Atwasat

محمود جبريل في حوار مع «بوابة الوسط» (الجزء الثالث والأخير)

القاهرة - بوابة الوسط الثلاثاء 13 يناير 2015, 03:54 مساء
WTV_Frequency

ما سر غرفة العمليات السرية في تونس التي فوجئ بها محمود جبريل، وعلاقتها بكل من مصطفى عبد الجليل وعبد الحكيم بالحاج، وتخطيط جماعة الإخوان والجماعة المقاتلة للسيطرة على طرابلس، ومن الذي ألغى قرار حل التشكيلات المسلحة بعد 24 ساعة من صدوره؟

هل في نية رئيس التحالف الوطني محمود جبريل ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية ليبيا؟ وما سر العلاقة بين التحالف وحكومة الثني، ومن يمثل التحالف داخل مجلس النواب؟ وما الذي يربط بين جبريل وحفتر وقائمة العقوبات؟ ما قصة المشروع الوطني الذي ستناقشه 180 شخصية ليبية بالقاهرة؟

هذه الأسئلة وغيرها يجيب رئيس تحالف القوى الوطنية محمود جبريل عنها في الجزء الثالث والأخير من الحوار الذي أجرته معه «بوابة الوسط» في القاهرة. ويقيّم جبريل في هذا الجزء أيضًا العلاقة مع كل من قطر والسودان، ويكشف عن الوقائع الساخنة في لقاءاته مع المسؤولين القطريين، وعن رحلته إلى الجزائر أخيرًا.

نص الحوار ( 3-3 ):   اقرأ الجزء الأول ، الجزء الثاني

الوسط: هل في نية رئيس التحالف الوطني محمود جبريل ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية في ليبيا؟
جبريل: هذا السؤال أواجهه كثيرًا، لكن السؤال الحقيقي هو هل ستكون هناك دولة كي يكون هناك رئاسة أم لا؟ فسؤالكم قفز على الواقع لأنك تتحدث عن شيء غير موجود الآن، والمفروض أن نعنى بوقف نزيف الدم ولم شتات الوطن، وإنجاز وثيقة الدستور بشكل لائق يساهم في استقرار ليبيا، ثم نتحدث بعد ذلك عن الانتخابات.

الوسط: هل ليبيا في حاجة إلى رئيس الآن؟
جبريل: ليفعل ماذا؟ هي نفس قضية رئيس الوزراء، فأتصور أننا يجب أن نتحدث أولاً عن برنامج إنقاذ، وهذا البرنامج تكون مهمته إفراز من هو أصلح الناس لتنفيذ هذا البرنامج، والمتعارف عليه أن الناس تتحدث عمن يفعل قبل أن تسأل ماذا نفعل؟ نتيجة الثقافة الموروثة لدينا عكسنا الأوضاع وأصبحنا نتحدث أولاً عن من هو؟ وأغفلنا ماذا يفعل؟ فلابد أن نتحدث عن المهمة والبرنامج الذي يطرح لك بدوره هوية الشخصية المطلوبة، فمثلاً لو البرنامج قتالي في مجمله ستتجه الأنظار إلي البحث عن رجل عسكري، ولو البرنامج سياسي بالدرجة الأولى فستبحث عن رجل سياسة، أما إذا كان البرنامج اقتصاديًا وماليًا إذن لا بد أن يقع الاختيار على رجل بنوك وأعمال وهكذا.

الوسط: ما حقيقة أن لديكم اتصالاً مع 16 عضوًا يمثلون التحالف في مجلس النواب؟
جبريل: قانون الانتخابات رفض مشاركة الأحزاب ومن تقدموا كانوا فرادى، وأعترف بأن التحالف دعم كثيرًا من الأعضاء منهم من ينتمي إليه فكرًا، ومنهم من ينتمي للتحالف فكرًا وتنظيمًا، بعض أعضاء التحالف داخل البرلمان يصيب ويخطئ، ولا ولاية إطلاقًا من التحالف على أي نائب بالبرلمان، والشائع أن التحالف يسيطر على الحكومة والبرلمان، وهذا غير صحيح فنحن الآن ليس لدينا أي وزير على الإطلاق في الحكومة الحالية، ورئيس المجلس ونائباه ليسوا أعضاء في التحالف، نحن رشحنا محمد الدايري للخارجية وهو ليس عضوًا بالتحالف، وكان هدفنا من وراء الترشيح أنه شخصية وطنية مستقلة، وله علاقات قوية بالأمم المتحدة وبالفعل استجاب عبد الله الثني لترشيحنا.

الوسط: ما حقيقة اللغط الذي أثير حول مهلة الأسبوعين التي قيل إنكم أعطيتموها للواء خليفة حفتر؟
جبريل: هناك أناس كثيرون تصطاد في الماء العكر، وعندما تحدثت عن مهلة الأسبوعين كنت أتحدث عن الناس الذين وجهوا اتهامات للتحالف ولم أقصد اللواء حفتر، وكنت أتمنى أن يخرج أحد أعوان اللواء خليفة حفتر ويوضح الأمور، ليعرف الجميع ما إذا كان التحالف يقف ضد الجيش وضد عملية «الكرامة» أم العكس تمامًا؟ وهناك من يشيع بأن التحالف حاول وضع اسم اللواء خليفة حفتر ضمن قائمة عقوبات الأمم المتحدة وهذا نوع من الاستخفاف بالعقول، والذي حدث هو العكس فقد كانت هناك دولة أو دولتان حاولتا وضع اسم حفتر في القائمة لكن تدخلت دولة عضو دائم في مجلس الأمن، واعترضت على الإجراء وتم إبلاغ اللواء حفتر بهذا الأمر في حينها، وأسفت على أن الشخص الذي وشى هذه الوشاية التقيته في القاهرة وتحدثت معه في قضايا كثيرة، وتعجبت أن يخرج ويدلي بهذا التصريح غير الدقيق، أما قصة الأسبوعين فهي كانت موجهة إلى بعض الأشخاص الذين أدلوا بهذه الافتراءات، وهددت باللجوء إلى القضاء أيضًا، وليس للواء حفتر أي صلة بهذا الموضوع.

الوسط: هل صحيح ما يقال عن دور لمصطفى عبد الجليل في تمكين رموز الإسلام السياسي من السيطرة على الوضع بعد سقوط القذافي؟
جبريل: الحقيقة أن عبد الجليل كان منحازًا ومتعاطفًا مع الإخوان، ولاحظنا في وقت من الأوقات هذا الانحياز وحاولنا لفت انتباهه أنا مرة ومحمود شمام مرة، وكذلك عبد الرحمن شلقم، ثم اقترحت أن يتم تعيين شلقم نائبًا لرئيس المجلس الانتقالي، لتحجيم هذا التعاطف فوافق عبد الجليل ورفض شلقم، وطلبت من علي زيدان القيام بهذا الدور لكن عبد الجليل أفشله عندما تعامل مع الأمر وكأن على زيدان سيكون مدير مكتبه ليس إلا.

أعلنت قرار حل التشكيلات المسلحة في طرابلس رغم رفض قطر وجلال الدغيلي وفوزي أبوكتف، وفوجئت بالسيد مصطفي عبد الجليل يلغي القرار في اليوم التالي،فدخلت عليه وقلت له هذا فراق بيني وبينك، وستندم على هذه الخطوة كثيراً.

المؤسف أننا لم نكن نعلم أن مصطفي عبد الجليل كان أثناء الإعداد لانتفاضة طرابلس على اتصال مع غرفة سرية في تونس، يديرها عبد الحكيم بالحاج وعلي الصلابي، وكان هناك تنسيق بين الإخوان والجماعة المقاتلة على تقسيم السلطة، بدليل أنه في ليلة سقوط النظام كانت مؤسسات الدولة في قبضة تيارات الإسلام السياسي والإخوان، وبالتالي ضاعت كل الجهود الكبيرة التي بذلها فريق استقرار العاصمة، لإعادة الحياة إلى طبيعتها في العاصمة وعودة مؤسساتها إلى العمل.

وقصة غرفة تونس ترجع إلي معلومات مغلوطة سربها إلى عبد الجليل أستاذ قانون ليبي، أبلغه بأن محمود جبريل بعد نجاح الانتفاضة ودخول طرابلس سوف يدبر انقلابًا ويستولي على السلطة في ليبيا، من هنا وثَّق عبد الجليل علاقته بغرفة تونس، ولو كان يفكر في مصلحة الوطن لكان واجه جبريل بصاحب المعلومة، للتأكد من الأمر بدلاً عن أن نجد أنفسنا جميعاً ندفع ثمنًا باهظًا نتيجة أخطاء قاتلة.

الوسط: هل ترى أن الأمر في ليبيا في اتجاه التعقيد أم أن الحل السياسي لا يزال ممكنًا؟
جبريل: نحن وصلنا إلي القاع، بعد هذا القتل الجماعي وتدمير البيوت، وهدم الدولة حتى وصل الأمر إلى حرق مقدرات الأجيال القادمة، وأمام هذا المشهد لم يعد هناك ما يتم ارتكابه بعد كل هذا، إما أن تترك النار حتى تصبح رمادًا، أو تعرف بأن القوة لا تأتي بنتيجة، أعتقد أنه أمام الليبيين خياران إما أن نترك البيت يحرق بمن فيه، وإما أن ندرك أن حرق البيت هو حرق لنا فنشترك جميعًا في إطفاء النيران فالبيت يسع الجميع.

الوسط: هل لديك خريطة للخروج من الأزمة الليبية؟
جبريل: هناك ثلاثة عناصر يجب اللجوء إليها حاليًا، أولها الرهان على تحرك الشارع الليبي، ثم تماسك التيار الوطني وتقدمه بمبادرات واقعية، وأخيرًا تحرك زعماء القبائل ليشكلوا قوة ضغط اجتماعي على التشكيلات المسلحة، لأن أعضاء هذه التشكيلات أغلبهم أبناء لقبائل وعائلات يمكن أن تمارس ضغطًا اجتماعيًا على أبنائها لصالح استقرار وأمن الوطن.

الوسط: ما أولويات التيار الوطني في الوقت الجاري؟
جبريل: مهم جدًا أن الآذان والعيون تظل مفتوحة ويقظة وممتزجة بالكامل مع الشارع، وأن تتخلي الرموز الوطنية عن طريقتها التقليدية في عقد الجلسات النخبوية التي يستمعون فيها إلى صدى صوتها، فالشارع الليبي وصل إلى مرحلة الكفر بالنخب والرموز، لأنك عندما تجد بيتك يحترق وابنك يحرم من الدراسة ولا تجد الأمان على حياتك وممتلكاتك، ثم يجلس أحدهم ليتحدث عن أحلام وخيالات بعيدة عن الواقع فهو بذلك يستفزك أكثر، ويستخف بهمومك ومشاكلك، لأنك عندما تتلفت حولك ستجد النازحين في الداخل والخارج وغير ذلك من القضايا الحيوية والعاجلة، التي تنتظر حلولاً فورية بلا تأخير، فأي مشروع يتم طرحه لابد أن يكون من جزءين، الأول الحل السريع للقضايا الآنية استجابة لصرخات الناس كمخرج من الأزمة، ثم الشق الثاني الذي يتعلق بالأمور الاستراتيجية والحلول بعيدة المدى، وكيف تضع البلاد على طريق القرن الواحد والعشرين، فتعيد البناء وتلغي الإقصاء، وتعالج الجروح وتطبق مبادئ العدالة الانتقالية، جبر الضرر، والاعتذار عن الخطأ واعتذار قبائل لقبائل، وكيف تقوي دور الدين الصحيح الذي يجمع ولا يفرق، وهكذا نحتاج إلى تجميع الصفوف ولا مجال للفردية في الوقت الجاري، هل هذا ممكن؟ نعم ما زال ممكنًا إذا خلصت النوايا، رواندا على سبيل المثال كانت أسوأ حالاً بكثير وهي اليوم من أكثر دول أفريقيا نموًا في اقتصادها.

الوسط: هل يجوز أن نقول إن المسؤولين الذين تولوا السلطة بعد الثورة ارتكبوا أخطاء جسيمة؟
جبريل: بالفعل نحن ارتكبنا بعض الأخطاء التي ندفع ثمنها حاليًا، حيث فتحنا «الشيكارة» بالمقلوب، بمعني أنه كان ينبغي أن نبني الدولة أولاً ثم نجري انتخابات، لكن الذي حدث عندنا هو العكس، وعندما تعلن نتائج الانتخابات بلا أمن ولا قضاء ولا سلطة تحمي العملية الديمقراطية تكون النتيجة ما تابعناه جميعًا من حصار المؤتمر الوطني، وفرض قرارات بقوة السلاح لصالح طرف بعينه، وأشير هنا وبشهادة علي زيدان أثناء انتخاب رئيس الوزراء إلى أن أحد الشخصيات هدد المؤتمر بقوله: «إذا انتخبتم محمود جبريل سوف ننسف مقر المؤتمر بصاروخ»، إن هذا الأمر لو حدث في مصر أو تونس لكانت خرجت الناس إلى الشوارع لتحمي اختياراتها، لكن للأسف هذا حصاد غياب الوعي الذي نجنيه الآن!

وفي العاشر من يوليو 2012 ناشدت الليبيين جميعًا ألا يتركوا الشارع، فالمعركة لم تنته بل بدأت الآن، ولكن للأسف اعتقد كثيرون أن ظهور نتيجة الانتخابات يمثل نهاية المشوار، بينما الحقيقة كانت تلك بداية المشوار الذي لم يسمح له بالبدء.

الوسط: ماذا عن موقف التحالف من قضية توحيد جهود التيار المدني التي يدور الحديث بشأنها هذه الأيام؟
جبريل: نحن مع أي جهود من هذا النوع، فالأوضاع في ليبيا تجاوزت كل التصورات، التهديدات التي تواجه الوطن أكبر من كل المخاوف، في العام الماضي كنا نتحدث عن كيف تبني الدولة؟ أما الآن فإننا نتساءل هل يكون هناك وطن أم لا؟ فالأمر يتطلب تكاتف كل الجهود لإنقاذ الوطن من الضياع.

وقد أثار بعض الإخوة هذه الفكرة منذ شهرين تقريبًا، وطرحوا سؤالاً عاجلاً عن كيف يمكن بناء تكتل وطني حقيقي قادر على مجابهة هذه التهديدات وإنقاذ ليبيا؟ خاصة أن هناك بالفعل تهديدات خارجية حقيقية، وتهديدات بالتقسيم واحتمالات اندلاع حرب أهلية شاملة، وهي كلها أصبحت تهديدات واقعية وليست محض خيال، ولعلي أذكر أنني عندما كنت أنبه وأحذر من هذه الأمور منذ عامين كنت أتهم بالسوداوية والتشاؤم أو بأنني أستعدي الغرب على بلادي، عمومًا كانت هناك جلسات بين رموز مستقلة ومن تيارات مختلفة، والتحالف وكيانات أخرى وكلها جمعها مشترك واحد يتعلق بوقف هذا الانهيار.

وتقديري الشخصي أنَّ الواقع الحالي يفرض على الجميع التحرك المشترك لوضع مشروع ليس نهضويًّا لأنَّ هذا يتطلب وقتًا طويلاً بل مشروع إنقاذ لمواجهة المخاطر والتهديدات القائمة، قائمًا على ثوابت مشتركة على ألا يرتبط هذا المشروع بأشخاص، لضمان توحيد كل الصفوف وتجنب الخلافات، وأزمة التحالف أنَّ الناس تُحمِّله أكثر مما يحتمل وهو تحالفٌ تصويتي انتخابي وليس حزبيًّا، واللافت أنَّه حسب ميثاقه أنْ يتم حله بعد انتهاء الانتخابات، وهو ما تم بالفعل فكَّرنا في تحويله بعد ذلك إلى كيان سياسي وهو ما نحاول عمله وتعترضنا مشاكل التمويل لإنجاز هذا العمل.

والأخوة المهتمون بفكرة توحيد جهود التيار الوطني رصدوا قائمة تضم نحو 180 شخصية ليبية بهدف الاجتماع لوضع مشروع لإنقاذ ليبيا من الضياع، وأتمنى الالتفاف حول المشروع بصرف النظر عن الأسماء المشاركة، وهذه القائمة مفتوحة أمام كل الشخصيات الليبية المهتمة بالبحث عن مخرج من المأزق الحالي للبلاد.

الوسط: زيارة وزير الخارجية الليبي محمد الدايري قطر.. هل لها علاقة بتحوُّل في السياسة القطرية؟
جبريل: تقديري أنَّ توقيت الزيارة كان مهمًّا، خاصة أنَّها واكبت بوادر المصالحة القطرية- المصرية، وأعتقد أنَّه لو نجح وزير الخارجية الليبي في استثمار هذه الأجواء لإجراء مصالحة قطرية ليبية أيضًا فستكون هذه خطوة مهمة، امتدادًا للمصالحة المصرية- القطرية. أتمنى نجاح هذا التوجه، ورغم أنني على المستوى الشخصي وصلتني طلبات للقاء مع شخصيات قطرية في الدوحة لكني اعتذرت عن عدم قبول اللقاء إلا بعد تصفية الرواسب والتراكمات الماضية.

وبالنسبة لي أعتبر أية جهة أو دولة تحاول العبث بمستقبل ليبيا، وتتدخل بطريقة سلبية إنما تقوم بعدوان على سيادة تراب بلادي وبالتالي يجب على مَن يخطئ أنْ يعتذر أولاً، ثم نتحدَّث عن صفحة جديدة من العلاقات، خاصة أنَّ قطر على الرغم من أنَّها ساهمت بكثير من الدعم والمساندة في بداية الثورة فسرعان ما كشفت أجندتها لمساندة رموز الإسلام السياسي وهذا أمر ينطوي على خطورة شديدة بالنسبة لمصير ليبيا وشعبها.

وعلى المستوى الشخصي أتذكَّر عندما كنا في باريس في سبتمبر 2011 أنَّ السيد مصطفى عبد الجليل والأمير حمد بن خليفة رفضا طلبي بحل «الميليشيات»، وقاطعني الأمير القطري في مؤتمر صحفي علني قائلاً: «يا أخ محمود الثوار لا يلقون السلاح! ثم دخلنا قاعة الاجتماع بين الوفدين الفرنسي والليبي، حيث كان يضم مصطفى عبد الجليل ومحمود شمام والسفير الليبي في باريس وأنا، الوفد القطري كان يضم الأمير والشيخ حمد بن جاسم وخالد العطية وزير الخارجية الحالي والسفير القطري في باريس، وطلب الأمير حمد مني الاستمرار في رئاسة الوزراء بشرط أن لا تكون لي علاقة بالجيش والشرطة وأنت رجل بتاع تنمية وتخطيط وخليك في التخطيط والتنمية، وإذا كنت منزعجًا من سلاح الثوار أنا مستعد أجمع لك السلاح من طرابلس ومصراته في 48 ساعة، وعندما رجعت إلى ليبيا اتخذت قرارًا بحل الميليشيات بحضور كافة قادة الـ 18 تشكيلاً مسلحًا باستثناء عبد الحكيم بالحاج، وفي الساعة الواحدة ظهرًا دخل علينا مصطفى عبد الجليل القاعة بارك هذا القرار، فوجئنا بعدها بحوالي ساعة بدخول رئيس الأركان القطري وجلال الدغيلي وفوزي أبو كتف وعبدالحكيم الحاج القاعة، وسأل رئيس الأركان القطري هل هذا القرار سيطبق على طرابلس فقط أم في كل المدن الليبية فقلت له طرابلس العاصمة وبها 18 تشكيلاً مسلحًا، ولو طلبت من أحدهم أن يسحب سلاحه سيرد عليك بأنَّ شأنه شأن غيره، كما حددنا موعد عودة الشرطة، وطلب الضيف القطري أن نلتقي وقال: «أحمل رسالة لك أنت ومصطفى عبد الجليل من أمير قطر»، فوقَّعت على القرار وتوجَّهت إلى اللقاء، وكان قادة التشكيلات العسكرية فرحين بالقرار وعرضنا عليهم بدائل وقررنا تشكيل إدارة التدخل السريع، ونحن في القاعة اتصلت بالشيخ عبد الله بن زايد والشيخ حمد بن جاسم في قطر وطلبت سيارات شرطة ووصلت السيارات التي أرسلها بن زايد فورًا، في حين لم تصل سيارات قطر حتى مغادرتي رئاسة المكتب التنفيذي، وربما تكون وصلت بعد ذلك.

اكتشفت أن مصطفي عبد الجليل كان أثناء الانتفاضة على اتصال مع غرفة سرية في تونس، يديرها عبد الحكيم بالحاج وكان هناك تنسيق بين الإخوان والجماعة المقاتلة على تقسيم السلطة بدليل أنه في ليلة سقوط النظام كانت مؤسسات الدولة في قبضة تيارات الإسلام السياسي والإخوان.


اجتمعت أنا ومصطفى عبد الجليل برئيس الأركان القطري لنعرف رسالة أمير قطر وفوجئت بأنَّ رئيس الأركان القطري يقول لنا: «الشيخ حمد يسلم عليكم ويطلب تأجيل زيارة ساركوزي وكاميرون المقررة في 15 سبتمبر 2011»، وكان رئيس الوزراء التركي حينها أردوغان سيأتي أيضًا بعد ذلك بيوم، ولما سألته عن السبب كان رده لأسباب أمنية فقلت: ما أعرفه أنَّ رؤساء الدول عندما يقررون القيام بزيارة لدول أخرى يرسلون فرقًا أمنية لاستطلاع الأمور الأمنية وترتيب الشق الأمني، فقال قولوا لهم إنَّ مصطفى عبد الجليل مرض وسافر إلى الدوحة للعلاج وسيكون هذا سببًا للاعتذار، فرفض عبد الجليل قائلاً: لا أنا لا أكذب! فقال المسؤول القطري: أجِّلوا زيارة أردوغان وسنتحدَّث نحن مع الفرنسيين حول هذا الأمر، وقلت لرئيس الأركان القطري «أبو عبد الله» أنا وجهت الدعوة إلى الأمير حمد لزيارة ليبيا ثلاث مرات، وكنا نتمنى أنَّ أول مَن يزور ليبيا بعد الثورة يكون قائدًا عربيًّا حتى نفوِّت الفرصة على مَن يزعمون أنَّ الناتو هو الذي حرر ليبيا، واقترحت أن يحل الأمير حمد ضيفًا على ليبيا يوم الخميس قبل زيارة ساركوزي وأردوغان وسنرحِّب به ونشكره على جهوده لمساعدة الشعب الليبي في ثورته ضد حكم القذافي، لكن رئيس الأركان رفض وقال إنَّ الأمير لديه ارتباطات ولا يستطيع القيام بهذه الزيارة في ذلك التوقيت وغادر طرابلس غاضبًا، وكان يُفتَرض بعد تناول الغداء مع الضيف القطري أنْ أقوم في المساء بعقد مؤتمر صحفي أعلن فيه حل التشكيلات المسلحة ونبدأ مرحلة جديدة، إلا أنَّ الاتصالات التليفونية بدأت «جلال الدغيلي وفوزي أبو كتف» يطلبان من إلغاء المؤتمر الصحفي لأنَّ الثوار وقادة التشكيلات محتقنون، ولم يكن هذا صحيحًا على الإطلاق بل كلهم كان مرحِّبًا بما اتفقنا عليه، وأذكر منهم بعض الأسماء على سبيل المثال: هشام بو حجر ومليقطة وأسامة أبو راس وعصام القطوس ورمضان زرموح من مصراته، ولدينا نصُّ الوثيقة التي جرى التوقيع عليها من قبل 17 قائد تشكيل في طرابلس، ومع ذلك لم ألتفت إلى هذه الاتصالات وخرجت وعقدت مؤتمرًا صحفيًّا أعلنت فيه القرار بحضور القادة المذكورين، لكن في اليوم التالي فوجئت بقرار رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل إلغاء قرار حل التشكيلات المسلحة، ونقل تبعيتها إلى عبد الرزاق العرادي وعبد المجيد سيف النصر، دخلت على عبد الجليل وقلت له هذا فراق بيني وبينك، فقال يا رجل أنت مستعجل ومازالت الحرب قائمة وأنا مستعد أن أجمع السلاح بعد انتهاء المعارك فورًا. فقلت له والله ستندم على هذه الخطوة كثيرًا.

الوسط: هل تلقيت دعوة لحوار الجزائر المرتقب؟
جبريل: نعم تلقيت دعوة للمشاركة في الحوار الذي سبق وأعلنوا عن استضافته، زرت الجزائر، ولم ألتق علي الصلابي ولا عبد الحكيم بالحاج أو غيرهما كما تردد، لكني التقيت رئيس الوزراء ووزير الخارجية الجزائريين، والحقيقة كنت أتحفظ على زيارة الجزائر لسبب جوهري يتعلق بموقفهم العدائي في مؤتمر دول جوار ليبيا الذي عُقد في مدريد عندما تمسكوا بضرورة حذف عبارة «الاعتراف بالمؤسسات الشرعية المنتخبة»، وهو الموقف الذي تكرر أيضًا قبل أيام في اجتماع مجلس الجامعة العربية، قبل أن تنجح ضغوط الجامعة وكثير من الدول العربية المؤثِّرة في إقناع الوفد الجزائري بتعديل موقفه بالخصوص.

الوسط: ما رأيك في الدور الجزائري.. وهل ترى أنَّه قادرٌ على التأثير الإيجابي في المشهد الليبي؟
جبريل: الجزائريون يعتمدون على دعوة الشخصيات الليبية بطريقة فردية، ويعتمدون على فكرة الاستماع إلى كل طرف على حدة، ثم بعد ذلك يبلورون موقفًا نهائيًّا يصب في شكل مبادرة تستجيب لكل التوجهات، وقد استمعت إلى رئيس الوزراء الذي تحدَّث معي عن تجربة الجزائر في الحرب عشر سنوات بجيشهم القوي وكان وزيرًا للداخلية في ذلك الوقت، وكانت له تجربة في التصدي للمتطرفين، إلى أن تقدَّم بوتفليقة بمبادرة الوئام الوطني، وعلى الرغم من ذلك لم يجزم بأنَّهم يسيطرون على الأوضاع سوى بنسبة 90%، وقال أنتم كليبيين بجيشكم المتهالك أو ما تبقى منه لن تستطيعوا مواجهة هذا الكم من المتطرفين المسلحين الذين ينتشرون في أرجاء البلاد، لذلك أنصحكم أن تقارنوا تجربتكم بتجربة الجزائر، وليس أمامكم سوى الحوار ونعدكم بأنْ نجمع كل الأطراف ونضع مبادرة نحاول من خلالها أنْ نستجيب لمطالب كافة الأطراف.

لا أحد ينكر مساعدة قطر لنا ولي أنا شخصياً ولأسرتي في وقت كنت مطاردا من قبل فرق الموت التابعة للقذافي، لكن في الوقت نفسه لا أنكر تدخل قطر السافر في الشأن الليبي وبقوة، ولا يزال لديها تأثير كبير خاصة بالنسبة لتيار الإسلام السياسي واثق في كلام أمير قطر عندما قال أنه يعرف هؤلاء أكثر مني.


الوسط: ما تصوُّركم للحوار الوطني الذي تبنته الجزائر؟
جبريل: أتصوَّر أنَّ الجزائريين لن يقدِّموا أية مبادرة بشأن ليبيا إلا بعد أنْ يتأكدوا من أنَّ مبعوث الأمم المتحدة قد استنفد كل ما لديه من جهود ومن ثم ينطلقون من حيث انتهى ليون، وعندما ذهبت إلى الجزائر كممثل للتحالف حملت معي ثلاث نقاط وطلبت التجاوب معها كشرط للمشاركة في أي حوار، هذه المطالب كانت تدور حول توفير ضمانات تلزم الأطراف المشاركة في الحوار بالالتزام بما يتم الاتفاق عليه على أساس تجاربنا المريرة التي خضناها في الاتفاق مع بعض الأطراف وعدم الالتزام بما يتم التوصُّل إليه، وأخيرًا أنَّ أية مبادرة تُطرَح يجب أنْ تكون باسم دول الجوار وليس باسم دوله بعينها فلا نريد أنْ نكون أحجارًا على رقعة الشطرنج ثم مَن الذي يحضر الحوار؟ وهنا وضعنا ثلاثة معايير أولها القبول بالدولة المدنية الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وعدم اللجوء للعنف، وإدانة الإرهاب، وأنَّه لا مساس بالبرلمان المنتخب الذي جاء بإرادة الليبيين، وخلال حوار مع السيد عبد القادر مساهل الوزير المنتدب المكلف الشؤون الأفريقية والمغاربية طرح فكرة تجنب التطرق للحديث عن الشرعية، فقلت له إننا نرفض المساس بإرادة الناخب، لا نستطيع الصدام مع إرادة المواطن الليبي، فهذا أمرٌ مرفوضٌ ولا أستطيع أنْ أساوم عليه. ثم قدَّمنا تصوُّرَنا للحوار في حوالي أربعة أو خمسة ملفات بلورت موقفنا تجاه كافة القضايا الاستراتيجية بدءًا من نزع السلاح إلى تفكيك «الميليشيات» وإعادة دمجها ووضع الجيش وغيرها من القضايا المحورية.

ثم فوجئنا بإشاعات تقول إنَّ التحالف رفض مشاركة أتباع النظام السابق في حوار الجزائر، وهذا غير حقيقي لأننا نعرف الأشخاص الذين روَّجوا لهذه الإشاعات، وقلنا إنَّ أي شخص لم يقتل ولم يسرق ولم يرتكب أية جريمة جنائية سواء قبل 17 فبراير أو بعده فهو مواطنٌ ليبي شريفٌ له كل الحقوق وعليه كل الواجبات.

الوسط: هل المصالحة مع قطر سيكون لها تأثير على الأوضاع الداخلية؟
جبريل: هناك رواسب كثيرة في قاع العلاقة بين الليبيين وقطر من الضروري تصفيتها أولاً، فلا أحد ينكر حجم مساعدتهم لنا ولي أنا شخصيًا، حيث وفروا لي الحماية أنا وأسرتي في وقت كنت مطاردًا فيه من قبل فرق الموت التابعة للقذافي، وخصصت لي طائرة أتحرك بها، لكن في الوقت نفسه لا أنكر تدخل قطر السافر في الشأن الليبي وبقوة، ولا يزال لديها تأثيرٌ كبيرٌ، خاصة بالنسبة لتيارات الإسلام السياسي، وأثق في كلام أمير قطر عندما قال إنَّه يعرف هؤلاء أكثر مني وبالفعل هناك دعم قطري لهذه التيارات بالسلاح والمال.

الوسط: وهل المصالحة بين مصر وقطر ستكون لها انعكاسات على الشأن الليبي؟
جبريل: اجتهادي أنَّ استقرار مصر وتونس مرتبطٌ بالاستقرار في ليبيا، وبعد أن تحوَّلت ليبيا إلى مصدر تهديد للأمن القومي في مصر وفي دول الجوار، وبعد استقرار الأوضاع في مصر وتونس لم يعد أمام التيارات المتشددة سوى ليبيا فهي التي يرونها ملاذًا آمنًا، ومن ثم ستكون المعركة معها شديدة الشراسة، وبالتالي فإن تغير الموقف القطري في ليبيا قد يعد امتدادًا لمصالحتها في مصر، أما إذا لم يتغير الموقف القطري من ليبيا فهذا يعني أنَّها تأخذ بالشمال ما قدَّمته باليمين.

الوسط: ماذا عن السودان وحقيقة دوره في دعم المتشددين في ليبيا؟
جبريل: أثناء الانتفاضة تلقينا دعمًا معلوماتيًّا واستخباراتيًّا كبيرًا من السودان وكان مندوب المخابرات السوداني في ليبيا نشطًا، وقدَّم لنا كثيرًا من المعلومات عن نظام القذافي في لحظات حرجة، وعندما قابلت الرئيس البشير وطلبت منه الاعتراف بالمجلس الانتقالي قال أنا جاهز، والأجهزة والسلاح الذي دخلنا به طرابلس وصلنا من السودان، صحيح الذي دفع ثمن السلاح كانت قطر. ولكنه أضاف أنَّ اعترافي بالمجلس الانتقالي سيحرمكم من قناة معلومات مهمة.

بعد سقوط النظام للأسف ساهم السودان مع قطر وتركيا في مؤازرة طرف ضد طرف مما زاد من نار الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، ولكن في النهاية هذه دول ولها مصالحها. اللوم والجرم يقع على مَن يرضى من الليبيين أن يكون مطية للآخرين، فلا أحد يستطيع أن يعتلي ظهرك ما لم تنحن، كما يقول مارتن لوثركنغ.

اقرأ الجزء الأول ، الجزء الثاني

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
«هذا المساء» يناقش نتائج قمة تونس.. مخاوف ثلاثية وهواجس مغاربية؟
«هذا المساء» يناقش نتائج قمة تونس.. مخاوف ثلاثية وهواجس مغاربية؟
منشآت دراسية جديدة بجامعة سرت
منشآت دراسية جديدة بجامعة سرت
إشادة أميركية بدور مفوضية الانتخابات لتعزيز المشاركة الشاملة
إشادة أميركية بدور مفوضية الانتخابات لتعزيز المشاركة الشاملة
اختتام ورشة عمل حول تعزيز قدرات صون التراث الثقافي غير المادي
اختتام ورشة عمل حول تعزيز قدرات صون التراث الثقافي غير المادي
لماذا يرفض عطية الفيتوري سحب الخمسين دينارًا؟
لماذا يرفض عطية الفيتوري سحب الخمسين دينارًا؟
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم