فوجئت حكومة الوحدة الوطنية الموقتة، عند احتدام التنافس الدولي على الفوز بعقود الإعمار، بمطالبة شركات أجنبية بتعويضات تبلغ مليارات الدولارات، جراء خسائر لحقت باستثماراتها في ليبيا، وإعادة النظر في قيمة العقود السابقة، الأمر الذي يمثل صعوبة لرصد مخصصات مالية لتجاوز المشكلة.

وتتطلب خطط إعادة الإعمار استكمال المشاريع المتعثرة، التي تم توقيع أغلبها قبل العام 2011 ، مع معالجة عدة تحديات أبرزها ملفات اشتراط أغلب الشركات المنفذة تعويضها عن الأضرار التي لحقت بالآلات والمعدات والمواقع التابعة لها قبل البدء في أي أعمال جديدة.

ويطالب هؤلاء المستثمرون بإعادة النظر في الأسعار المتفق عليها نظرًا لتغير الأسعار المحلية والعالمية.

وحسب خبراء فإن هناك عددًا كبيرًا من هذه الشركات أعلنت إفلاسها وتمت تصفيتها، ولإحلال شركات بديلة يتوجب على الجهة المالكة إنفاق مبالغ لفسخ ونقل وإعادة التعاقد والتعامل مع التحديات الفنية والمالية الناتجة عن فسخ العقود وإعادة التعاقد.

في المقابل تحتاج عودة الشركات لتنفذ المشاريع المتعثرة إلى توفير مخصصات ومبالغ مالية مقابل دفع ما ستقوم به هذه الشركات من أعمال. 
وسبق أن خصصت الدولة مبالغ لهذه المشاريع، ولكن يتوقع أنه تم التصرف بهذه المبالغ المرصودة خلال السنوات السابقة، لذا فإن توفيرها في ظل الوضع الراهن سيمثل صعوبة في سياق تذبذب سعر النفط وارتفاع حجم الإنفاق العام والاحتياجات العاجلة للنفقات ذات الأولوية.

شروط تركيا المسبقة
وبالنسبة لتركيا، كأكثر البلدان تحمسًا لعودة شركاتها إلى ليبيا، فقد طرحت قضية الديون العالقة في أكثر من مناسبة خصوصًا خلال المنتدى الليبي – الترك، حيث أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة، عبد الحميد الدبيبة، من أنقرة التزامه بتسوية الديون السابقة للشركات التركية، وذلك بعد اتخاذ ما يلزم للتثبت من دقتها، داعيًا المستثمرين الأتراك إلى العمل في كل مدن ليبيا، جنوبها وشرقها وغربها.

وأبرمت الحكومتان الليبية والتركية خمس مذكرات تفاهم في مراسم حضرها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ورئيس حكومة الوحدة الوطنية في أنقرة.

وتتمسك المؤسسات التركية لاستكمال مشاريعها في ليبيا بتسديد الديون المستحقة، والأضرار التي لحقت بمعداتها وآلاتها، وتسديد قيمة خطاب الضمان، حيث تعمل على حلحلة ملف تعويضات الشركات التركية، التي كانت تنفذ مشروعات كبرى في مجال الطاقة والإسكان والإنشاءات والمراكز التجارية.

وحسب رئيس مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي- الليبي، مظفر أكسوي، فإن أنقرة تعمل للوصول إلى اتفاق مع ليبيا بشأن تسديد ديون غير مستحقة بنحو 1.2 مليار دولار، وقيمة خطاب الضمان بنحو مليار و500 مليون دولار عن الأضرار التي لحقت بالآلات والمعدات.
 كما وصلت قيمة اتفاقية المشروعات، التي رست مناقصاتها على الشركات التركية في عهد القذافي، إلى نحو 16 مليار دولار قبل أن يتعطل استكمال هذه المشاريع، بسبب الحرب إبان الثورة الليبية.

وفي سبتمبر 2020 دخلت اتفاقية اقتصادية موقعة بين حكومة الوفاق السابقة وأنقرة حيز التنفيذ، ورسمت خارطة طريق لمدة عام واحد للشركات التركية لتحصيل المستحقات غير المسددة عن طريق إتمام مشاريعهم التجارية غير المكتملة وتمهيدًا لمشاريع في مجالات البني التحتية والكهرباء. 

ويبلغ حجم مشاريع قطاع البناء التركي 29 مليار دولار قبل توقف الأشغال في ليبيا، كما تعد ثالث أكبر سوق لقطاع البناء التركي.

روما تطالب بمستحقاتها
بدوره فتح رئيس الحكومة الإيطالية ماريو دراغي، خلال زيارته إلى العاصمة الليبية طرابلس مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي والدبيبة، الديون التي تطالب بها الشركات الإيطالية.

وتطالب روما بدفع ديون سابقة لشركات إيطالية نفذت عدة عقود قبل العام 2011، وهي نحو 323 مليون دولار، بينما سيتعين فتح مفاوضات جديدة للاعتراف بمستحقات ما بعد 2011، التي تتراوح بين 50 و100 مليون يورو.

الصين لاتغيب
ولا تغيب الصين عن هذا السباق، كونها تملك أكبر الاستثمارات في ليبيا قبل ثورة فبراير، وقد ناقش السفير الصيني وانغ تشيمين مع وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، عودة شركات بلاده لاستئناف المشاريع المتوقفة في ليبيا منذ سنوات، قبل يومين من زيارة وفد يمثل عديد الشركات الصينية إلى طرابلس، بحثًا عن موطئ قدم جديد في مشاريع إعادة الإعمار، التي تقدرها بمئات المليارات من الدولارات.