Atwasat

الكوني أعبودة: قرار «الدستورية» صفعة لإدارة المؤتمر ولجنته التشريعية

القاهرة - بوابة الوسط السبت 08 نوفمبر 2014, 09:27 مساء
WTV_Frequency

قال الفقيه القانوني المعروف، الدكتور الكوني أعبودة، إن حكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا الذي صدر الخميس الماضي شكَّل صفعة لإدارة المؤتمر وللجنته التشريعية، مشيرًا إلى أن المحكمة أسّست حكمها على ما اعتبرته خرقًا للمادة 36 من الإعلان الدستوري التي تتطلّب لإلغاء أو تعديل أي حكم فيه أغلبية.

ورأى أعبودة الذي ترأس لجنة فبراير، التي شكلها المؤتمر الوطني العام في وقت سابق العام الجاري، أنّ هذا الحكم في صيغته التي صدر بها لم ولن يقود إلى حسم الخلافات بين الأطراف، وفق ما يعلن هنا وهناك، ومن هنا يكون من المناسب إبداء وجهة نظر.

نص رأي الكوني الذي نشره على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك:

دلالات حكم الدائرة الدستورية الأخير في قضية الطعن رقم 17/ 61 ق.
بتاريخ 6/11/2014 أصدرت المحكمة العليا بدوائرها مجتمعة، بقبول الطعن شكلاً (وبعدم دستورية الفقرة (11) من المادة (30) من الإعلان الدستوري المعدّلة بموجب التعديل الدستوري السابع الصادر بتاريخ 11 مارس 2014 وكافة الآثار المترتبة عليه، وإلزام المطعون ضدهم بصفاتهم المصروفات، وبنشر الحكم في الجريدة الرسمية). هذا الحكم الذي انتظره الليبيون، وربما العالم بصيغته التي صدر بها لم ولن يقود إلى حسم الخلافات بين الأطراف، وفق ما يعلن هنا وهناك، ومن هنا يكون من المناسب إبداء وجهة نظر يطمح صاحبها أن تكون موضوعية، رغم أنّ الكتابة هذه الأيام صارت مشكلة، حيث أصبح التصنيف هو القاعدة!

بُني الطعن أساسًا على (أن تصويت المؤتمر الوطني العام عليها، أي على الفقرة 11من المادة 30 من الإعلان الدستوري المعدلة، تم بـ (124)، وهذا لا يمثل ثلثي أعضاء المؤتمر الذين هم بنص الإعلان الدستوري (200 عضو).

قبل بيان ما لهذا الحكم من دلالات، أرى من المناسب، لأن الخطاب موجه للجميع التذكير ببعض الأمور: إنّ الفقرة 11 من التعديل السابع تنص على أنْ (يعمل بمقترح لجنة فبراير على أن يقوم مجلس النواب المنتخب بحسم مسألة انتخاب الرئيس الموقّت بنظام انتخاب مباشر أو غير مباشر خلال مدة لا تزيد على خمسة وأربعين يومًا من أول جلسة)، والمقترح الذي جاء في سبع وخمسين مادة نظّم السلطتين التشريعية والتنفيذية، الأولى يُمارسها مجلس للنواب ينتخب من الشعب والثانية يباشرها رئيس الدولة والحكومة.

المحكمة العليا هي أعلى محكمة منذ 1953 ومن اختصاصها الفصل في الطعون والدفوع المتعلقة بعدم دستورية القوانين واللوائح الصادرة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وأنّ أحكامها باتة بمعنى أنها لا تقبل الطعن ولو بالتماس إعادة النظر، والسبيل الوحيدة للتخلص من أحكامها هو مخاصمة الهيئة التي أصدرت الحكم وهو طريق صعب لأنه يتطلّب إثبات أنّ المحكمة أنكرت العدالة برفضها الإجابة على دعوى أو طلب قدم إليها، أو ارتكابها لخطأ مهني جسيم، وإذا نجحت دعوى المخاصمة يبطل الحكم وفقًا لما نص عليه قانون المرافعات.

وأخيرًا، إن صدور حكم ولو من أعلى محكمة لا يمنع الفرقاء من الاتفاق على تسوية، لأنّ الصلح يظل سيد الأحكام، مع استثناء الأمور المتعلّقة بالنظام العام كما هو شأن الأحكام بعقوبات جنائية سالبة للحرية.

الحكم، أيًا كان التقييم الذي يُعطى له شكَّل صفعة لإدارة المؤتمر وللجنته التشريعية، لأنَّ المحكمة أسّست حكمها على ما اعتبرته خرقًا للمادة 36 من الإعلان الدستوري التي تتطلّب لإلغاء أو تعديل أي حكم فيه أغلبية ثلثي أعضاء المؤتمر والمادة 73 من النظام الداخلي للمؤتمر التي تنص (يعتبر في حكم الممتنع عن التصويت كل من يتخلّف عن حضور الجلسة عند الشروع في التصويت). بناءً على ذلك وجدت المحكمة أنّ الأغلبية اللازمة للتعديل لم تتوافر: (وحيث إنَّه بالرجوع إلى مدونات محضر الاجتماع السادس والسبعين بعد المئة للمؤتمر الوطني العام المنعقد يوم الثلاثاء 11مارس2014، يبيّن أنّ التصويت على البند المتعلّق بالعمل بمقترح لجنة فبراير، نال عند الشروع في التصويت (121) صوتًا برفع الأيدي)، وأضافت (ثم انتقل أعضاء المؤتمر إلى بند آخر، وبعدها ذكر رئيس المؤتمر أنَّ هناك ثلاثة أعضاء التحقوا بنا الآن يريدون التصويت، إضافة إلى 121، وأعلن أنّ نتيجة التصويت (124) صوتًا، وطلب من اللجنة التشريعية إصدار قرار بإجراء التعديل الدستوري).

هذه الحيثية تبرهن على ما ألمحنا إليه من ضعف في الخبرة لدى إدارة المؤتمر ولجنته التشريعية، اللهم إلا إن كان وراء ما ثبت في المحضر هدف آخر لمثل الموقف الذي قاد إلى تقديم الطعن! ولكن هل استخلاص المحكمة الموقرة كان في محله؟ اعتمدت المحكمة على التفسير الميكانيكي (الحرفي) في تبرير النتيجة (عدم توافر الأغلبية المطلوبة للتعديل)، كما يمكن لأي قاض جريء أن يفعل دون تأمل! ومثل هذا التفسير لا يستقيم مع المرحلة التي يصدر فيها الحكم، وهي مرحلة انتقالية ذات خصوصية واضحة. والنص المقتبس من محضر اجتماع المؤتمر كان يمكن للمحكمة العليا الموقرة أن تستخلص منه أن الأغلبية المطلوبة للتعديل قد تحقَّقت؛ حيث تم تقرير ذلك من رئيس المؤتمر، وتأكد بإعطاء الأمر للجنة التشريعية بإصدار قرار التعديل، والتقيّد بحرفية نص ورد في النظام الداخلي للمؤتمر، في ظرف يؤدّي إلى حرمان البلاد من جسم شرعي منتخب، وجر البلاد إلى فراغ مؤسسي أو تقسيم للبلاد، يتعارض مع قاعدة اسمي وهي أنّ الوحدة الوطنية خط أحمر، لذلك كنا نفضل في هذه الظروف تبني التفسير الذي يعتد بالغاية أو الحكمة التي وضع من أجلها النص، وهي الرغبة في الوصول إلى الأغلبية الموصوفة في ذات الجلسة وهو ما تحقّق، وليس أدل على ذلك من عدم تسجيل أي اعتراض على طلب إجراء التعديل لتحقق أغلبية 124عضوًا.

أليست العبرة بالمقاصد والمعاني وليس بالألفاظ والمباني؟، وأن دفع الضرر العام مقدّم على الضرر الخاص، ولا محل للقياس هنا على حكم السيد معيتيق، لأنّ المؤتمر حينها لم يكن محل طعن وذهاب حكومة مشكّلة لن يخلق فراغًا.

في رد المحكمة للدفع الذي قدّمته إدارة القضايا والمبني على عدم اختصاص الدائرة الدستورية تأسيسًا على أنّ (مناط الرقابة هو مدى التزام القانون محل الطعن أحكام الدستور، ولا تمتد إلى رقابة النصوص الدستورية ذاتها)، قالت المحكمة (ولو قيل بغير ذلك، أي عدم الاختصاص، لكان للسلطة التشريعية أن تتحلل من القيود الواردة في الدستور بشأن إجراءات التعديل، وهو إطلاق لسلطتها وفتح لباب مخالفة النصوص الدستورية، وهو ما لا يستقيم قانونًا).

هذا الرد لا يبدو مقنعًا؛ من جهة اختصاص الدائرة الدستورية ليس هو الأصل، لأن الولاية القضائية هي للمحاكم وفقًا لقانون نظام القضاء، وتكييف الدعوى محل الطعن على أنها دعوى بطلان تعديل دستوري يجعلها من اختصاص المحكمة الابتدائية، وهي كما هو معلوم المحكمة ذات الولاية العامة في نظامنا القضائي. ومن جهة ثانية، فإن توسيع نطاق رقابتها ليشمل القواعد الدستورية يخالف صحيح القانون، ذلك لأن المادة 23 من قانون المحكمة العليا معدّلة بالقانون 17/1993 تنص: (تختص المحكمة العليا دون غيرها منعقدة بدوائرها المجتمعة برئاسة رئيسها أو من يقوم مقامه بالفصل في المسائل الآتية:
أولاً: الطعون التي يرفعها كل ذي مصلحة شخصية مباشرة في أي تشريع يكون مخالفًا للدستور.
ثانيًا: أية مسألة قانونية جوهرية تتعلّق بالدستور أو بتفسيره تثار في أي قضية منظورة أمام أية محكمة، فهذا النص من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى أي تعليق والمحكمة طبّقته وأكدت حكمه في قضية الطعن رقم 42 والذي فصّلت فيه بتاريخ 52/10/1998 وكان الأولى أن تلتزم الدائرة الدستورية بنطاق اختصاصها، كما رسمه المشرّع احترامًا لمبدأ الفصل بين السلطات، ولعل المحكمة الدستورية العليا في مصر كانت أكثر توفيقًا عندما قرّرت في قضية: الطعن رقم 76/29ق، في 1/10/2007: (وحيث إنّ طلب الحكم بعدم دستورية التعديلات الدستورية، أو التصدي لذلك، في غير محله، ذلك أنّه بالإضافة إلى مجاوزته نطاق حكم الإحالة، فإن الدستور على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة، لا يندرج في مفهوم القوانين التي تباشر المحكمة الدستورية العليا الرقابة عليها).

هذا التعليل كان يكفي لقبول الطعن شكلاً، والحكم بعدم اختصاص الدائرة الدستورية والحفاظ على سلامة تطبيق القانون ووحدة البلاد المهدّدة أكثر من أي وقت مضى، وسبق لنا في بحث سابق نُشر في أول عدد من مجلة معهد القضاء أن نبّهنا إلى أنّ سلطة المحكمة في وضع المبادئ مقيّدة باحترام نصوص القانون أيًا كانت مرتبته!

إنّ ما ورد في منطوق الحكم من إلغاء كافة الآثار المترتّبة على اعتماد مقترح لجنة فبراير دون تحديد يزيد من حظوظ هذا الحكم في عدم التوفيق، لأنّ هناك مَن فهمه في دلالته المطلقة (إلغاء مجلس النواب والحكومة التي شكّلها وما صدر عنهما من قرارات وبأثر رجعي)، وهو فهم متسرع وعاطفي لتجاهله بعض الحقائق الواقعية، منها: من ناحية أنّ انتخابات شفافة ونزيهة قد تمت بعد إجراء ذلك التعديل، أي أنّ الشعب الذي هو مصدر السلطات، ومنها السلطة القضائية، قال كلمته في اختيار بديل للجسم الشرعي الذي كان قائمًا، أي المؤتمر، والذي انتهت ولايته وفق ما ساد في ذلك الوقت وبموافقة المؤتمر نفسه الذي أصدر قانون الانتخاب وتم إعلان نتائج الانتخاب بشكل نهائي، واعتراف المجتمع الدولي بذلك! ومن ناحية أخرى، إنّ المألوف أنّ الأحكام بعدم الدستورية لا تكون بأثر رجعي، إذ لا نص يسمح بالرجعية، وعليه من غير الممكن تجاهل الآثار التي ترتّبت على أعمال الجهات المشار إليها وفقًا لنظرية الأعمال الظاهرة. وأخيرًا فإن تبني التفسير المطلق للمنطوق معناه الفراغ المؤسساتي، وهي نتيجة لا نعتقد أنّ المحكمة قصدتها وأنّ العقل يرفضها لانعكاساتها السلبية على الوطن الجريح!!

بناء على ذلك، وطالما أنّ الحكم لم يحكم بعدم دستورية قانون الانتخابات فإن من مصلحة الجميع الجلوس إلى طاولة الحوار لتفادي المحظور، أي قسمة الوطن أو الانزلاق إلى حرب أهلية شاملة يفرح بها أعداء ليبيا ويدفعون نحوها، وأعتقد أنّ مبادرة إنقاذ ليبيا التي كنت طرفًا فيها يمكن أن تكون الجسر الذي يعيد اللحمة الوطنية ويحقن الدماء الزكية، ولنعتبر أنّ الحكم هو تأكيد لمقولة إنّ القضايا الكبرى لا تحل إلا بطريق الحوار!!

وبعد القراءة السريعة للحكم الذي تحصلت عليه مساء أمس، أعادتني إلى ما يزيد على ثلاثين سنة مضت عندما غسلت المحكمة العليا يديها من رقابة دستورية القوانين، وكتبت في ذلك الوقت تعليقًا ضد ما انتهت إليه محكمتنا، وهذا أمر طبيعي، ولولا الاختلاف في الرأي وفي النظرة إلى الأشياء، لفقدت الحياة معناها والله عز وجل سمح لإبليس بأن يعبر عن سر عدم امتثاله للأمر الإلهي بالسجود لآدم، فيكون من حقنا على من يمسكون بزمام الأمر في البلاد أنْ نفعل، خاصة وأن الإعلان الدستوري كفل للجميع الحق في حرية التعبير، وهو ما قرّرته الشريعة في نصوص كثيرة والله من وراء القصد، عليه نتوكّل وبه نستعين.

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
«الأرصاد» يحذر من رياح نشطة على الساحل من درنة إلى طبرق
«الأرصاد» يحذر من رياح نشطة على الساحل من درنة إلى طبرق
غسيل الكلى بالمنزل في سرت
غسيل الكلى بالمنزل في سرت
أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الدينار في السوق الرسمية (الخميس 25 أبريل 2024)
أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الدينار في السوق الرسمية (الخميس ...
بالصور: مساعدات ليبية إلى غزة
بالصور: مساعدات ليبية إلى غزة
الكبير يزور المؤسسة العربية المصرفية في نيويورك
الكبير يزور المؤسسة العربية المصرفية في نيويورك
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم