وحدها نغمات الجاز الخفيفة تخرق هدوء جوّ الدرس في أحد مقاهي وسط فيينا التاريخي، حيث يستمتع شباب العاصمة النمساوية بالسكينة والمساحة والراحة التي توفرها المقاعد الحمراء، خلافًا للمناخ الضاغط الذي يسببه لهم الحجز المنزلي الهادف إلى احتواء جائحة «كوفيد-19».
كانت بلدية المدينة وراء هذه المبادرة التي تقضي بتخصيص فترات زمنية في المقاهي لتلاميذ المدارس والثانويات وطلاب الجامعات، وهي تشكّل في الوقت نفسه فرصة أمام مقاهي فيينا الشهيرة لكسر رتابة تدابير الإقفال العام المفروض عليها منذ مطلع نوفمبر الفائت، بسبب القيود الصحية، وفق «فرانس برس».
يستقبل مقهى «ميوزيم» الذي تأسس العام 1899 ضيوفه الشباب على طاولاته التي باتت توصف في هذه المرحلة بـ«ليرنتش» (طاولات الدراسة)، ويقدّم لهم زجاجة ماء وقطعة حلوى صغيرة وخدمة الإنترنت، ولكن من غير المسموح لهم طلب المشروبات.
بعد إتمامها إجراءات وضع الكمامات وتعقيم يديها، جلست طالبة العلوم السياسية سافانكا شفارتز (23 عاما) أمام جدران مزينة بالكتب تشيع في المكان مناخا يحض على التفكير.
ولاحظت أن «ثمة مساحة كبيرة حقا، والمكان جميل ومناسب للتركيز»، مبدية سعادتها بتغيير بيئة العمل بعد شهور من متابعة الدروس في المنزل.
وأضافت: «من الجيد أن يكون للعيش مكان، وللعمل مكان آخر. هنا، عندما أغلق جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بي، أذهب إلى المنزل ثم ينتهي الأمر»، مشيرة أيضًا إلى أنها مرتاحة إلى «الهدوء» الذي يوفره لها المقهى، بعيدًا من صخب شركائها في السكن.
ومع أن الحكومة تعتزم تخفيف القيود قريبًا، لا يزال قطاع المطاعم خاضعًا للقيود.
وأبدت مدير المقهى إيرمغارد كويرفيلد ارتياحها إلى هذه المبادرة التي تملأ الفراغ خلال هذه الأشهر الطويلة من الملل. ورأت فيها أيضًا «استثمارًا للمستقبل»، معربة عن أملها في أن يحب الطلاب المقهى فيعودوا إليه بمجرد انتهاء الأزمة الصحية.
عرض «نموذجي»
وشددت على أن «من المهم إيجاد مهمة» للمقهى في مرحلة الإقفال تتيح الإفادة من «هذه المساحة الفارغة اليوم».
ويحجز الشباب المهتمون أماكنهم على الإنترنت، على أن يبقى عدد الموجودين في وقت معين محدودًا للتمكن من التزام التباعد المطلوب (15 شخصًا في 300 متر مربع).
وأوضح المسؤول عن إدارة التعليم في البلدية هاينريش هيمر، أن هذه المبادرة «مخصصة أساسا لأولئك الذين ليس لديهم مساحة أو هدوء أو خدمة إنترنت للتمكن من العمل في منازلهم، ولكن لا مانع يحول دون دخول» آخرين. إلا أن من هم دون الخامسة عشرة يجب أن يكونوا برفقة أحد البالغين.
وأشار إلى أن حجم الطلب كبير، متحدثًا عن «أكثر من ألف» تسجيل في المقاهي الأربعة المشاركة في هذا العرض، لافتًا إلى إمكان حجز غرف في الفنادق كمساحات عمل، من دون مقابل.
ورأى هيمر أن هذه المبادرة «قد تفتح ربما آفاقًا جديدة للبعض». وذكّر بأن «كثرًا من كتّاب فيينا استخدموا المقاهي لتأليف كتبهم، أو كما هي الحال هنا، لتكون مجالسهم» التي يجتمعون فيها مع الآخرين.
وأمل في أن يتيح ذلك للشباب «التعرّف على أماكن في المدينة لم يكونوا ليعرفوها» لولا الوضع الراهن، وأن «يستمروا في استخدامها بعد انتهاء الحجر».
تعليقات