يالها من مفارقة.. فأزمة الشرعية تصل ذروتها في ليبيا في هذه الساعات، بالتزامن مع احتفالات الشعب الليبي بالذكرى الحادية عشرة لثورة 17 فبراير، ففي وقت بدأ فيه رئيس الحكومة الانتقالية المكلف من البرلمان فتحي باشاغا مشاوراته لتشكيل الوزارة البديلة، وسط انقسام وطني ودولي، يصدر رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة عبد الحميد الدبيبة، الذي يتمسك بمنصبه، قراراً باعتبار اليوم الخميس عطلة لمناسبة ذكرى ثورة 17 فبراير.

قرار العطلة جاء برقم «89» للعام 2022، ونشرته صفحة المكتب الإعلامي للدبيبة في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، الأربعاء.
المادة الأولى قالت إنه «تنفيذاً لأحكام القانون رقم 5 للعام 2012 بشأن العطلات الرسمية يكون الخميس عطلة رسمية في جميع المؤسسات والمرافق لمناسبة الذكرى الحادية عشرة لثورة 17 فبراير».
أيضاً نصت المادة نفسها على «مراعاة المؤسسات والمرافق ذات الخدمات الإنسانية والأمنية والحيوية العاجلة، مع حفظ حق العاملين بها في الحصول على مقابل عمل ذلك اليوم، وفقاً لأحكام المادة 16 من القانون رقم 12».

للاطلاع على العدد 326 من جريدة «الوسط» اضغط هنا

ثورة 17 فبراير، التي يرى مراقبون للشأن الليبي، وأيضاً مواطنون ليبيون، أنه لم يبقَ منها سوى مجموعة ذكريات، وشواهد قبور، فيما لم تراوح مطالب الديمقراطية والحكم الرشيد والعدالة الاجتماعية مكانها، تأتي في أيام حاسمة بدت فيها نذر التقسيم والحكومة الموازية، بل ونذر العودة إلى لغة السلاح أقرب مما توقع غلاة المتشائمين!

على الصعيد الرسمي، أعلنت حكومة الدبيبة احتفاءها بثورة فبراير، فبجانب قرار العطلة الرسمية، أعلن وزير الشباب فتح الله الزني، أن الاحتفال بذكرى ثورة 17 فبراير في طرابلس سيشهد تنظيم عرض تاريخي لنشأة الدولة الليبية، يعبر عن الهوية الوطنية الجامعة لليبيين شرقاً وغرباً ووسطاً وجنوباً.
الزني، الذي يشغل أيضاً رئاسة لجنة الاحتفالات بالذكرى الحادية عشرة للثورة، قال إن «الحفل سيبرز التاريخ المشرف لليبيا، الزاخر بالأبطال الذين سطَّروه بأحرف من نور»، حسب كلمته في مؤتمر صحفي، نقلته صفحة «حكومتنا» على موقع «فيسبوك».
وزير الشباب أضاف أن الحفل سيشهد مشاركة نخبة من الفنانين والمبدعين الوطنيين، الذين سيظهرون المحطات التاريخية للبلاد، مشيراً إلى أن مشاركة الفنانين تدفع بقدراتهم وإبداعاتهم إلى الأمام، فالكثير منهم تكون بداية انطلاقته من الاحتفالات الوطنية.
وحول تكلفة الإنفاق على احتفالات الثورة، قال الزني إنه سيوجه كل اللجان الفرعية التابعة للجنة الاحتفالات بعقد مؤتمر صحفي بعد انتهاء الفعاليات لإيضاح التفاصيل حول المصروفات على التنظيم والإعداد، لافتاً إلى أن اللجان الفرعية الموجهة عبر وزارة الحكم المحلي ستتولى تنظيم احتفالات في عدد من البلديات.

تأجيل إلى الجمعة
وبسبب التقلبات الجوية، أعلن وزير الشباب تأجيل الاحتفال بذكرى الثورة إلى مساء غد الجمعة. وأرجع التأجيل إلى عدم استقرار الحالة الجوية المتوقعة الخميس في طرابلس، حسب كلمته في مؤتمر صحفي، الأربعاء، نقلته صفحة «حكومتنا» على موقع «فيسبوك».
وأشار رئيس لجنة الاحتفالات إلى أن الاحتفال في طرابلس سيشهد عرضاً لمحطات في تاريخ ليبيا، بما يعزز الهوية الوطنية الجامعة لليبيين، كما ستشهد جميع البلديات احتفالات مماثلة.

للاطلاع على العدد 326 من جريدة «الوسط» اضغط هنا

مشاريع تقسيم ليبيا
وعادت إلى الواجهة مخاوف الليبيين من تنفيذ مشاريع تقسيم بلادهم، وهي الغاية التي كانت تسعى إليها القوى الاستعمارية منذ أربعينات القرن الماضي، ومنها مشروع «بيفن سيفوزا».

وقد ظهر أول مشروع دولي يهدف إلى تقسيم ليبيا في العاشر من مارس 1949، حيث اتفقت كل من بريطانيا وإيطاليا وفرنسا على مشروع «بيفن سفورزا» الخاص بليبيا. المشروع كان خطة وصاية جرت بين وزير خارجية إيطاليا كارلو سفورزا، ووزير خارجية بريطانيا إرنست بيفن، ونص على أن تحصل ليبيا على استقلالها بعد عشر سنوات على أن توضع أقاليم ليبيا الثلاثة خلال هذه الفترة تحت وصاية دولية تتولى بريطانيا الوصاية على برقة وتتولى إيطاليا بموجبها إدارة طرابلس، وتتولى فرنسا إدارة فزان.

ورغم موافقة اللجنة المختصة في الأمم المتحدة على المشروع ورفعه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للاقتراع عليه، إلا أن المشروع فشل ولم يؤيده إلا عدد قليل من الدول الأعضاء في الجمعية العامة، وتكللت مفاوضات حشد الدعم لاستقلال ليبيا التي أجراها وفد من مناضلي ليبيا بقيادة عمر فائق شنيب بالنجاح، وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 289 في 21 – 11– 1949، بمنح ليبيا استقلالها في موعد لا يتجاوز الأول من يناير 1952، وكونت لجنة لتعمل على تنفيذ قرار الأمم المتحدة لتحقيق استقلال كامل التراب الليبي، ونقل السلطة إلى حكومة ليبية مستقلة.

مشروع غوركا
وفي أبريل من العام 2017، ظهر مشروع تقسيم آخر، ولكن هذه المرة على يد نائب مساعد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، سيباستيان غوركا، وهو خبير في شؤون الأمن القومي ومكافحة الإرهاب.

للاطلاع على العدد 326 من جريدة «الوسط» اضغط هنا

في ذلك الوقت نشرت جريدة «ذا غادريان» البريطانية، تقريراً اشترك فيه كل من جوليان برغر، من واشنطن، وستيفاني كيرشغاسنر، من روما، تحدث عن مسؤول أميركي رسم أمام دبلوماسي أوروبي، خريطة لتقسيم ليبيا إلى ثلاث دول.
الكاتبان أكدا أن مسؤولاً كبيراً في البيت الأبيض، مكلف السياسة الخارجية اقترح خطة لتقسيم ليبيا، ورسم خريطة بذلك في اجتماع مع دبلوماسي أوروبي.
وحسب «ذا غادريان»، فإن مساعد الرئيس دونالد ترامب، سيباستيان غوركا، الذي ينتقد لعلاقاته السابقة باليمين المتطرف في المجر، اقترح تقسيم ليبيا قبل أسابيع من تنصيب ترامب رئيساً للولايات المتحدة.
الجريدة نقلت عن مصدر عليم بالموضوع أن الدبلوماسي الأوروبي رد على غوركا بأن التقسيم هو أسوأ حل يمكن تصوره في ليبيا، المثير أيضاً أن غوركا كان يسعى قبل تقديمه استقالته إلى الحصول على منصب مبعوث ترامب الخاص إلى ليبيا!
غوركا فاجأ الدبلوماسيين برسم خريطة تقسيم ليبيا، معتمداً فيها على الولايات العثمانية القديمة التي كانت في البلاد، وهي برقة في الشرق وطرابلس في الغرب وفزان في الجنوب.
أما خبير الشؤون الليبية، ماتيا تاولدو، فقد علق على خريطة غوركا وخطته قائلاً: «إذا كان كل ما تعرفه عن ليبيا هو أنها كانت مقسمة إلى ثلاث ولايات، فهذا دليل على أنك لا تعرف شيئاً». وهكذا يخرج آلاف الليبيين في مدن الشرق والغرب والجنوب ليحتفلوا بذكرى ثورتهم التي ازاحت حكماً فردياً مستبداً، لكن هواجس الخوف من تقسيم البلاد أو العودة إلى حل الخلافات بلغة الرصاص، قد تفسد فرحتهم أو على الأقل تؤجلها إلى حين استكمال توحيد المؤسسة العسكحرية وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهة، تحقق الهدف الأسمى للثورة، وهو تحقيق الحياة الديمقراطية لأبناء الشعب الليبي كافة دون تفرقة أو تمايز بين أعراق أو جهات أو مناطقية، أو أيديولوجيا.