الرغبة في معرفة الأصول المنحدر منها الشخص قد تكون قوية لدرجة أنه يدفع المال مقابل معرفة معلومة لن تغير من أمره شيئًا، وهذا ما يحدث في أميركا.
إذ يُقبل الملايين في الولايات المتحدة على إجراء فحص وراثي يباع عبر الإنترنت، مدفوعين بفضول كبير لمعرفة أصولهم، في ظاهرة تثير قلق بعض الخبراء من أن تساهم في تعزيز العنصرية في المجتمع الأميركي، حسب «فرانس برس».
فمقابل بضع مئات من الدولارات وعينات من اللعاب، بات ممكنًا تحديد الخريطة الوراثية للشخص ومعرفة ما إن كانت أصوله يطغى عليها العنصر الأفريقي أو الأوروبي، أو أنه ينحدر من السكان الأصليين في أميركا.
وصارت شركات كثيرة تعرض إجراء هذا الفحص للراغبين في معرفة أصولهم، وتقول إحدى هذه الشركات «آنسيستري» إنها أجرته لعشرة ملايين شخص، فيما تتحدث منافستها «23 آند مي» عن خمسة ملايين زبون.
وتقول بيفرلي شيا (67 عامًا) وهي متقاعدة أجرت الفحص بدافع الفضول: «أنا أعرف شجرة عائلتي، لكني ظننت أنه ربما كان لدي سلف من بلد آخر لا أعرفه».
إلا أن نتيجة فحصها كانت «مربكة»، إذ تبين أن شجرتها الوراثية موزعة بين إنجلترا وأسكتلندا وويلز وإيرلندا.
يرى مروجو هذا الفحص أنه مفيد اجتماعيًّا، لكونه يجعل الناس تدرك أن أصولها مختلطة بين الأمم فيخفف المشاعر العنصرية. وتقول شركة «23 آند مي» على موقعها الإلكتروني: «التنوع البشري رائع، نحن نحتفي به ونعطيه قيمته».
وللدلالة على صحة ذلك، نشرت الشركة مقطعًا مصورًا لاثنين من زبائنها أحدهما أسود من نسل الأفارقة الذين اُستُعبدوا في أميركا، والثاني أبيض سليل عائلة كانت تستعبد الأفارقة. لكن التحليل الوراثي أثبت ما لم يكن في الحسبان، وهو أن بينهما جَـدًّا مشتركًا.
تعزيز العنصرية أم مكافحتها؟
من شأن نتائج كهذه أن تذيب الفروقات الاجتماعية، وتعزز مسارات المصالحة في المجتمعات المنقسمة عرقيًّا.
ويرى كثيرون أن الفحص الوراثي من شأنه أن يدمر العقليات العنصرية، إذ هو يثبت أن أنساب البشر وأعراقهم متشابكة مختلطة.
لكن دراسة أعدتها جامعة كاليفورنيا تحدثت عن بعض الوسائل التي يسلكها أشخاص بيض يؤمنون بتفوق عنصرهم على السود، حين يكتشفون أن لديهم سلفًا أسود.
ومن هذه الوسائل في الالتفاف على نتائج الفحص القول إنه غير دقيق، وعكف باحثان في العلوم الاجتماعية على قراءة هذه الآراء على موقع «ستورمفرونت» المروج لفكرة تفوق العنصر الأبيض.
وتبين من تعليقات أولئك البيض الذين تلقوا «خبرًا سيئًا»، كما يقولون في إشارة إلى ظهور سلف أسود في جيناتهم، أن هذا الفحص لم يفلح في تغيير اعتقادهم العنصري، بحسب الباحثيْن. ويذهب البعض أكثر من ذلك، قائلين إن هذا الفحص الذي يقدم على أنه مضاد للعنصرية ما هو سوى «منتج يحمل بعدًا عنصريًّا في طياته».
ويقول تيموتي كولدفيلد الباحث في جامعة ألبرتا في كندا إن هذا الفحص «يبيع فكرة تقوم على أن الفروقات البيولوجية لها قيمة، أو أن التكوين البيولوجي يحدد هوية الشخص». ويتساءل الباحث: «هل نريد حقًّا أن نعيش في عالم يعرَّف فيه الإنسان من خلال جيناته؟»، وفق «فرانس برس».
وهو يرى أن معظم مَن يجرون هذا الفحص يفعلون ذلك بدافع الفضول واللهو، وليس لتغيير نظرتهم إلى العالم. ويؤيده عالم الإنتروبولوجيا، جون إدوارد تيريل، قائلًا: «الأعراق البشرية هي فكرة ابتدعها البشر، وإبدالُها اليوم بتعابير مثل أسلاف أو إرث يبدو من حيث الظاهر أنه ينطوي على تقدُّم، لكنه ليس كذلك في الحقيقة».
تعليقات