عاد الحديث بشكل لافت عن الحل السياسي للأزمة الليبية، بعد أيام من انقضاء «هدنة العيد» بين الأطراف الدولية والإقليمية المهتمة بالشأن الليبي، أمام استمرار جمود الوضع العسكري على التخوم الجنوبية للعاصمة، بين القوات التابعة للقيادة العامة للجيش، والقوات المنضوية تحت حكومة الوفاق، والتي دخلت يومها الـ140، وبدأت تصدر مؤشرات «كلامية» جديدة على تحريك العملية السياسية، سواء على صعيد الأمم المتحدة أو اللاعبين الإقليميين الرئيسيين في المشهد الليبي، أو القوى الفاعلة الكبرى، التي جددت الحديث عن العملية العسكرية واستبعاد الحل العسكري، على نحو فردي ودون أطر واضحة.
المبعوث الأممي غسان سلامة، وفي سياق تأكيده على ضرورة العودة للمفاوضات واستئناف العملية السياسية بين الأطراف الفاعلة في الأزمة الليبية، اعتبر أن الحل العسكري للأزمة «وهم مكلف»، وذلك في تصريحات أكثر جرأة من سلامة خلال مؤتمر صحفي عقده الأربعاء، مع وزير الشؤون الخارجية والترويج التجاري المالطي، لكنه قال إن الأمم المتحدة «تقترب من العودة إلى عمليات حل الأزمات الليبية»، دون أن يحدد تفاصيل.
وبالتوازي مع تصريحات سلامة، زارت نائبته ستيفاني ويليامز مدينة مصراتة، واجتمعت بعميد وأعضاء البلدية وممثلين عن المجتمع المدني والشيوخ وزعماء القبائل في المنطقة، وكذلك ممثلين عن المرأة والناشطين.
وتلقت ويليامز شروط مدينة مصراتة للمصالحة، ومن بينها استبعاد الحل العسكري من أي حوار مستقبلي، وشددوا على «أهمية العمل على إيقاف التدخل الخارجي»، و«ضرورة الاستمرار في تنفيذ الترتيبات الأمنية والإصلاحات الاقتصادية التي يُعوّل عليها في إتاحة الفرصة لقيام الدولة المدنية، وفرصة أكبر في الملتقى الجامع للخروج بحكومة وحدة وطنية تُلحق بانتخابات وفق قاعدة دستورية».
للاطلاع على العدد (196) من جريدة «الوسط» اضغط هنا
وتقول مصادر مقربة من البعثة الأممية لـ«الوسط» إن البعثة أكدت خلال لقاءات مسؤوليها مع أطراف الأزمة الليبيين أن حل الأزمة يبقى دائما في أيدي الليبيين، مما يعني ضرورة انخراط الفاعلين الرئيسيين في المشهد الليبي في عملية سياسية تدفع بقوة نحو حل الأزمة، أما مهمة البعثة فهي دعم الحل الذي يتوافقون عليه.
دوليا تراهن واشنطن -ووفق محللين- على دور أكبر باتجاه التعجيل بالحل السياسي، خصوصا بعد مباشرة السفير الأميركي الجديد ريتشارد نورلاند مهام عمله، إذ أكد خلال مكالمة هاتفية مع السراج -هي الثانية خلال أسبوع- «على أن لا حل عسكريا للأزمة الليبية، وأن الحل الوحيد يكمن في العودة إلى المسار السياسي»، مشيرا إلى «حرص واشنطن على تحقيق الاستقرار في ليبيا وإنهاء معاناة شعبها، وأنها ستعمل كل ما يمكن لتحقيق ذلك».
وعززت تصريحات نورلاند حول الحل السياسي الحديث عن دور مباشر قد تتولاه واشنطن في حل الملف الليبي خلال المدة القادمة، إذ سبق أن تعهد السفير الأميركي الجديد بـ«العمل من أجل إنهاء فوري للصراع في ليبيا»، تصريحات السفير الأميركي، التي أطلقها الخميس، عبرت على نحو واضح عن «رغبة واشنطن في تكثيف النشاط الدبلوماسي مع جميع أطراف النزاع».
وجاء الاتصال بين وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ونظيره المصري سامح شكري، والذي عبّر على نحو واضح عن «المخاوف الأميركية بشأن طول أمد الصراع في ليبيا»، مشيرة إلى أنهما «اتفقا على الحاجة لحل سياسي».
وكانت القاهرة قدمت رؤية اعتبرها محللون قد تشكل ملامح مبادرة لحل الأزمة، وتتمحور حول الدعوة إلى «عملية التسوية الشاملة في ليبيا، تستند إلى معالجة شاملة للقضايا الجوهرية وعلى رأسها قضية عدالة توزيع الموارد في ليبيا والشفافية في إنفاقها، واستكمال توحيد المؤسسات الليبية، وحل الميليشيات المسلحة وجمع أسلحتها على النحو الوارد في الاتفاق السياسي الليبي»، وفق بيان وزارة الخارجية المصرية.
للاطلاع على العدد (196) من جريدة «الوسط» اضغط هنا
في السياق، جاء اتفاق الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون، والروسي فلاديمير بوتين على ضرورة إعادة الاستقرار إلى ليبيا في وقت عبَّـر الأخير عن رغبته في معرفة موقف باريس من الأحداث الأخيرة. إذ دعا ماكرون إلى «تأمين الاستقرار في ليبيا وإحلال النظام، وروسيا لها دور مهم في القضايا الدولية»، فيما اكتفى بوتين بالإعراب عن رغبته في سماع موقف فرنسا بشأن المسألة الليبية.
ويبدو أن الجمود العسكري الغالب على حرب العاصمة، الذي بدأ يعطي هذه الحرب صيغة «لا غالب ولا مغلوب» قد وضع جميع اللاعبين الدوليين والإقليميين الرئيسيين أمام سؤال الحل السياسي، ووفق استطلاع وكالة «سبوتنيك» الروسية في نسختها الفرنسية مع أربعة خبراء مختصين في الشأن الليبي رجحت أن يكون الاتفاق بين العاصمتين حول الوضع في ليبيا أقرب إلى الموقف الروسي، الذي يريد حلا سياسيا.
والسؤال المهم حاليا، يتعلق بسبل الوصول إلى حل ينهي حالة الحرب، ليصار إلى الانتقال بعدئذ إلى البحث عن حل سياسي دائم للأزمة، ولا يخفي المحللون دهشتهم من هذا التناقض، الذي يجعل مواقف فردية من جميع الأطراف الدولية تتحدث عن الحل السياسي في كل مناسبة أو محفل، في حين يعجز مجلس الأمن عن إصدار قرار حاسم يوقف الحرب تحت رقابة دولية، وهي خطوة أولى وبديهية لحفظ السلام والأمن الدوليين، وهو السؤال الذي ربما دفع ألمانيا إلى انتقاد الموقف الدولي حيال الأزمة الليبية، وذلك على لسان وزير خارجيتها هايكو ماس، الذي انتقد عجز مجلس الأمن الدولي عن حل الصراع في ليبيا بسبب استخدام حق النقض «الفيتو»، مؤكدا أهمية أن «يصبح مجلس الأمن هو الهيئة المحددة للسياسة الدولية في قضايا مثل ليبيا واليمن وسورية».
تعليقات