شكل الحديث عن الركود في ليبيا جدلا خلال الأيام الأخيرة بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة عبدالحميد الدبيبة، ورئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا؛ إذ اعتبر الأخير أن «حركة التبادل التجاري بليبيا فيها ركود للمرة الأولى»، متعجبا من بقاء المشكلة دون علاج.

وتساءل باشاغا، في كلمة مسجلة له مع عدد من أعيان المنطقة الغربية، نشرت السبت الماضي: «لماذا يحدث ذلك مع أن ليبيا دولة غنية.. لماذا لم تشكل لجنة وطنية لمعرفة أسباب الركود ومعالجته، فيما تحول الأموال لدول بعينها، مما يسبب الركود وقد يسبب كارثة ويزيد من عدد الفقراء».

بدوره، نفى الدبيبة صحة الحديث عن وجود ركود اقتصادي، مشيرا إلى زيادة نسب الاستيراد. وأضاف في اجتماع مع عدد من رجال الأعمال باتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة، أن فتح الاعتمادات بات الآن أكثر من السنة الماضية، و«هذا يعني استهلاك وقدوم بضاعة من الخارج، أما الحديث عن الركود فيعني أنك إما عندك مشكلة تسويقية كشركة أو بسبب وجود منافس آخر. وهناك تجارة أخرى بديلة (التجارة الإلكترونية) استحوذت على الأموال».
وتابع أن البيع لم يعد مقتصرا على المحلات أو الطريقة المباشرة فقط، فالتجارة الإلكترونية محايدة، وتأتي إلى حد المنزل من دبي وألمانيا وإيطاليا وتركيا وغيرها.
وفيما يخص دعم القطاع الخاص، أكد الدبيبة أن الدولة مستعدة لتقديم إعفاء كامل من الضرائب الخاصة بالعمالة لشركات القطاع الخاص، بشرط اتباع الإجراءات الصحيحة وتوفير السلع للمواطنين بسعر في المتناول.

لا ضرائب
وأوضح أن الدولة لا تريد أموالا من القطاع الخاص أو ضرائب، وتسعى إلى تقديم تسهيل، «ليس لدينا مشكلة في تقديم إعفاء كامل، بشرط تعيين العامل برقمه الوطني ودفع حقوقه وضماناته وتأمينه الصحي». وواصل: «أهم شيء استيراد بضاعة صحيحة والكشف الصحي عليها، واتباع الخطوات الإدارية الصحيحة، وتوفير السلعة للمواطنين بسعر ميسر».
وأشار إلى أن هناك قطاعات عديدة ينقصها دخول القطاع الخاص، «ونحن لا ندعمكم ولكننا نحتاج إليكم، بشرط أن يكون القطاع الخاص منظما، فالدولة لا تستطيع أن تنظم كل شيء.. يجب تنظيم كل قطاع، وتوضيح التسهيلات المطلوبة من الحكومة».

جدل حول سعر الصرف
وفيما تحدث باشاغا عن ضرورة سماع آراء الخبراء لتعزيز الدينار أمام الدولار، وتحسين سعر الصرف، قال الدبيبة إن قرار تعديل سعر الصرف الذي اتخذ في بدايات العام 2021 كان صعبا «لكنه كان في الاتجاه الصحيح»، إذ «أخرج (منع) نسبة كبيرة من السرقة» التي كانت تحدث في الدولة، مشيرا إلى أن 10% من المواطنين «كانوا يحصلون على الاعتماد بجنيه ونصف، والباقي يحصل عليها بـ10 جنيهات».
فيما أضاف باشاغا: «هناك صوت واحد يستولي على مصرف ليبيا المركزي ويقول إنه ليس هناك إمكانية لتحسين سعر الصرف، والمفترض هو سماع آراء الخبراء من كل الجامعات الليبية ويقولون لنا هذا الكلام، أو يقولون هناك إمكانية للتعديل وتعزيز الدينار».

إلى ذلك، قال الدبيبة إن فتح الاعتمادات بات الآن أكثر من السنة الماضية، و«هذا يعني استهلاك وقدوم بضاعة من الخارج»، معتبرا أنه من أشد المؤيدين لدخول القطاع الخاص في أوجه العمل في ليبيا، إلا أنه تحدث عن حالات «التهم فيها القطاع الخاص القطاع العام»، مشيرا إلى تسريب الأدوية من جهاز الإمداد الطبي.
وأضاف أن «الدولة كانت خاملة وهرمة وفاشلة في كثير من القطاعات، خصوصا الخدمية حتى قبل 11 فبراير 2011». واعتبر أن غياب القطاع الخاص لفترات طويلة «كان مقننا ومدروسا»، منتقدا في الوقت ذاته تراخي قطاع الصحة الذي وصفه بـ«المتهالك». كما أشار إلى «عجز الدولة» عن أداء الخدمة للمواطنين في مجال الصحة، ليدخل القطاع الخاص عبر توفير الدواء وإقامة المستوصفات.

- للاطلاع على العدد 353 من جريدة «الوسط».. اضغط هنا

حرية التجارة
وشدد الدبيبة على ضرورة تقنين التجارة، مضيفا: «اليوم هناك حرية ولا توجد أية قيود لتوريد السلع الغذائية، والتقيد يكون في الصحة وضبط التخزين والجودة، أما أي سلعة أخرى فهناك مجال للتجارة والربح والخسارة بها».
وأشار إلى أن الاستثمار العقاري لا يزال يغيب فيه القطاع الخاص، داعيا إلى ضرورة إتاحة الفرصة له، لكن بضوابط ومراقبة حتى لا يحدث بناء عشوائي يؤثر سلبا على الدولة مستقبلا».
وفي حديثه عن الأوضاع الاقتصادية في ليبيا، قال باشاغا إن ثلاث أو أربع شركات فقط هي التي تسيطر على الأموال في ليبيا، مضيفا أنها «تابعة للأسرة الحاكمة»، في إشارة إلى رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة، عبدالحميد الدبيبة.
وذكر أن الشركات الثلاث «تذهب إليها كل الأموال»، مشيرا إلى وجود تقارير من تجار تحويل العملات «تقول إن هناك مبالغ مالية تحول من الأسرة الحاكمة لدول معينة». وتابع: «هناك نحو 200 شخص لديهم مصالح لتخريب أو إفساد ليبيا، فيما يعاني 7 ملايين ليبي ويجب أن توفر لهم الخدمات... ومن يعاند الشعب الليبي سيكون خارج القانون، ومات موتة المجرم». وشدد على تمسك حكومته بـ«الشرعية» وعدم التفريط فيها، مضيفا: أجلنا دخول العاصمة رغم المطالبات لنا؛ لأننا لا نريد الدماء بقدر الإمكان».

تردي الخدمات
وحمل باشاغا حكومة الدبيبة مسؤولية سوء الأوضاع، «الآن كان يفترض أن يكون في هذا الوقت حكومة منتخبة ورئيس حكومة وبرلمان جديد، لكن الحكومة منتهية الولاية عرقلت كل ذلك وفشلت في إدارة ليبيا وتريد السيطرة على الحكم بمساعدة بعض الدول التي لديها منفعة في ليبيا». وأوضح: «الوضع سيئ جدا مع ارتفاع درجات الحرارة وغياب الكهرباء وغلاء المعيشة.. كما أن الأمن الغذائي مهدد والرواتب لا تصل».
كما أكد رفضه سيطرة الديكتاتورية على مؤسسات الدولة، «فالمؤسسات التي تتحكم في أعناق ومعيشة الليبيين أصبحت ديكتاتورية وتمارس السرقة والنهب على الليبيين، وتعمل ضد مصلحة الشعب».

تقييم دولي
وجاء في تقييم مشترك أجرته مبادرة «ريتش» وبرنامج الأغذية العالمي، ونشر في أوائل أغسطس الجاري أن 13% من الأسر لديها فجوة في الأمن الغذائي، مشيرا إلى ارتفاع أسعار الغذاء في ليبيا بنسبة 16% بعد تفجر الأزمة الأوكرانية.
ومع استمرار تضخم الأسعار أصبحت القدرة الشرائية في ليبيا للأسر الضعيفة على المحك، وفق التقييم.
ويقدر برنامج الأغذية أن أكثر من 1.2 مليون شخص في ليبيا لديهم نقص في التمويل وعدم كفاية استهلاك الغذاء، وهي أعلى من أي دولة أخرى في شمال أفريقيا.
كما أن متوسط سعر الحد الأدنى للإنفاق على سلة الغذاء في ليبيا شهريا يبلغ (802 دينار في مايو 2022) لتبقى أعلى بنسبة 16.6% من تكلفة ما قبل أزمة أوكرانيا (688 دينار في فبراير 2022).

أحد الأسواق الليبية. (الإنترنت)