ألقت الحرب الدائرة على تخوم العاصمة طرابلس منذ الرابع من أبريل الماضي ظلالها على ملف الاستثمارات الأجنبية في البلاد وخطط إعادة الإعمار في البلاد، وتحولت - حسب محللين - إلى «كارت» مساومة توظفه أطراف الصراع ضد المصالح الاقتصادية والتجارية لبعض الدول الإقليمية بدعوى تدخلها غير المباشر في الحرب. لكن اقتصاديين توقعوا أن تتغير الحسابات بعد انتهاء الحرب لتتغلب لغة المصالح والمال.
على سبيل المثال، وتزامنا مع التصعيد بين القيادة العامة للجيش بقيادة المشير خليفة حفتر وتركيا هذا الأسبوع، أوقف ديوان المحاسبة في البيضاء، الإثنين الماضي، اعتمادا مستنديا لشركة «تطوير تاجا» التركية بقيمة 78 مليون دولار، والذي كان مقررا توجيهه تنفيذ مشروع ترفيهي، عبر تحويل إلى البنك «العربي - التركي» في أسطنبول.
للاطلاع على العدد 189 من جريدة «الوسط» اضغط هنا
وحسب آخر احصاءات رسمية، بلغ حجم الاستثمارات التركية في ليبيا قبل العام 2011 نحو 100 مليار دولار، من بينها مشاريع لمقاولين أتراك، بقيمة استثمارية تبلغ 28.9 مليار دولار، وفق رئيس المجلس التنفيذي لرابطة المقاولين الأتراك، مدحت ينيغون.
ومع قرب دخول حرب العاصمة شهرها الرابع، تتهم القيادة العامة تركيا بالتدخل في معركة غريان لصالح قوات حكومة الوفاق، في آخر حلقات مسلسل الاشتباكات المستمرة بين قوات الجيش التابعة للقيادة العامة وأخرى تابعة لحكومة الوفاق على أطراف العاصمة، وأسفرت عن مقتل 739 شخصًا، وإصابة 4407 آخرين، وفق تقديرات منظمة الصحة العالمية.
حسني بي: اليد العليا للغة المال .. والمصالح الاقتصادية تفرض واقع التعامل
وفي تصعيد اقتصادي مقابل، استبعد المفوض بوزارة الاقتصاد بحكومة الوفاق الوطني، علي العيساوي أي «دور في إعمار ليبيا للدول والشركات التي شاركت في الحرب على العاصمة»، وقال في مؤتمر صحفي بالعاصمة طرابلس الإثنين الماضي: «هناك دول وشركات مختلفة شاركت في العدوان على العاصمة، وتلك الدول لن تستطيع ممارسة التجارة في ليبيا بعد انتهاء الحرب».
لكن رجل الأعمال حسني بي يقول لـ«الوسط»: «لكل حرب نهاية، ولا يمكن إقصاء أية دولة في حسابات الإعمار»، مضيفا «مهما حدث من تجاذبات، يظل للغة المال اليد العليا في هذا الملف، والمصالح الاقتصادية تفرض واقع التعامل».
فاتورة الإعمار
ويقدر البنك الدولى فاتورة إعادة إعمار ليبيا بنحو 100 مليار دولار، فيما أشار رئيس الاتحاد الليبي للمقاولين، عبد المجيد كوشير، إلى رصد 300 مليار دينار لإعادة الإعمار. مشيرا - خلال مؤتمر اقتصادي في مصر الشهر الماضي - إلى الحاجة لأكثر من ثلاثة ملايين عامل مدرب.
لكن رئيس لجنة إعادة الإعمار أسامة الكزة يقول إن إعادة إعمار بنغازي فقط تحتاج إلى 50 مليار يورو، وذلك في الوقت الذي لا تزال تعاني فيه المدينة من تراكمات الحرب التي دمرت البنية التحتية في أغلب الأحياء، مشيرا إلى أن «الميزانية المتاحة حاليًا هي 500 مليون دينار فقط لاستعادة الخدمات الأساسية. ولكن المدينة مدمرة».
ورغم استمرار الحرب والتصعيد السياسي بين طرفي الأزمة، ما تزال بعض الدول تطمح إلى دور في إعادة الإعمار، فعلى سبيل المثال قال رئيس «تجمع رجال وسيدات الأعمال اللبنانيين في العالم» د.فؤاد زمكحل خلال قمة اقتصادية في تونس إن «إعادة إعمار ليبيا ستمر من تونس عبر عدد كبير من شركاتها ورجال أعمالها».
سفراكس: جهود الإعمار المتوقعة ستكون من الضخامة ولن تستثني دولة بعينها
ويقول رئيس الجانب الليبي في غرفة التجارة المصرية - الليبية، هاني سفراكس لـ«الوسط» إن «جهود الإعمار المتوقعة ستكون من الضخامة بحيث أنها لن تستثني دولة بعينها، بل ربما تشهد قادمين جددا»، مؤكدا أن «المصلحة الليبية ستزيح الحسابات السياسية جانبا لتبدأ مرحلة جديدة من البناء والإعمار».
ورغم الطموح الإقليمي في الاستثمارات وملف إعادة الإعمار، والتي باتت تشكل ورقة ضاغطة في حرب العاصمة طرابلس، إلا أن محللين يتوقعون أن تصطدم هذه الطموحات بمصالح شركات عالمية ودول كبرى، ربما تلتهم نصيب الأسد في هذه الكعكة، لتترك الفتات لأصحاب المصالح في الإقليم.
تعليقات