Atwasat

هيلاري كلينتون والأرواح الساخرة

محمد الطاهر الحفيان الخميس 03 أبريل 2014, 09:16 صباحا
محمد الطاهر الحفيان
تأرجحت العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية ما بين التنسيق والتعاون والخلاف والمواجهة، حتى جاءت الأزمة الأوكرانية لترجح كفة التناقض والعداء فيما يشبه استعادة جديدة لأجواء الحرب الباردة.
سارعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى إشهار سلاح العقوبات في وجه روسيا، ما إن شرعت موسكو في إجراءاتها الرسمية لاستعادة شبه جزيرة القرم، وضمها إلى أراضيها في أكبر خطوة تحدٍ تتخذها منذ استقلالها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
 
سارع البيت الأبيض في هذا الشأن إلى وضع أسماء 20 من المسؤولين الروس ورجال الأعمال على قائمة العقوبات، ورد الكرملين بخطوة مماثلة ضد تسعة من المسؤولين والمشرعين الأميركيين، من بينهم السيناتور الجمهوري البارز جون ماكين.
 
علّق السيناتو ماكين على الإجراء الروسي ضده في سخرية مبطنة، معلنًا "أن عطلته الربيعية في سيبيريا أُلغيت"، فكان أن ردّ عليه نائب رئيس الوزراء الروسي دميتري روغوزين بنبرة متهكمة: "لابأس يا جوني، لا تحسم الأمر، وأبدًا لا تقل أبدًا!"
 
علّق السيناتو ماكين على الإجراء الروسي ضده في سخرية مبطنة، معلنًا "أن عطلته الربيعية في سيبيريا أُلغيت"، فكان أن ردّ عليه نائب رئيس الوزراء الروسي دميتري روغوزين بنبرة متهكمة: "لابأس يا جوني، لا تحسم الأمر، وأبدًا لا تقل أبدًا!"
 
وللتعبير عن مكانة المشاعر الوطنية المشبوبة في هذا الصراع، كتب روغوزين في حسابه في موقع التواصل الاجتماعي Facebook: " تذكرت بمناسبة العقوبات طرفة قديمة تقول: اعتقل النازيون أحد المقاتلين الروس ضدهم وقبل رميه بالرصاص، عرضوا عليه تنفيذ أمنيته الأخيرة، فطلب منهم أن يركلوه على مؤخرته، وفعلوا، المقاتل في تلك اللحظة انتزع من أحد النازيين بندقيته الرشاشة وبصلية واحدة صرع الجميع، ستقولون: غريبة هي الأمنية الأخيرة لدى الروس، لا أبدًا، هي هكذا تقاليدنا الوطنية، "نحن لا يعنّ لنا فعل أي شيء، مادامت لم تُضرب المؤخرة!"
لم يفّوت زعيم الحزب الشيوعي الروسي غينادي زوغانوف هو الآخر هذه الفرصة، فكان أن ألقى كلمة في مجلس الدوما الروسي أثناء مناقشة التصديق على اتفاقية انضمام القرم إلى روسيا الاتحادية وقصّ طرفة، مفادها أن الرئيس الأميركي "استيقظ من نومه متعكرًا وقال لزوجته: كوابيس تثقل عليّ، سئمت من هؤلاء الروس، من بوتين مع هذه القرم، كم أود أن أقطع أرجلهم جميعًا، ردت عقيلته قائلة: تريث، انظر إلى نتائج أولمبياد المعاقين، هم من دون أرجل وتمكنوا من انتزاع جميع الميداليات الذهبية".
 
شارك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو أيضًا في التهكم على عقوبات الولايات المتحدة ضد مؤسسات روسية، من بينها مصرف "روسيا" بطريقته الخاصة حيث قال: "هذه المؤسسة المالية، على ما أذكر، مصرف متوسط، شخصيًا ليس لدي حساب هناك، لكن بالتأكيد سأفتح حسابًا في أقرب وقت".
 
اللافت في تطورات القرم الأخيرة أنها نفخت بقوة في الروح القومية لدى الروس، وأسهمت في الرفع من معدلات شعبية بوتين إلى مستويات هي الأعلى منذ خمس سنوات، وفيما كان الغرب يهدد بفرض المزيد من العقوبات على روسيا، جعل مواطنون روس من الموضوع مادة للتندر والسخرية في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة؛ حيث بادر أفراد ومؤسسات خاصة، بما في ذلك محلات لسلع مختلفة إلى فرض عقوبات ضد الرئيس الأميركي باراك أوباما وأعضاء الكونغرس، من ذلك أن محلاً لبيع العسل في موسكو حظر على أوباما التسوق منه أو حتى الدخول إليه، كما حظر مركز تجاري في مدينة أركوتسك بسيبيريا على باراك أوباما وعلى أنجيلا ميركل الدخول إليه أو التدخين في أروقته، كما حظر أحد الروس على أوباما مداعبة قطه، وحظرت حسناء روسية عليه الاقتراب منها لمسافة تقل عن عشرين مترًا، وحظر أحدهم على قادة الغرب قراءة أشعاره في الإنترنت، فيما حرمهم آخر من حق التعليق على مقالاته!
 
في الجانب الآخر، تميز تصريحٌ لوزيرة خارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، في معرض تعليقها على مبادرة لبوتين بتسهيل منح الجنسية للروس القاطنين في دول أخرى، بحدة خاصة من خلال مقارنتها بين بوتين وهتلر: "إذا ذكّرنا ما يحدث بشيء ما، فهو بما فعل هتلر في سنوات الثلاثينات حين شرع يتحدث باستمرار عن أن جميع الألمان، والأعراق الألمانية، والمنحدرين من أصول ألمانية الذين يعيشون في تشيكوسلوفاكيا ورومانيا ومناطق أخرى يتعرضون لسوء المعاملة، ولذلك يجب علي أن أمضي وأحمي شعبي، هذا تحديدًا ما يدفع الجميع إلى القلق".
 
حاولت كلينتون التخفيف من حدة تصريحها لاحقًا من خلال نفي المقارنة بين الشخصيتين: "أنا بالتأكيد لم أجر مقارنة، لكني أوصي بأننا يمكن أن نستخلص دروسًا من مثل هذا التكتيك الذي استخدم سابقًا"، وفيما يشبه محاولة رد اعتبار خجولة، وصفت بوتين بأنه رجل قوي، بجلد رقيق.
 
مشاعر كلينتون "المتأججة" تجاه بوتين، كانت عبّرت عن نفسها في مناسبة أخرى بشكل أكثر وضوحًا، كان ذلك في العام 2001 حين قال الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن للصحفيين بعد لقاء جمعه بالرئيس فلاديمير بوتين في ليوبليانا عاصمة سلوفينيا، أنه تمعّن في عيني بوتين ورأي روحه! الأمر الذي دفع كلينتون إلى التصريح بـ"أنه لا يمكن بالتأكيد أن تكون لضابط سابق في الـ كي جي بي روح، لذلك مضيعة للوقت كل ذلك وعمل بلا جدوى."
وقبل عدة أشهر من هذه الواقعة، اعترف السيناتور الجمهوري جون ماكين هو الآخر بأنه حدّق في عيني الرئيس الروسي، لكنه لم يتمكن من رؤية أي شيء، عدا ثلاثة أحرف هي "كي جي بي".
 
يمكن، بطبيعة الحال، تفهم مثل هذه المواقف الحادة تجاه بوتين؛ إذ إن الرجل على الرغم من موضوعية بعض الانتقادات الموجهة إليه، يسعى جاهدًا بطريقته الخاصة إلى أن تنتزع بلاده مكانة لائقة بها وبإمكاناتها، لا أن يحشرها آخرون حيثما أرادوا
.