احتفلت بلدة سوسة (شرق ليبيا) خلال الفترة الماضية بوضع حجر الأساس لميناء سوسة البحري، الذي تقرر إنشاؤه بناء على قرار الحكومة الليبية الموقتة رقم (209) لسنة 2015.

وأوضح القرار أن الهيئة العامة للمواصلات والنقل تتولى اتخاذ الإجراءات اللازمة كافة، للتنسيق مع الوزارات والهيئات ذات العلاقة، وفقًا للتشريعات النافذة بالخصوص. كما اعتمدت الحكومة رفع درجة الميناء بعد أن رفع عميد بلدية شحات إدريس عبد المجيد الطلب إلى رئاسة مجلس الوزراء. وأعلن المجلس البلدي شحات أن باب التقدم مفتوح للشركات المتخصصة في مجال إنشاء الموانئ البحرية.

الميناء نقطة عبور مُميزة
ويُعتبر ميناء سوسة الجديد أقرب نقطة للساحل الليبي للسفن العابرة من قناة السويس إلى مضيق جبل طارق حيث يمكن تقديم الخدمات للسفن العابرة وبذلك يعتبر ميناء سوسة البحري نقطة عبور مميزة على الساحل الليبي والبحر المتوسط مما يكسبه أهمية استراتيجية محليًا ودوليًا.

وقال مدير إدارة الشؤون البحرية والنقل البحري بمصلحة المؤانئ صلاح عبدالحميد مسعود إن المنطقة المستهدفة ذات أعماق بحرية مناسبة بالنسبة للموانئ الليبية العاملة حاليًا؛ حيث ثبت من المعاينة أن الحد الأدنى للأعماق لا يقل عن 17 مترًا وهذا الرقم يعتبر قياسيًا بالنسبة للموانئ التي تستوعب دخول السفن التجارية الضخمة والتي يتعذر دخولها للموانئ الليبية الأخرى ولا يحتاج إلى عملية تعميق مكلفة ماديًا.

وأوضح مسعود، خلال حديثه مع «بوابة الوسط»، أن موقع ميناء سوسة محاذ مباشرةً لخطوط المواصلات العامة؛ حيث إن هناك شبكة طرق معبدة على الساحل تربط المدن والقرى المجاورة للموقع، بالإضافة إلى قربه للمناطق الآهلة لتوفير الخدمة وفرص العمل لتسييره بشكل مستمر واعتيادي.

وأشار مسعود إلى أن موقع الميناء من الممكن استثماره في التجارة العابرة ما بين الساحل الجنوبي لأوروبا وبعض الدول الأفريقية، وأيضًا في عبور البضائع بين الموانئ العالمية أسوةً بميناءي (بورسعيد – مالطا).

الجانب الفني
ويضيف مُدير إدارة الشؤون البحرية والنقل البحري بمصلحة الموانئ، صلاح مسعود، أن الدراسة الأولية للموقع أثبتت أنه مناسب من حيث توفر الأعماق البحرية القياسية، وكذلك عدم وجود أية عوائق بحرية تؤثر على سلامة حركة السفن ملاحيًا عند الدخول والخروج من وإلى الميناء، كما توفر المنطقة انتظار السفن على بعد مناسب من موقع الميناء.

وأشار إلى أن الموقع المستهدف خال من عمليات الردم بواسطة التيارات المائية، كما لوحظ في بعض الموانئ الليبية الأخرى. وجرى اختيار مدخل الميناء في اتجاه الشرق حيث هناك ساتر طبيعي يحمي المدخل من التيارات والرياح الشرقية على مسافة مناسبة مما يتيح دخول وخروج السفن للميناء في الظروف الجوية السيئة.

خفض البطالة
ويقول رئيس مصلحة المؤانئ والنقل البحري، الكابتن حاتم سالم الجويلي، إن مشروع الميناء سيخفض نسبة البطالة المتزايدة في المنطقة؛ إذ سيستوعب ما يقارب 5000 مواطن في الميناء في كافة التخصصات كالأعمال المساعدة غير المباشرة مثل الوكالات الملاحية وأعمال الشحن والتفريغ وسائقي السيارات الثقيلة ومكاتب السفر والسياحة وغيرها.

وأضاف أن الشركة المنفذة ستؤهل كوادر محلية وتدريبهم على عمل الميناء حتى يقوموا بإمساك زمام الأمور فيه بكافة جوانبه بعد تسليمه للدولة.

مخاوف من تلوث
وردًا على تخوف الكثير من السكان أن يؤثر إنشاء ميناء سوسة على تلوث البيئة المحيطة بهم قال رئيس مصلحة المؤانئ والنقل البحري، حاتم الجويلي، إن ميناء سوسة سينشأ بعيدًا عن المدينة بحوالي 5 كلم مما يقلل نسبة الازدحام والتلوث أيضًا داخل المدينة من حيث دخول وخروج الشاحنات.

وعن التلوث الجوي، قال الجويلي أثناء حديثه لـ «بوابة الوسط»، إن المنظمة البحرية فرضت تركيب أجهزة مخصصة لمنع التلوث بكافة السفن، والتي من المتوقع أن تنتهي كافة السفن من تركيبها بحلول العام 2020.

وأضاف الجويلي: «أما التلوث البيئي فهناك أجهزة تُركب لفصل الزيت عن الماء في الميناء والتي بدورها تمنع حدوث تلوث. كما يشكل مخلفات السفن خطرًا على المنطقة والثروة الحيوانية حيثُ سيتم إعدام تلك المخلفات بطرق وإجراءات سليمة، وفي حالة مخالفة ذلك سيتم دفع غرامة كبيرة للسفن والتي ستؤثر على الشركات مما قد تصل إلى بيع السفن لتسديد الديون».

اعتماد نظام (BOT) الاستثماري
يقول مُدير إدارة الشؤون البحرية والنقل البحري بمصلحة الموانئ، صلاح عبدالحميد مسعود، إنهم اعتمدوا نظام مشاركة بحيث يقوم المستثمر بدفع كافة تكاليف إنشاء الميناء وتجهيزه وتشغيله لفترة زمنية معينة، ويقوم بتحصيل كافة الإيرادات عدا الرسوم السيادية والحكومة مما يطمئن مخاوف المواطنين من توقف المشروع في نقطة وضع حجر الأساس لأنه لا يعتمد إنجاز المشروع وعدم تعثره كالمشاريع الأخرى التي تعتمد على ميزانية الدولة.

ويرى مسعود أن نظام (BOT) لن يحمل الدولة تكاليف إنشاء الميناء وتجهيزه وصيانة المعدات وكذلك مرتبات العاملة ومسؤولية تشغيله، كما يضمن تشغل الميناء من قبل الشركة المستثمرة وفق طرق التشغيل العالمية والحديثة مع تجهيزه بالمعدات الحديثة التي تضمن للشركة المنفذة نجاح الميناء تجاريًا.

وأضاف مسعود: «ستقوم الشركة المنفذة بجلب مستثمرين وشركات بحرية عالمية لكي تتعامل مع الميناء؛ وبهذا يكتسب الميناء دعاية وتعريفًا لشركات النقل البحري الكبرى. كما يوفر النظام الاستثماري تكوين كادر فني وإداري مؤهل بمواصفات حديثة واكتساب مهارات أنظمة الشركات الكبرى لتشغيل الموانئ؛ مما يخلق عقلية حديثة للعمال ومواكبة العقلية المتطورة».

وتابع مسعود: «نجاح التشغيل سيؤدي إلى استفادة المنطقة بشكل كبير وفعال من الجانب الاقتصادي والسياحي وخلق فرص عمل متنوعة لسكان المنطقة وضواحيها، كما سيخلق مشاريع أخرى مرافقة له مثل المؤانئ الجافة والتوكيلات البحرية وخدمات تزويد السفن بالمياه والوقود والتموين والصيانة، بالإضافة إلى الفنادق والمطاعم ووسائل النقل الثقيل والخاص وغيرها».

ولفت مسعود إلى أن الميناء سيحول بعد أن تنتهي فترة استغلاله من قبل الشركة المنفذة إلى الدولة الليبية بشكل كامل.

تحصيل اقتصادي
وسلط صلاح مسعود أثناء حديثه الضوء على الجانب الاقتصادي للمشروع مؤكدًا أن «موقع الميناء المستهدف يقع قُرب مناطق ذات كثافة سكنية ما يخدم بشكل مباشر المواطن في تخفيض سعر السلعة ويرفع عنه تكلفة النقل من الموانئ البعيدة، كما يقلل حوادث السير على الطرق العامة».

وقال مسعود إن «المنطقة تعد من أبرز مناطق الجذب السياحي لاحتوائها مواقع سياحية مسجلة عالميًا تقع بالقرب من الميناء مما سيساعد في المساهمة وتنمية قطاع السياحة من خلال جلب الأفواج السياحية خاصة (سواح النخبة) وبه سيخلق رافدًا آخر من روافد الدخل القومي».

وأضاف: «يعتبر الميناء من أهم مصادر دخل الدولة السيادية من خلال العوائد المالية بالعملات الأجنبية ويمكن تطويره في إطار المصادر البديلة للنفط، كما يتوسط الميناء مناطق زراعية بالجبل الأخضر مما يساعد في تصدير المنتجات الزراعية الزائدة عن الاستهلاك المحلي وبذلك خلق رافد آخر للدخل».