يبدو أن أزمة انقطاع الكهرباء تخطت كل صبر محتمل لدى أهالي العاصمة طرابلس الذين لن يتأخروا كثيرًا، بحسب ما يدور على مواقع التواصل الاجتماعي والنوافذ الإلكترونية، في النزول إلى الشارع والدخول في مواجهات مفتوحة مع جميع متصدري المشهد في ليبيا، من الرئاسي إلى مجلس الدولة مرورًا بالجماعات المسلحة.
خدمة لـ 6 ساعات فقط
وأفاد شهود عيان في منطقة السراج (الضاحية الغربية لطرابلس) لـ«بوابة الوسط» بأنهم لم يتوصلوا بالإمدادات الكهربائية إلا لحوالي 6 ساعات خلال الـ72 ساعة الماضية.
وقال محمد صالح الباروني (32 عامًا، خريج علوم إنسانية - صاحب حظيرة دواجن)، إن الطبيعة كذبت مزاعم شركة الكهرباء بأن الانقطاعات سببها ارتفاع درجات الحرارة، حيث إن الطقس كان معتدلاً أمس الأحد واليوم الاثنين، ومع ذلك استمرت الانقطاعات لمدد تتراوح بين 12 و18 وحتى 20 ساعة في منطقة المزارع بالسراج وجنزور الشرقية.
وأضاف الباروني أن سكان السراج بالضاحية الغربية للعاصمة، وهي منطقة معظمها زراعية ويقوم سكانها بزراعة الحمضيات والكروم والفواكه ومنها الخوخ والمشمش والبرقوق، يوجهون رسالة عاجلة إلى السيد السراج، للتدخل وإيجاد حل لمشكلة الانقطاعات الكهربائية لأنها ستؤدي في نهاية المطاف، بحسب قوله، إلى إتلاف مزارعهم وبالتالي نزول الناس إلى الشارع.
ويقوم المزارعون في هذه المنطقة ومعظم المناطق الزراعية الممتدة على الشريط الساحلي الليبي بسقي أراضيهم عبر حفر الآبار الارتوازية، التي يتراوح عمقها بين 75 و250 مترًا والتي تعمل على مضخات تشتغل على الكهرباء جهد 380 فولت، مما يجعل حياتهم مرتبطة إلى حد ما بالإمدادات الكهربائية.
هدوء يسبق العاصفة
وأبلغ خليفة بوصاع (65 عامًا - صاحب مزرعة في منطقة السراج) «بوابة الوسط» أن الناس بلغت مستويات من الاحتقان لا يمكن وصفها، وأعرب عن خشيته من أن هذا الصمت في الشارع ليس سوى الهدوء الذي يسبق العاصفة.
وقال «إن حوالي 600 شجرة برتقال في مزرعته مهددة بالتحول إلى حطب إذا استمر انقطاع الكهرباء على هذا الحال مدة أسبوعين آخرين، لأن هذه الأشجار، بحسب تأكيده، تحتاج في التربة الرملية كالتي في منطقة السراج إلى الماء 3 مرات في الأسبوع على الأقل».
وفي مناطق قرجي والحي الإسلامي (3 كلم غرب مركز العاصمة) وغوط الشعال (6 كلم غرب مركز العاصمة)، كانت أصوات مولدات الكهرباء التي تعمل على البنزين أو الديزل والمستوردة في معظمها من الصين، تصم الآذان في هذه المناطق الشعبية الأكثر ازدحامًا بالسكان في محيط العاصمة طرابلس، وكان الجو ملوثًا إلى حد الاختناق بسبب كثرة استخدام هذه المولدات خلال الأيام الخمسة الماضية.
وقال فرج البوعيشي أحد سكان قرجي - العمارات الشعبية، وهو ينفث دخان سيجارته: «لقد خرجت من الشقة الساعة 6 صباحا هربًا من شدة الضجيج الذي يحدثه صوت المولدات الكهربائية، وجئت إلى المقهى إلا أن الوضع لم يختلف كثيرًا، حيث اضطر صاحب المقهى إلى تشغيل المولد لتوفير الكهرباء لآلة صنع القهوة مصدر رزقه». وأضاف «إن الأمر تخطى كل الحدود وليس بإمكاننا أن نحتمل أكثر من ذلك على الأصعدة كافة».
شكوك حول أسباب الانقطاع
وأفاد شهود عيان من مناطق مركز العاصمة (فشلوم وزاوية الدهماني وبن عاشور والنوفليين) وسوق الجمعة وعين زارة وتاجوراء (شرق العاصمة)، وأبو سليم وطريق المطار وصلاح الدين (جنوب)، أن الحالة لا تختلف كثيرًا عن غرب العاصمة، وأن الانقطاعات تواصلت إلى ساعات فاقت كل إمكانات التحمل لدى السكان.
وبات كثير من الليبيين تساورهم الشكوك حول الأسباب الفعلية للانقطاعات الطويلة والمستمرة للكهرباء، ولم يعودوا يصدقون البيانات الشحيحة جدًا للشركة العامة للكهرباء، وآخرها قبل حوالي 10 أيام حين ألقت بالمسؤولية على ارتفاع معدلات درجات الحرارة والاستخدام المفرط لأجهزة التكييف، ما أثار موجة من السخرية من هذه البيانات، ودفع بالكثيرين إلى التصديق بأن الأزمة مفتعلة من الأساس ولم يستبعدوا تورط تجار الحروب فيها.
وتزامنت هذه الانقطاعات الطويلة للكهرباء مع موسم الامتحانات في مختلف مراحل التعليم، من الأساس إلى الجامعة، الأمر الذي يؤثر بحسب المختصين على التحصيل العلمي والأداء في الامتحانات نظرًا لما تسببه حالة الظلام وارتفاع الحرارة من آثار سلبية على نفسية التلاميذ والطلبة.
ويعاني نحو مليون ومئتي ألف نسمة هم سكان العاصمة اليوم انقطاعات متكررة ومزمنة للكهرباء منذ العام 2011. ورغم أهمية الكهرباء في المعاش اليومي للناس، إلا أن الحكومات المتعاقبة في ليبيا منذ إطاحة النظام السابق وحتى اليوم لم تستطع أن تجد الحلول الملائمة لهذه الأزمة الخانقة في بلد يتوافر لديه أكبر احتياطي للنفط والغاز في أفريقيا وعدد سكانه لا يتجاوز الـ 6 ملايين نسمة.
تعليقات