعفة في شهر الصيام.

هو تقريباً لا عمل له في رمضان إلا الصيام وانتظار شم العطور والبخور والإصرار على الإفطار في بيت العائلة للاستئناس مع والده وإخوته الخمسة والذين كل منهم لديه من الأولاد خمسة.. وكل إفطار رمضاني وأنت محفوف بثلاثين نفساً من جميع الأعمار بالإضافة للكبار. أما من سيقوم بخدمة كل هؤلاء فسؤال تسهل جداً الإجابة عنه..!

يا للهول.. هو صائم وبلا عمل و(محشش) بالمعنى الرمضاني الليبي للكلمة لذا لتحاشي عصبيته فالراحة نصيبه من بعد صلاة الظهر وحتى آذان المغرب أما هي فالمطبخ نصيبها من بعد صلاة الظهر وإلى أذان المغرب والمطبخ نصيبها أيضاً من أذان المغرب وحتى الفجر..

يا للهول.. هو صائم وبلا عمل و(محشش) بالمعنى الرمضاني الليبي للكلمة لذا لتحاشي عصبيته فالراحة نصيبه من بعد صلاة الظهر وحتى آذان المغرب أما هي فالمطبخ نصيبها من بعد صلاة الظهر وإلى أذان المغرب والمطبخ نصيبها أيضاً من أذان المغرب وحتى الفجر.. وأخيراً الصفرة الرمضانية تلو الأخرى جاهزة بكل طقوسها وعليها تلقيم الجميع، كبارهم قبل صغارهم، وهي.. هي يلقمها الرحمن من لدنه صبراً وأجراً.

وبعد الإفطار له مسامرة أخوته وأبيه أما النسوة فلهن جلي (المواعين) وإعداد (المشاريب)، فالرجال بحاجة لتعديل الأمزجة بالكافيين والنيكوتين والعطور والبخور أما هي فمزاجها يتعدل بمجرد تعدل مزاجه. وبعد الانتهاء من صلاة التراويح والدعاء على القوم الظالمين الضالين، وبقلوب رطبة بالإيمان ويد تداعب المسبحة وأخرى تمشط اللحى يبدأ السهر ولعب الورق وما يصحبه من نكات وأكل مختلف ألوانه تحضره هي في المطبخ ويستمر إعداد وتقديم الطعام إلى أن ينتهي بالسحور ولايزال هو بانتظار العطور والبخور..! وعندها يُسمح لها وتسمح لنفسها بمغادرة المطبخ.

ولأنها مصاغة داخل أُطر المثالية من العطاء اللامحدود بلا مقابل، فالنسوة ضمن ذلك أنواع، فهناك من تستكين، وهذا أسوأ من التمرد، فترى أن ذلك فرض رمضاني تقوم به ابتغاء الأجر والسعادة تملأ جنباتها متجاهلة الصداع ووجع الركب والمفاصل، أما ما يجري في عقلها الباطن فذاك شيء آخر.

وهناك من التذمر ينضح من كل مفصل فيها ولكنها في الغالب تطويه في صدرها كي لا يُقال أن لا حب وحنان (مطبخي) لديها وهناك من تتمرد بمكر فتتملص من هذا الدور بكافة الحيل كالتظاهر بالانهماك في العمل المطبخي دون القيام بأي شيء كحامل الأوراق مجيئة وذهاباً بلا أي عمل أو قد يأخذ التمرد شكلاً أكثر جراءة كالحضور متأخرة لبيت العائلة متحججة بكافة أنواع الحجج الواهية وغير الواهية وهذه بالذات يتم تمزيقها بثرثرات نسوية بين (السلفات) الخمس الأخريات طيلة شهر المغفرة والغفران والعتق من النيران وإلى حلوله العام القادم.

«المرأة النصف تحمل ليبيا والرجال فوق رأسها وتربي الأجيال بيد وتُعجن الخبز باليد الأخرى.» ـــ الصادق النيهوم

وبعد يوم مطبخي رمضاني مكرور ثلاثين يوماً عابقاً بالأعشاب والبهارات و(الأبراك) وفي الليلة الرمضانية الرمضاء اُستنزفت فيها طاقاتها، تأوي الليبية لفراشها كجثة هامدة وبعلها ما زال بانتظار العطور والبخور..!

وهكذا هي المرأة الليبية كما وصفها المرحوم النيهوم «المرأة النصف تحمل ليبيا والرجال فوق رأسها، وتربي الأجيال بيد، وتُعجن الخبز باليد الأخرى ..».