Atwasat

في غياب قانون للإعلام.. صحفيو ليبيا ضحية لقانوني العقوبات ومكافحة الإرهاب

القاهرة - بوابة الوسط الأربعاء 10 أغسطس 2022, 07:53 مساء
WTV_Frequency

أواخر نوفمبر 2014 حكم على الصحفي عمارة الخطابي بالسجن لمدة 5 سنوات، وتغريمه مبلغ 250 ألف دينار ليبي، ومنعه من ممارسة الصحافة خلال مدة حبسه، وتجريده من حقوقه المدنية خلال تلك المدة، وسنة إضافية بتهمة التشهير وإهانة القضاء، لنشره قائمة تضم أسماء 84 قاضياً، قال إنهم «متورطون في الفساد».

قضية الخطابي، الذي كان حينها يرأس تحرير جريدة «الأمة» الليبية، صبت الماء البارد على حماس الحقوقيين والصحفيين، المتفائلين بما شرعته سلطات ما بعد حقبة القذافي حول حرية التعبير.

ورغم أن المادة 14 من الإعلان الدستوري 2011 وتعديلاته نصت على ضمان الدولة لحرية الرأي، وحرية التعبير الفردي والجماعي، وحرية البحث العلمي، وحرية الاتصال، وحرية الصحافة، ووسائل الإعلام، والطباعة والنشر، إلا أن ذلك لم يحمِ الخطابي الذي تُرك وحيداً ليواجه مقصلة قانون العقوبات، وتحديداً المادة 195 منه، المتعلقة بالسلطات الدستورية أو الشعبية، وهو القانون الذي وصفته منظمة العفو الدولية في بيان لها حول قضية الخطابي بأنه «كثيراً ما استخدم في عهد القذافي لقمع حرية التعبير».

حبس الخطابي دون حضوره
الخطابي تعرض للحبس عدة أشهر وحوكم غيابياً دون أن يحضر هو أو موكله، في الوقت الذي كانت فيه معظم محاكم طرابلس مغلقة بسبب الاشتباكات التي كانت دائرة بين عدد من المجموعات المسلحة، وهو ما دعا منظمة العفو الدولية إلى القول إن الحكم «صدر في غيابه، ودون إخطار مسبق له، وفي مكان غير معلوم، وفي ذروة صراع مسلح نشط في طرابلس، ما يثير تساؤلات خطيرة فيما يتعلق بعدالة محاكمته».

الحقوقية وعضوة هيئة التدريس بكلية القانون بجامعة طرابلس خديجة البوعيشي، قالت إنه بالرغم من ضمان حرية الرأي والتعبير دستورياً، فإنه لم يجر تعديل القوانين لكي تتوافق مع هذا الحق الدستوري.

وكشفت البوعيشي وجود تعارض بين ما هو مضمون دستورياً وما ينص عليه قانوناً، موضحة: «في حال تم تقديم شكوى أو بلاغ استناداً لأحد النصوص القانونية التجريمية التي تجرم ممارسة الحق في التعبير، فإن النيابة والقاضي أمامهما نص قانوني تجريمي يتعارض مع نص دستوري، القاضي حينها سيطبق النص التجريمي لوضوحه، واستناداً لمبدأ الشرعية لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص».

اعتقال رضا البوم
وفي 14 ديسمبر 2019 تعرض رئيس المنظمة الليبية للإعلام المستقل رضا فحيل البوم، للاعتقال التعسفي لدى عودته عبر مطار معيتيقـة طرابلس، قادماً مـن تونس ليلاً، وتعرض للإخفاء القسري لمدة 5 أيام قبل تحويله للنيابة العامة التي أصدرت أمراً بنقله إلى سجن الجديدة، حيث قضى سبعة أيام قبل إطلاق سراحه.

- تشكيل لجنة لإعداد النظام الأساسي لنقابة الصحفيين الليبيين وتحديد موعد انتخاب مجلسها
- صحفيون ومنظمات إعلامية يرفضون إعادة وزارة الإعلام في حكومة باشاغا
- صحفيون وقانونيون يوصون بإقرار قانون الإعلام وفقا للمادة (174) بمشروع الدستور

اتهم فحيل البوم بمزاولة نشاط دون ترخيص، والقيام ببيع مقالات إلى مجلات أجنبية استناداً إلى المادة 206 من قانون العقوبات التي تعاقب بـ«الإعدام كل من تسلم أو حصل مباشرة أو بطريقة غير مباشرة بأية وسيلة كانت على نقود أو منافع من أي نوع أو من أي شخص أو من أية جهة بقصد إقامة التجمع أو التنظيم أو التشكيل المحظور أو التمهيد لإقامته».

وأغلقت القضية في 31 مارس 2021 بحكم يقضي بأن لا وجه لإقامة دعوى جنائية بعد تقديم محاميه ما يثبت كونه صحفياً وتحصله على تعريف من نقابة الصحفيين ورسالة من الهيئة العامة للصحافة تثبت أنه صحفي ومدرب لديها.

اتهام حمزة فوزي بإذاعة أسرار
فيما استُخدمت المادة 188 من قانون العقوبات، المتعلقة بإذاعة أسرار التحقيقات، والمادة 439 من القانون ذاته بخصوص التشهير ضد الصحفيين مختار الهلاك وحمزة فوزي.

بدأت قضية الهلاك باستدعائه من قبل مديرية الأمن الوطني العجيلات يوم 11 أكتوبر 2018 ثم اعتقاله بعد نشره منشوراً ينتقد وزارتي التعليم والداخلية في ملفات تتعلق بالفساد وتم اتهامه بتسريب معلومات أمنية .

لاحقاً تنازل مسؤول التعليم المرتبط بالقضية، لكن الهلاك احتجز على ذمة قضايا أخرى إلى أن طويت القضية بالكامل في 17 ديسمبر من نفس العام بسجنه لمدة عام مع وقف التنفيذ.

وبتهمة التشهير، جرت ملاحقة الصحفي حمزة فوزي قضائياً بعد إيقافه في 20 سبتمبر 2021 بأحد مراكز شرطة صرمان بشكوى تشهير تقدم بها مدير مستشفى صرمان، حيث استدعي الصحفي ومثل أمام وكيل النيابة الذي أمر بتمديد حبسه ستة أيام على ذمة التحقيق.

فوزي كان متطوعاً بمركز لمجابهة «كورونا»، وخرج في مؤتمر صحفي حمَّل فيه مدير المستشفى مسؤولية تأخر تشغيل مصنع الأكسجين، ما أثر سلباً على المرضى وأدى إلى حدوث وفيات.

سُجن الصحفي حمزة فوزي عدة أيام ولم تعترف المحكمة بكونه صحفياً لعدم امتلاكه إذن مزاولة، لكنها حكمت في 4 ديسمبر بانقضاء الدعوى بعد تنازل مقدم الشكوى.

تعديل التشريعات واجب
وتؤكد الحقوقية البوعيشي أن ما يسري على قضية الخطابي من ناحية تطبيق قوانين تجريمية يسري على القضايا الثلاث الأخرى، مطالبة بإجراء تعديل تشريعي يتوافق مع الإعلان الدستوري.

وأدى قصور قانون المطبوعات الذي جرى سنه في العام 1972 إلى تحول قضايا الصحفيين إلى قضايا جنائية بحتة، ما دفع المحامي وائل بن إسماعيل إلى اعتباره «قانوناً بائداً، لم يحدد تعريفاً لمن هو الصحفي أو الإعلامي حتى يتمتع هؤلاء بالحصانة المنصوص عليها فيه».

ويضيف بن إسماعيل «أن غياب جهة تمنح الصحفي إذن مزاولة عمل يترتب عليه جريمة مزاولة عمل دون إذن جهة مختصة، ويترتب عليه أيضاً عدم تمتع الصحفي بالقيود الواردة في عدم تحريك الدعوى الجنائية في مواجهته»، مشدداً على أن أساس المشكلة هو عدم وجود كيان يمنح الصحفيين أذونات مزاولة العمل.

قانون رقم (3) لسنة 2014م بشأن مكافحة الإرهاب الصادر عن مجلس النواب هو الآخر كان يداً طولى مكنت محكمة عسكرية من الحكم على المصور الصحفي إسماعيل بوزريبة الزوي بالسجن المؤبد في مايو 2020 بعد إلقاء القبض عليه في ديسمبر 2018 بتهمة التواصل مع قنوات فضائية تتهم بدعم الإرهاب، ولم يتم إعلامه بالجلسة أو السماح له بالاستعانة بمحامٍ.

اتهام التركي بالخيانة
وتعتبر قضية الزوي مشابهة لقضية المصور المستقل عبد السلام التركي الذي اتهم بالخيانة والجوسسة، وسجن منتصف سبتمبر 2020 لمدة أربعة أشهر، وأُطلق سراحه.

وكان التركي قام بتصوير مشهد فيديو نشرته في 8 سبتمبر 2020 وكالة «أسوسييتد برس» الأميركية لتوقيف البحرية العسكرية في شرق البلاد قوارب صيد واحتجاز طواقمها وإجرائه مقابلات مع مسؤولين عسكريين.

وبمراجعة قانوني العقوبات العسكرية والإجراءات العسكرية الليبية وتعديلاتهما، يتبين أن التركي طبقت عليه أحكام القانونين وفقاً لقانون رقم 4 لسنة 2017، الصادر عن مجلس النواب بشأن تعديل قانوني العقوبات العسكرية والإجراءات العسكرية الليبية التي تعتبر أن المدنيين العاملين بالجيش الليبي في حالة النفير تسري عليهم أحكام القانون العسكري.

قوانين ضد الصحفيين
رئيس المنظمة الليبية للإعلام المستقل رضا فحيل البوم، يلقي باللوم في ذلك على قانون مكافحة الإرهاب، وقانون تعديل الإجراءات العسكرية. ويعتبر فحيل البوم أن ذلك يتعارض مع المواثيق الدولية التي وقعت عليها ليبيا بخصوص عدم محاكمة المدنيين في قضايا حرية الرأي والتعبير والتعبير السلمي أمام المحاكم العسكرية.

ويطالب البوم بإصدار قانون ينظم الإعلام، مع ضرورة إلغاء «قانون المطبوعات سيئ السمعة»، مشدداً على ضرورة أن تسند مهمة الأذونات الصحفية إلى جهة مستقلة تعطي الإذن بمزاولة العمل الصحفي للصحفيين دون واسطة أو محسوبية وبمعايير شفافة وواضحة ومهنية، وأن يتم تعديل قانون مكافحة الإرهاب وإلغاء التعديلات على قانون الإجراءات العسكرية.

في ليبيا: استحضار لقوانين نازية!!
من جانبه، يرى مدير مكتب ليبيا في مركز «دعم التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان»، أكرم النجار، أن محاكمة شخص مدني عسكرياً أمر غير مقبول بالنسبة لجميع القيم الإنسانية التي تأسست عليها المنظومة القيمية المرتبطة بالحقوق المدنية.

ويعتبر النجار أن كل الإجراءات التي تتخذ في حق الصحفيين أو أي مدني أمام المحاكم العسكرية، هي بمثابة استحضار لقوانين النازية الألمانية إبان الحرب العالمية الثانية واستخدامها سنة 2020 على أناس مدنيين.

وحول تعارض القوانين مع الإعلان الدستوري، يقول النجار: «هنالك قاعدة قانونية تقول إن القانون الخاص يقيد العام، وباعتبار أن قانون العقوبات الليبي هو من القوانين العامة في الدولة، فإن غياب قانون ينظم العمل الصحفي ويعطي الحقوق الواجب اكتسابها من أي صحفي ليقوم بعمله، سيجعل القاضي أمام معضلة الذهاب إلى العام، وهو هنا قانون العقوبات، وبالتالي يحكم وفقاً له».

تشريعات غائبة.. وقوانين نافذة
أما رئيس لجنة الإعلام في مجلس النواب جلال الشويهدي، فألقى الكرة في ملعب الصحفيين الليبيين، فحسب رأيه يتوجب عليهم تقديم مقترح لقانون الإعلام، مؤكداً أن لجنته أو مجلس النواب «لن يصدر قانوناً دون أن يتم تقديمه من الإعلاميين حتى لا يكون قانوناً معيباً معرضاً للطع».

وأضاف الشويهدي: «نحن بحاجة لما ينظم الإعلام، وإذا كان لدى الإعلاميين مقترح جاهز لقانون للإعلام يمكنهم تحويله لنا كلجنة إعلام، وسنحيله لرئاسة المجلس لوضعه ضمن جدول الأعمال ومناقشته».

وعبر عن رفضه محاكمة الصحفيين وفقاً لقانون العقوبات وتقييد حرية الإعلام، مشدداً على حق الإعلامي في أن «ينال مساحة حرية ويتمكن من الحفاظ على سرية مصادر معلوماته خشية أن يضطر لإفشائها لو قبض عليه بناء على هذه القانون».

وعن قانون مكافحة الإرهاب، أكد النائب البرلماني معارضته له وكذلك تعديلات قانون الإجراءات العسكرية، وقال: «هناك مجموعة قوانين صدرت في فترة كان خلالها المجلس منقسماً، والفوضى والانقسام يعمان كل البلاد»، لكنه استدرك: «لكن هكذا أمور يجب أن تناقش كاملة مع بعضها».

وألقى الشهويدي باللائمة على الإعلاميين «الذين مُررت هذه القوانين وسط سكوتهم ولم يعترضوا أو ينظموا وقفات احتجاج أو مظاهرات رافضة وقت صدورها».

وهكذا بعد عشرية انتعشت خلالها قوانين عتيدة كقانوني العقوبات والمطبوعات، وأخرى وليدة كمكافحة الإرهاب وتعديلات الإجراءات العسكرية يبدو جلياً أن معظم القضايا التي تناولها التحقيق مرت عبر فجوة قانونية، مردها عدم قيام مجلس النواب بتعديل القوانين بما يتوافق مع حرية التعبير والإعلام الواردة في الإعلان الدستوري، وعلى عكس ذلك تسنى للمجلس إصدار قوانين سمحت بمحاكمة الصحفيين عسكرياً.

وحتى يتم سد تلك الفجوة سيواصل القضاة تطبيق النصوص التجريمية في حق الصحفيين بذريعة أن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص. ويبقى السؤال: «من سيكون الضحية المقبلة»؟

--------------------------------------

أنجزت هذه المادة ضمن مشروع «آليات الحماية القانونية للصحفيين الليبيين» المنفذ من قبل منظمة «الإعلام عبر التعاون وفي التحول» (MiCT)، والممول من قبل منظمة اليونيسكو.

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
أسعار العملات أمام الدينار الليبي في السوق الرسمية (الثلاثاء 18 مارس 2024)
أسعار العملات أمام الدينار الليبي في السوق الرسمية (الثلاثاء 18 ...
«الأرصاد»: ضباب على الساحل من طرابلس إلى مصراتة ليلا
«الأرصاد»: ضباب على الساحل من طرابلس إلى مصراتة ليلا
100 حالة في 2023.. تحذير من الاحتيال في ليبيا باستخدام الذكاء الصناعي
100 حالة في 2023.. تحذير من الاحتيال في ليبيا باستخدام الذكاء ...
ضبط 3 متهمين بالاتجار بالحشيش في بنغازي والجنوب الليبي
ضبط 3 متهمين بالاتجار بالحشيش في بنغازي والجنوب الليبي
إيقاف متورط في الاعتداء على رجال أمن بطرابلس
إيقاف متورط في الاعتداء على رجال أمن بطرابلس
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم