Atwasat

هل تقتل «الرحلات الروسية الغامضة» إلى بنغازي طموح فرنسا في أفريقيا؟

الجزائر - بوابة الوسط: عبدالرحمن أميني السبت 05 فبراير 2022, 01:57 مساء
WTV_Frequency

بدأت فرنسا دفع ثمن فاتورة طموحاتها الجيوسياسية في ليبيا، من دول الساحل والصحراء، بعد ارتفاع وتيرة الانقلابات العسكرية في أكثر من بلد أفريقي، وآخرها بوركينا فاسو، حيث تبين لباريس متأخراً أن أول جهد ينبغي عليها القيام به هو قطع الطريق على التغلغل الروسي في المنطقة بعدما كانت سبباً مباشراً في تثبيته في فزان، واليوم تقدم الأوساط الفرنسية بعض الأدلة المزعومة على استخدام ليبيا كمحطة لتعزيز نفوذ الكرملين في مالي.

ولأن ما يجري في مالي له انعكاس مباشر على الداخل الليبي أو العكس، وعلى أمن المناطق الصحراوية المضطربة، فإن عواقب التوتر بين باريس وباماكو وخيمة، وتنذر بإعادة تشكيل خريطة صراع دولي في المنطقة يدفع بروسيا إلى الواجهة أكثر، على خلفية طرد السلطات العسكرية الانتقالية السفير الفرنسي المعتمد لدى مالي، جويل ماير، رغم أن جنوداً فرنسيين منخرطون منذ 2013 في محاربة حركات إرهابية ضمن ما يعرف بقوات الساحل الخمس.

للاطلاع على العدد 324 من جريدة «الوسط» اضغط هنا 

وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، رد على أسئلة (البرلمان) بشأن احتمالات انسحاب القوات الفرنسية، مساء الثلاثاء، أن المجلس العسكري الحاكم في مالي ليس لديه شركاء سوى مرتزقة مجموعة «فاغنر» الروسية، مؤكداً أن «محاربة الإرهاب ستستمر في منطقة الساحل مع دول أخرى في المنطقة».

هل يستمر تواجد فرنسا والأوروبيين في مالي؟ 
وأمام توجه العسكريين الماليين إلى قطع ورقة اتفاقات التعاون العسكري الثنائية، منحت فرنسا نفسها أسبوعين للنظر في مستقبلها في مالي مع شركائها الأوروبيين من مجموعة ما يسمى «تاكوبا» للقوات الخاصة.

وبعد أن أعلن المجلس العسكري في مالي نيته البقاء في السلطة لمدة تصل إلى خمس سنوات إضافية، رغم التزام سابق بإجراء انتخابات في 27 فبراير الجاري، دعمت كل من فرنسا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي العقوبات القاسية التي صدرت عن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وتمثلت في إغلاق الحدود مع مالي وفرض حظر على البلاد. وأمام تزايد الانتقادات لسياسة باريس في الساحل الأفريقي، ووصف ما تتعرض له بـ«الصفعة والإهانة»، تعيد الأوساط السياسية والإعلامية في البلاد تذكيرها بحصد نتائج تدخلها العسكري في ليبيا ودعمها طرفاً على حساب آخر بين 2016 و2020، وأين انتهى بها المطاف من الاستعانة بـ«مرتزقة فاغنر» التي يديرها شريك مقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وتعليقاً على ذلك، قالت جريدة «لوموند» الفرنسية إنه كان من الممكن أن تلتقي مصالح «مكافحة الإرهاب» لباريس وموسكو في الترويج لقائد القيادة العامة المشير خليفة حفتر، لكن باريس فهمت لاحقاً الخطر الذي يشكله التوغل الروسي على المدى الطويل على حديقتها الخلفية الأفريقية الواقعة جنوباً. كما أن الامتداد الجغرافي مكن روسيا من التوغل في السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى ومالي، حيث ينقب «مرتزقة فاغنر» عن المعادن منذ أكتوبر الماضي والذي سبق نشر المدربين والقوات شبه العسكرية في منتصف ديسمبر الذين نقلوا جواً من اللاذقية إلى بنغازي، ومنها إلى ليبيا التي تعد محور الجغرافيا السياسية الروسية.

رحلات من موسكو إلى ليبيا
والوجود المفترض لـ«مرتزقة فاغنر» في مالي لم يتم توثيقه إلى حد الساعة، إلا من قبل جهات غير معلومة ذكرت في وسائل الإعلام الفرنسية في ديسمبر الماضي، مع نشر صور تهيئة قاعدة عسكرية قرب مطار باماكو، وتكثيف الرحلات الجوية المشبوهة خلال الأشهر الماضية من موسكو إلى سورية وليبيا ثم مالي.

وأبرز ما تتم الاستعانة به موقع «فلايت رادر 24» الذي يرصد الرحلات الجوية الحديثة، حيث تم من 19 إلى 20 ديسمبر متابعة مسار طائرة نقل ركاب من نوع «توبولاف تي يو – 154 إم» انطلقت من العاصمة السورية دمشق لتهبط في باماكو بعد أن قامت باستراحة في ليبيا، ثم وصلت في الأخير إلى باماكو يوم 20 ديسمبر. وفي نفس اليوم، قامت باتباع نفس المسار في طريق عودتها لتهبط في دمشق قبل أن تعود لنقطة انطلاقها في موسكو.

ويعطي تحول ليبيا إلى نقطة عبور للتمدد الروسي في عمق أفريقيا انطباعاً للغرب بأن موسكو تزعج القوى الأوروبية، خاصة فرنسا على وجه الخصوص، باستخدام وسائل هجينة مثل الشركات العسكرية الخاصة بتحفيز من الحكم الهش في المنطقة. ففي نظر وسائل إعلام مالية أشادت بالتحرر من المستعمرة السابقة، فإن الصفحة قد طويت بالفعل مع فرنسا، أما مع الروس فكل شيء أفضل في مجال مكافحة الإرهاب.

وقالت: «منذ التوقيع التاريخي الأخير لاتفاقات التعاون والدفاع من الجيل الجديد بين مالي وروسيا، يمكن رؤية تقدم كبير على الأرض. ويمتلك الجيش المالي معلومات فورية عن جميع تحركات القوات على أراضيه، بدقة صورة تصل إلى الملليمتر، بفضل الأقمار الصناعية العسكرية الروسية، التي تفتح أمامه على مدار 24 ساعة يومياً في جميع أنحاء منطقة الساحل، أما النتائج فستكون «سلسلة غير مسبوقة من الانتصارات العسكرية على كل الجماعات الإرهابية على الأرض».

هل تفقد فرنسا نفوذها الأفريقي؟
وتدرك الدول الأوروبية أن الوجود العسكري لروسيا إلى جانب تركيا سيظل على الأرجح حقيقة واقعة لفترة طويلة سواء في الساحل أو ليبيا، نظراً لأن الولايات المتحدة لا تزال غير متورطة إلى حد كبير في المنطقة، فلا توجد قوة يمكن أن يلجأ إليها الأوروبيون للضغط على البلدين. وأعلن مسؤولون فرنسيون مطلع العام الجاري استكمال المرحلة الأولى من انسحاب المرتزقة الأجانب من شرق ليبيا، وأغلبهم من تشاد.

 لكن مع ذلك لا شيء يشير إلى أن القوات التركية أو مجموعة «فاغنر» الروسية سوف تغادران البلاد في المستقبل المنظور، بل إن موسكو تتبع استراتيجية أخرى لإقامة روابط بين نفوذها العسكري في ليبيا ومالي، إذ ليس لديها حافز كبير للمغادرة في ظل الظروف الحالية مع تشابك تلك الأزمات مع ملفات أوكرانيا وسورية وأفريقيا الوسطى.

ويرجع الخبير السياسي المتخصص في شؤون شمال أفريقيا فرانسيس غيليه، في مقال نشره عبر مدونته، ملامح فقدان فرنسا نفوذها إلى تفكك سياستها في ليبيا ومالي، وسوء إدارتها للعلاقات مع الجزائر، وهي اللاعب العسكري الرئيسي، ما يعكس حسبه فشل الطموحات الأوروبية لفرنسا ونقصاً في التفكير الاستراتيجي المعني بأفريقيا.

ومن ضمن خلفيات تراجع نفوذها في شمال أفريقيا والساحل، الانسحاب الانتقائي للولايات المتحدة من الشؤون الإقليمية، والانقسامات الداخلية في الاتحاد الأوروبي نفسه، والسياسات المختلفة؛ ما أبرز قوى أخرى أبدت اهتماماً بالمنطقة بينها تركيا والصين وروسيا وفق الخبير الفرنسي.

غضب جزائري من السياسة الفرنسية
وفي السياق ذاته، نوه غيليه إلى أن سياسة ماكرون أثارت غضب الجزائر التي يعارض قادتها التدخل الخارجي في شؤون شمال أفريقيا، مستطرداً أن فشل خطة فرنسا في ليبيا أدى إلى إلحاق الضرر بالمصداقية والنفوذ الأوروبيين في الصراع، وترك روسيا وتركيا والإمارات في موقع المسؤولية. ولا يرجح غيليه أن تعزز تناقضات السياسة الفرنسية في المنطقة مصالحها على المدى الطويل، إذ تشعر الجزائر بالحيرة من تساهل الرئيس إيمانويل ماكرون مع المرتزقة الروس في ليبيا وربما في مالي مستقبلاً. وشدد غيليه على أن السياسة الفرنسية تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى التكيف مع القرن الحادي والعشرين.

للاطلاع على العدد 324 من جريدة «الوسط» اضغط هنا 

وتبدي بروكسل مخاوف جدية من تأثر الوضع الليبي بجوارها في بلدان الصحراء الكبرى، فقد صرحت الممثلة الخاصة للاتحاد الأوروبي لمنطقة الساحل إيمانويلا ديل ري، بأنه «دون استقرار ليبيا لن يكون هناك استقرار بمنطقة الساحل»، وفق ما نقلت وكالة «نوفا» للأنباء الإيطالية. وتابعت ديل ري، خلال اجتماع عقد في روما مع الأدميرال ستيفانو توركيتو، قائد العملية الجوية والبحرية الأوروبية «إيريني» لمراقبة حضر الأسلحة إلى ليبيا، الثلاثاء، بأنه «يمكن اعتبار منطقة الساحل الحدود الجنوبية الحقيقية لأوروبا».

وقالت إنها «تتميز بأزمات مختلفة على غرار ما يحدث في مالي وبوركينا فاسو وتشاد لوجود جماعات مسلحة، غالباً ما تكون منتسبة إلى منظمات إرهابية أو شركات مرتزقة خاصة مثل فاغنر الروسية، وهي نشطة للغاية وتوسع نفوذها».

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
سكون سياسي في رمضان.. والقيادة تعلق المشاركة في «المصالحة»
سكون سياسي في رمضان.. والقيادة تعلق المشاركة في «المصالحة»
إطفاء حريق في نفايات قرب مستودع للغاز بالبيضاء
إطفاء حريق في نفايات قرب مستودع للغاز بالبيضاء
حالة الطقس في ليبيا (الجمعة 29 مارس 2024)
حالة الطقس في ليبيا (الجمعة 29 مارس 2024)
«الأرصاد» يحذر من رياح نشطة على الساحل من طرابلس إلى سرت
«الأرصاد» يحذر من رياح نشطة على الساحل من طرابلس إلى سرت
خلال جولة تفقدية.. النمروش يشدد على ضمان عودة الحركة في منفذ رأس اجدير
خلال جولة تفقدية.. النمروش يشدد على ضمان عودة الحركة في منفذ رأس ...
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم