عندما اندلعت الاحتجاجات الشعبية في عدد من الدول العربية قبل عقد من الزمن، فشلت الحكومات الغربية في التقاط زمام المبادرة والمساهمة في تلبية تطلعات الشعوب الى الحرية والديمقراطية، وفوّتت بهذا التلكؤ فرصة غير مسبوقة لهندسة إصلاحات حقيقية.
وتقول شخصيات من مسؤولين غربيين ومحللين وناشطين تحدّثت إليهم وكالة «فرانس برس»، إن التاريخ لن يكون رحوما مع أداء الغرب في ما يتعلق بـ«الربيع العربي». وضربت الوكالة في تقريرها أمثلة على تعامل الغرب مع الأحداث في تونس ومصر وليبيا وسورية.
شرارة نار البوعزيزي
في 17 ديسمبر 2010، أضرم البائع المتجول التونسي محمد البوعزيزي النار في جسده احتجاجاً على احتجاز السلطات المحلية بضاعته. وشكّل ذلك شرارة انتفاضة ضد نظام استبدادي في تونس ما لبثت أن انتقلت إلى دول أخرى، فأسقطت زعماء ورؤساء حكموا شعوبهم بقبضة من حديد طيلة عقود، مما شكّل زلزالاً جيوسياسياً في المنطقة.
لكن ما جرى باغت القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا، فلم تتمكن من التقاط هذه اللحظة لدعم الصرخات من أجل الحرية.
محاولات غير ناجحة
إلا أن ذلك لا يعني أن الغرب لم يحاول. فقد أوفد قبل وقت طويل من اندلاع الربيع العربي منظمات غير حكومية وهيئات شبه رسمية إلى المنطقة للعمل على تعزيز الرغبة بالديمقراطية والحرية. وعملت منظمات أميركية عدة تحديداً مع نظيراتها الألمانية مع المجتمع المدني والناشطين، للتدريب على أساليب النضال السلمي، كاستخدام شبكات التواصل الاجتماعي وإطلاق شعارات حالمة من شأنها أن تأسر مخيلة الجماهير. لكن مراقبين ومحللين يشككون في أنه كانت للحكومات الغربية يد مباشرة في إثارة الاحتجاجات.
ويقول سرديا بوبوفيتش المشارك في تأسيس منظمة «كانفاس» الصربية الداعمة الحركات المؤيدة الديمقراطية، «من أجل النجاح، مثل هذه المعارك يجب أن تأتي من الداخل: الرؤية، القيادة، الإعداد والأفكار يجب أن تكون وطنية».
«مبادرة الإصلاح العربي»
ويدحض الباحث ستيفان لاكروا من معهد باريس للدراسات السياسية كذلك نظرية «المؤامرة الأجنبية». ويقول «أولئك الذين يرون الإمبريالية في كل مكان يفشلون في تصديق أن الأفراد قادرون على تنظيم أنفسهم لأنهم سئموا». ويتفق الباحثون في تقييمهم على أن الغرب بدا كأعمى غير آبه بما يجري وافتقد للشجاعة اللازمة لاقتناص زمام المبادرة.
ويرى نديم حوري، المدير التنفيذي لـ«مبادرة الإصلاح العربي» التي مقرها باريس، أن الغربيين «استغرقوا أشهرا عدة للتفكير في الأمر، ثم أغلقوا الباب بسرعة في وجه تجربة التغيير الديمقراطي هذه».
ويضيف «بين العامين 2012 و2013، رأيناهم يعودون برؤية تستند فقط إلى الأمن الإقليمي». ولا يلقي حوري بكامل اللوم في ما جرى على الدول الغربية، إذ «لم يكن من المفترض أن ينتهي الأمر بهذه الطريقة»، لكن الغرب «في ظل هذا الفشل الهائل والخسائر، وهذه المأساة الإنسانية، فوّت موعده مع القدر».
تعليقات