Atwasat

الهريسة اليمنية: شد الرحال إلى الحلويات

القاهرة - بوابة الوسط الخميس 09 أكتوبر 2014, 10:41 صباحا
WTV_Frequency

ربما تكون الحلويات من أكثر المأكولات التي تعكس واقع حال كل مجتمع على حدة وبيئتهم وحتى مستواهم الاقتصادي، وأكثر من هذا مدى تفاعلهم بغيرهم من الشعوب الأخرى واندماجهم معها.
وفي اليمن تتعدد أنواع الحلويات، لكن تبقى «الهريسة» التي يفضل أهل اليمن تسميتها بـ« الحلاوة» من أكثر أنواع الحلوى في هذه البلاد شهرة وانتشارًا.

طابور السيارات
على بعد حوالي250 كم جنوب العاصمة وفي المثلث الواقع بين محافظات تعز ولحج وعدن تقع منطقة (الراهدة) حيث يستوقفك من أول وهلة أثناء المرور بالمنطقة طابور السيارات المصطف على طول الطريق.
وقبل أن تحار في سبب وقوف السيارات على هذا النحو، سرعان ما يأتيك الجواب
إنها سيارات المسافرين الذين يتوقفون لشراء الهريسة والحلاوة وغيرها من أنواع الحلويات من أكثر محلات الحلوى اليمنية شهرة.

ربما عندما تتعرف على طبيعة ما تبيعه هذه المحال من حلوى يندر أن تجد لها مثيلاً في المناطق الأخرى من البلاد، سوف تدرك سر وقوف أرتال السيارات على هذا النحو الذي يتطلب كثيرًا من الصبر، وأن تكبد عناء السفر وشد الرحال إلى هذه المنطقة له ما يبرره.

إن غذاء يشد الرحال إليه بهذه الصورة أمر يبعث حقًا على الدهشة، ولذلك حاولنا أن تقترب من هذا العالم، ومن أول وهلة تداعب أنوفنا روائح البهارات والمكسرات المنبعثة في هذا المكان، وعند ذلك فقط قررنا أخذ مكان بين الزبائن في الطوابير لننال حظنا أو جزءًا يسيرًا من هذه الحلاوة …

ولمزيد من الاطمئنان نسأل أحد الواقفين فيؤكد لنا أن الهريسة من أطيب أنوع الحلوى، خصوصًا حين تؤكل حارة وهي خارجة لتوها من قدر التجهيز(الطاوة).

حلواني بالوراثة
وبسبب ولع أهل اليمن بكل ما له صلة بالحلوى وعلى رأسها الهريسة بالطبع، فقد افتتح في المدن اليمنية كثير من محال بيع هذه الحلويات.
يدلك على أي منها الروائح المنبعثة، إضافة إلى لوحة كتب عليها بالخط العريض (حلويات القباطي)؛ حيث تتكرر هذه اللوحة في معظم شوارع المحافظات.

وقد يتبادر إلى ذهنك عند ذلك سؤال عن الرابط بين هذه المحلات التي يجمع بينها هذا المسمى، أما السبب في ذلك فيعود إلى أن معظم العاملين بهذه المهنة هم أبناء منطقة واحدة تدعى (القبيطة) التي يحتكر أهلها إنتاج هذه الحلوى إلى جانب مناطق مجاورة لهم من لحج وعدن.

وقد ظل أهالي هذه المنطقة يتوارثون سر الصنعة أبًا عن جد حتى يومنا هذا وتكاد تكون حكرًا عليهم، حتى إن كل من يفكر في فتح محل لصنع هذه الحلوى وبيعها يحرص على تسميته باسم حلويات القباطي أو اللحجي على الرغم من أنه لا يمت بصلة لهذه المنطقة.

غير أن هذه الظاهرة المجتمعية ليست جديدة على المجتمع العربي الأسري، الذي تتوارث حرفه ومهنه ضمن ما يتوارثه الأبناء من الآباء، فكم شهدنا مهنًا تحتكرها أسر بعينها، وإن كان مثل هذا الاحتكار قد بدأ يغيب بالتدريج عن أسواق تشهد اتساعًا ومتغيرات لا تدع مجالاً لهذا الاحتكار، إلا أن الغريب أن مثل هذه الظاهرة لا تزال موجودة بوضوح في بعض مناطق اليمن.

فمن المتعارف لدى بعضهم أن لا حلاوة إلا (للقباطي) ولا يجيد طباخة الفول إلا (الشيباني) وأن أطيب مرق تجده لدى (الدبعي).

والمدهش حقًا أن هذه المناطق (القبيطة، لحج، بني شيبان، دبع،) التي تحتكر هذه المهن متجاورة جغرافيًا أيضًا ضمن محافظات البلاد الجنوبية.

حلوى لها تاريخ
ويقال حول احتكار هذه المناطق لإنتاج هذه الحلوى إن أول من قام بإنتاجها رجل يسمى (الأصور) وهو قباطي بدأ نشاطه في محافظة لحج، وربما تعود إلى أصول هندية بفعل التزاوج القديم بين أبناء الهند واليمن في أيام كانت سفن اليمنيين تمخر عباب البحر حاملة مع بضائعها النفيسة ثقافة وعادات اليمن محدثة ذلك التفاعل الإيجابي بين البلدين.
وهو ما قد يفسر انتشار ورواج هذه الحلوى في المدن الساحلية اليمنية عدن وحضرموت.

حلوى من كل نوع
ونسأل الحلواني رياض أحمد أنعم القباطي عن أشهر أنواع الحلوى فيوضح لنا أنها تتعدد بداية من الحلاوة الرطب (العدنية) والقاسي والخلطة والحلاوة اللحجية (رقائق) والمخاوي والهريسة والمشكلة بالطحينية.
وهناك أيضًا حلاوة أبو بقرة والمضروب وحلاوة الحليب والجافة والمدورة وغيرها من الأنواع التي تشترك كلها في موادها الأولية وهي النشا والماء السكر والزيت واللون وملح الليمون والبهارات والمكسرات مثل القرفة والهيل والأزر (القرنفل).

ويأتي الاختلاف بين هذه الأنواع في عملية الإعداد والتجهيز مثل مدة التحريك في حلة الطبخ وطريقة ضرب الحلوى ومدة الطبخ وطريقة إضافة المكونات وأنواعها ودرجة التسخين.
فمثلاً عند صنع الهريسة السادة يتم استبدال النشا بمسحوق اللوز، بينما حلاوة الحليب تمتاز بتبادل اللون الأبيض مع البني بصورة رائعة بسبب إضافة الكاكاو والحليب إليها، فيما تمتاز الخلطة العدني بوفرة القرفة فيها الذي لا يتوافر في الخلطة اللحجية.

ويتحدث الحلواني القباطي عن طريقة إعداد هذه الحلوى موضحًا أنها تبدأ بخلط المكونات داخل حلة من النحاس بدءًا من الماء والسكر واللون واللوز (أو النشا).
ويبدأ بالتسخين مع التحريك المستمر حتى تمام ذوبان السكر عندها يبدأ بإضافة الزيت مع التحريك.

وقبل إضافة الزيت يقوم بعضهم بإضافة حلوى قديمة من خلطة اليوم السابق يقال إنها تعمل على إنتاج حلوى ذات جودة عالية.

وعندما تبدأ الحلوى بالنضوج بحيث يصبح ثقيلة تضاف إليها البهارات والمكسرات مع التحريك.
ويعرف النضج بعدة طرق منها سحب الحلوى بالملعقة على شكل خيط أو أخذ جزء منها إلى صحن واختباره، وكلها مسائل تعتمد على خبرة ومهارة الحلواني (المحلوى).
فمعرفة وقت النضج ودرجته يعتبر من مهارات «الحلواني» الماهر؛ حيث إن هذه الخطوة تعتبر مفصلية في إعداد الأنواع المختلفة، إذ تتوزع الإضافات الجديدة للأنواع الأخرى أما قبل هذه الخطوة أو بعدها، وبعد ذلك يتم نقل الحلوى إلى صحن التجهيز للبيع.

وهناك تحسينات دخلت في صناعة هذه الحلويات، وإن كانت تتوقف على طلبات الزبائن.
حول ذلك يقول القباطي: من قبل كنا نستخدم (السمن البلدي) إلا أنه أصبح الآن أقل طلبًا بسبب ارتفاع سعره من ناحية ولارتباطه بارتفاع الكوليسترول الضار من ناحية ثانية، ولذلك فقد أصبحنا نستخدم بدلاً عن ذلك زيت السمسم.

أما أكثر ما يتحكم بجودة هذه الحلويات فهو درجة جودة موادها الخام، فمثلاً الفول السوداني والزيت والدقيق والنشا تختلف جودتها من صنف إلى آخر ومن بلد إلى آخر.
كما أن حرص كل محلات الحلوى على التمييز يتطلب تميزها أيضًا في اختيار هذه المواد، فمن الصعوبة إخفاء عيوب المواد الخام كاملة مهما كانت خبرة الحلواني.

وفي العادة يتم تناول هذه الحلويات كتحلية، كما تقدم للضيوف إما مفردة أو بخلط أكثر من نوع، من قبيل تقديم الحلوى القاسي مع الجبن ويسمى (مضروب) أو الهريسة مع الحلوى الرطب وتسمى (خلطة عدنية)، ودائمًا تكون مصحوبة بقهوة قشر البن غير المحلاة.

الهريسة اليمنية: شد الرحال إلى الحلويات
الهريسة اليمنية: شد الرحال إلى الحلويات
الهريسة اليمنية: شد الرحال إلى الحلويات
الهريسة اليمنية: شد الرحال إلى الحلويات
الهريسة اليمنية: شد الرحال إلى الحلويات

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات