Atwasat

«فورين أفيرز»: لماذا لا يجب إجراء انتخابات في ليبيا في الوقت الراهن؟

القاهرة- بوابة الوسط (ترجمة: مريم عبدالغني) الخميس 17 أغسطس 2017, 02:17 مساء
WTV_Frequency

قالت مجلة «فورين أفيرز» الأميركية إن الدعوة لإجراء انتخابات تشير عادة إلى وجود ديمقراطية نابضة، إلا أنها أضافت أن التسارع الحالي في ليبيا لإجراء تصويت في غضون أشهر قليلة من الآن سيحكم على المواطنين الليبيين بأن يكون مستقبلهم مليئًا بالفصل العنصري وعدم الاستقرار.

واعتبرت المجلة أن الخطر يكمن في الطريقة التي تُجرى بها الانتخابات في ليبيا، موضحة أن القانون الحالي يعطي على نحو سخيف أقلية من الناخبين الكلمة العليا على الأغلبية، ويحرم بشكل فعال أعدادًا كبيرةً من السكان الليبيين، ويسمح للعناصر المتطرفة والموالين لنظام معمر القذافي السابق، الذي لا يحظى بشعبية، بالحصول على نصيب غير متناسب من البرلمان.

برغم العيوب الخطيرة لقانون الانتخابات إلا أن الجماعات الحزبية داخل وخارج ليبيا دعت لإجراء انتخابات كطريقة للهرب من الحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة

وأضافت أنه «برغم تلك العيوب الخطيرة إلا أن الجماعات الحزبية داخل وخارج ليبيا دعت لإجراء انتخابات كطريقة للهرب من الحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة، والذي أخفق في توفير الأمن والاستقرار وحكومة شرعية، أملاً في الاستفادة من الوضع الراهن عن طريق رؤية نفوذها يتزايد».

وتابعت في حين أن رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا، دعا إلى إجراء الانتخابات في مارس المقبل، إلا أن عارف علي النايض، سفير ليبيا السابق لدى الإمارات الذي سيترشح للرئاسة وتدعمه أبوظبي بقوة دعا إلى إجراء الانتخابات في غضون أشهر قليلة، مشيرة إلى أن غير الليبيين متحمسون أيضًا لإجراء انتخابات.

ودللت «فورين أفيرز» على ذلك بأن بعثة الأمم المتحدة في ليبيا كانت تجري محادثات سرية مع كبار اللاعبين الليبيين، بما في ذلك السياسيون في مدينة مصراتة، في الوقت الذي استضاف الرئيس الفرنسي المنتخب حديثًا، إيمانويل ماكرون، الشهر الماضي، في لقاء جمع بين قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر والسراج، ودعا في بيان صدر عقب اللقاء إلى «إجراء انتخابات سريعًا».

في بلد لا تستطيع الفصائل الاتفاق.. يبدو أن قدرة الانتخابات على تحقيق السلام والاستقرار أمر مشكوك به

وقالت: «في بلد لا تستطيع الفصائل الاتفاق على طريقة لإبقاء الأضواء مضاءة لمواطنيهم، يبدو أن قدرة الانتخابات على تحقيق السلام والاستقرار أمر مشكوك به»، مضيفة أن السبب وراء التسريع لإجراء انتخابات بسيط، هو أن النخبة السياسية تأمل في استمرار أفضليتها على المرشحين الآخرين، وهو ما يمكن القيام به بشكل أفضل وهم ما زالوا في مناصب.

وأضافت أن الآلات السياسية لمرشحين رئاسيين مثل محمود جبريل وعارف النايض وعلي زيدان، كانت تراجم الثورة بنشاط في بيئة ليبيا التي تعاني فسادًا هائلاً، وكانت تُنشئ الشراكات السياسية لسنوات، وقالت إنه لكثير من الأسباب التي مكنت هؤلاء من كسب القوة في المقام الأول، فإن أصحاب المناصب هؤلاء لديهم الزخم السياسي الذي سيسمح لهم بالنجاح، إضافة إلى أنهم جميعًا متحدون فيما يتعلق بقلقهم إزاء التأثير الذي ربما يمثله ترشح حفتر للاقتراع.

ولفتت إلى أن حفتر مشغول حاليًا بالعمليات العسكرية وهو أقل قدرة على تحدي محاولات النخب للحفاظ على السلطة.

وقالت إنه «لكي تكون الانتخابات بداية لحقبة من السلام والاستقرار يجب أن تستند إلى درجة من الشرعية»، مضيفة أن العمليات الانتخابية الحالية في ليبيا التي طورتها الفصائل التي تقف متأهبة لاكتساب القوة هي ليست شرعية على الإطلاق.

لكي تكون الانتخابات بداية لحقبة من السلام والاستقرار يجب أن تستند إلى درجة من الشرعية

وأضافت أن القواعد المنظمة للانتخابات والتي أُقرت في مارس العام 2014 كانت من المفترض أن تكون تحسينًا لقانون الانتخابات لعام 2012، إلا أن عددًا من الأقسام تخدم مصالح الجماعات الهامشية، بما في ذلك الإسلاميون، من خلال ضمان تمثيلهم على الرغم من أنهم لم يحصلوا سوى على عدد قليل من الأصوات.

قانون الانتخابات به عوار
واعتبرت أن نظام الانتخابات في ليبيا حاليًا يفتقر إلى أمور قالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان إنها ضرورية لتأمين وجود ديمقراطية، بما في ذلك أن يكون صوت الناخب له نفس القوة المؤثرة التي يتمتع بها أي شخص آخر، موضحة أن نظام الانتخابات الحالي يوزع الناخبين عن طريق رسم الحدود الانتخابية استنادًا إلى الاعتبارات الإقليمية والقبلية، وليس وفقًا لعدد السكان، مما سيؤدي إلى تخصيص مقاعد برلمانية لا تتناسب مع التركيبة الديمغرافية في بعض المناطق.

وقالت إن: «النظام الانتخابي في ليبيا هو ضحية التناحر الإقليمي. فالبلاد مقسمة بحكم العادة إلى ثلاثة مناطق: برقة في الشرق وطرابلس في الغرب وفزان في الجنوب»، مضيفة أنه على الرغم من أن حقبة القذافي كانت وحشية على كل أجزاء البلاد إلا أن برقة وفزان شعرتا بأنهما مستهدفتان بشكل خاص.

وأضافت أن عامل القبلية الذي يبقى أكثر قوة في شرق وجنوب ليبيا، وبحكم وبموجب قانون الانتخابات، تلقت هذه المناطق شكلاً من أشكال العمل الإيجابي في ليبيا بعد الإطاحة بالقذافي، مع تمثيل في البرلمان أكبر بكثير مما يتصوره أي شخص.

رغم أن طرابلس يوجد بها ثُلثا سكان ليبيا إلا أن لناخبيها فقط 52 ٪ من إجمالي المقاعد بالبرلمان بموجب قانون الانتخابات

وأشارت إلى أن «طرابلس على الرغم من أنها أكبر منطقة من حيث عدد السكان؛ حيث يوجد بها ثُلثا سكان ليبيا، وافقت على خطة تركت لناخبيها فقط 52 ٪ من إجمالي المقاعد بالبرلمان على أمل تجنب البلقنة في ليبيا». ويقصد بالبلقنة التجزئة القائمة على استغلال القوميات الصغيرة والتي تؤدي في النهاية إلى نشوء دول جديدة مستقلة على حساب منطقة موحدة جغرافيًا.

وضربت المجلة مثلاً على سوء التوزيع الجغرافي في قانون الانتخابات قائلة إن مدينة مصراتة في طرابلس التي يبلغ تعداد سكانها 450 ألف نسمة، خصص لها ثمانية مقاعد فقط في البرلمان، في حين أن بلدة سبها في فزان البالغ تعداد سكانها 96 ألف نسمة خصص لها في البرلمان تسعة مقاعد.

ونقلت «فورين أفيرز» عن تقرير لمركز كارتر للأبحاث الأميركي في العام 2012 بشأن قانونين الانتخابات الليبية، التي تبقى أساس قانون الانتخابات الحالي قوله إنه: «في حين أن النظام الحالي لبى اهتمامات سياسية إلا أنه أخفق في تحقيق احتياجات ليبيا في ضوء القانون الدولي العام لضمان حق اقتراع متساوٍ بمنح كل ناخب وكل صوت وزن متساوٍ».

وقالت المجلة إنه في نهاية المطاف قد تعني النتائج أن الناخبين في الجزء الشرقي من ليبيا سيحصلون على ثلاثة أضعاف تمثيل المواطنين في غرب ليبيا، مضيفة أنه في منطقة فزان الجنوبية سيرتفع الرقم إلى ستة أضعاف.

قواعد الاقتراع لا تضمن المساواة
واعتبرت المجلة أن الأمر الثاني المقلق بشأن قانون الانتخابات الليبي هو الطريقة التي يجري انتخاب الممثلين بها في كل مقاطعة، موضحة أن في الولايات المتحدة على سبيل المثال يكون لدى الناخبين ممثل واحد لمقاطعتهم لإعطائه أصواتهم، أما في ليبيا فلكل مقاطعة عدة ممثلين وسيكون هناك عدة مرشحين خلال الانتخابات، في حين أن الناخب يمكنه إعطاء صوته لمرشح واحد فقط.

اختلاف قواعد إدلاء الناخبين بأصواتهم بين الدوائر الانتخابية في ليبيا سيؤدي إلى إضعاف المساواة بين الناخبين

وتابعت: «ورغم أن المرشح المؤيد للديمقراطية قد يكون ذا شعبية كبيرة ويحصل على سبيل المثال على 80 % من الأصوات، إلا أنه يمكنه شغل مقعد واحد فقط داخل الدائرة الانتخابية التي لديها ثلاثة مقاعد شاغرة، في حين أن المرشحين الأقل شعبية والذين قد يحصلون على عدد قليل من الأصوات سيشغلون المقاعد المتبقية».

وقالت: «هذه هي الطريقة التي ينتهي بها المطاف بالمرشحين الهامشيين في البرلمان ويغرقون بفاعلية الإرادة الديمقراطية للشعب»، مضيفة أنه من خلال هذه الثغرة تمكن المرشحون المتشددون بسهولة من العثور على طريقهم إلى السلطة، بما في ذلك على سبيل المثال عقيلة صالح رئيس مجلس النواب.

وقالت إن اختلاف قواعد إدلاء الناخبين بأصواتهم بين الدوائر الانتخابية يؤدي إلى إضعاف المساواة بين الناخبين، مشيرة إلى أن تقرير مركز كارتر توصل إلى أنه في 50 دائرة انتخابية من أصل 73 دائرة، سُمح للناخبين بالإدلاء بأصواتهم مرتين بدلاً من مرة واحدة، في انتهاك للمعايير الدولية التي تتطلب أن يكفل الاقتراع المساواة. ونظرًا لانتشار السياسة القبلية والمركزية في المنطقة أدى ذلك إلى مزيد الانحراف عن التوازن مما منح بعض المناطق مزيدًا من النفوذ.

ولفتت المجلة إلى أن أيًا من تلك العيوب جرى علاجه في الدستور الذي أُقر حديثًّا، مرجعة ذلك إلى غياب الدافع لدى الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور لتغيير أي شيء، حيث إن أعضاء الهيئة مُثقلون بهذه العيوب المنهجية التي دفعتهم إلى تولي مهامهم.

إجراء انتخابات في ليبيا في الوقت الحالي سيتيح للمؤسسات المناهضة للديمقراطية أن تثبت أقدامها

ورأت «فورين أفيرز» أنه يجب معالجة تلك العيوب قبل إجراء أي انتخابات جديدة في ليبيا، وقالت إن «إجراء انتخابات في ظل وجود نظام الاقتراع الحالي ودون دستور مصدق عليه سيمنح السياسيين غطاءً خارجيًا من الشرعية دون ضوابط دستورية وضمانات أو مراجعات وتوازنات».

وأضافت: «في الشرق الأوسط هذه وصفة للعودة السريعة إلى الحكم الاستبدادي».

واعتبرت المجلة أن هناك حاجة إلى منح المرشحين المؤيدين للديمقراطية بعض الوقت لتأسيس أنفسهم، لأن لديهم عامة موارد محدودة للغاية، حيث أن غالبية السياسيين الليبيين الذين يطالبون بإجراء انتخابات سريعًا، على سبيل المثال، لديهم صلات مع قوى خارجية مثل مصر أو روسيا أو الإمارات.

واختتمت مجلة «فورين أفيرز» تقريرها قائلة: «رغم أن ذلك سيبدو منطويًا على تناقض، إلا أن إجراء الانتخابات في ليبيا في الوقت الحالي سيتيح للمؤسسات المناهضة للديمقراطية أن تثبت أقدامها. قد يبدو قرار إلغاء الانتخابات متطرفًا، لكن بالنظر إلى أن مجموعة اللوائح الحالية تحرم ملايين الليبيين في الوقت الذي تخلق فيه طريقًا إلى السلطة للمجموعات الهامشية، فإن العودة إلى نقطة البداية ستكون أفضل لجميع الليبيين ولمنطقة البحر المتوسط ككل».

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
الكبير يبحث في واشنطن مع «المركزي الفرنسي» جهود غسل الأموال والدفع الإلكتروني
الكبير يبحث في واشنطن مع «المركزي الفرنسي» جهود غسل الأموال ...
من السبعة إلى الغرارات.. استمرار إزالة عقارات لفتح مسار الدائري الثالث (صور)
من السبعة إلى الغرارات.. استمرار إزالة عقارات لفتح مسار الدائري ...
البعثات الأوروبية تعليقا على استقالة باتيلي: يجب تمهيد الطريق لحكومة موحدة وانتخابات
البعثات الأوروبية تعليقا على استقالة باتيلي: يجب تمهيد الطريق ...
«أجوكو» و«إس إل بي» تبحثان تطوير الإنتاج النفطي في ليبيا
«أجوكو» و«إس إل بي» تبحثان تطوير الإنتاج النفطي في ليبيا
مصادر «المركزي» لـ«بوابة الوسط»: سحب ورقة الخمسين دينارا من التداول
مصادر «المركزي» لـ«بوابة الوسط»: سحب ورقة الخمسين دينارا من ...
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم