Atwasat

فرانس برس: كيف انهار قطاع النفط العملاق في فنزويلا

القاهرة - بوابة الوسط السبت 15 يناير 2022, 02:23 مساء
WTV_Frequency

في حقل ماراكايبو النفطي السابق في غرب فنزويلا، تتناثر على الأرض بقايا أنابيب ومعادن صدئة، في مشهد يعكس واقع الصناعة النفطية في فنزويلا التي كانت في أوجها في يوم مضى وباتت اليوم في أسوأ حال، وفقًا لوكالة «فرانس برس». 

وعلى الرغم من أن الإنتاج في شرق البلاد في حال أفضل؛ فإن الإهمال الذي تعاني منه المنشآت في ولاية زوليا؛ حيث نشأت الصناعة البترولية الفنزويلية قبل أكثر من قرن، يرمز إلى تراجع هذا العملاق النفطي السابق.

أزمة غير مسبوقة في قطاع النفط
في 2008، كانت فنزويلا تنتج 3.2 مليون برميل يوميًا، وكانت تعتبر من أكبر اقتصادات دول أميركا اللاتينية. بعد 13 سنة، لم تعد تنتج إلا 500 ألف إلى مليون برميل، بينما تجتاز البلاد أزمة غير مسبوقة في قطاع النفط تراجع خلالها الناتج الداخلي الصافي للفرد إلى أقل مما هو في هايتي.

ويعتبر حقل ماراكايبو بمثابة مدينة عائمة تلمع أضواؤها خلال الليل، ويمكن رؤيتها على بُعد كيلومترات من كل الجهات. اليوم، تحولت الى صحراء رطبة تفوح منها رائحة مواد نفطية تتسرب من آبار هنا وهناك، وتعرضت المنشآت للنهب، ولم يعد فيها أي شيء له قيمة، بما في ذلك الصنابير والصمامات التي كانت تتحكم بمخارج النفط الخام والغاز، ويقول صياد رفض الكشف عن هويته إن أحدًا لم يعد يجرؤ على المخاطرة بالمجيء إلى المكان «خوفا من انفجار بسبب الغاز» المتسرب.

في 11 يناير، وقع انفجار في أنبوب في الطرف الآخر من البلاد في منطقة نفطية في شمال شرق فنزويلا تسبب بإصابة ثلاثة أشخاص بجروح. وتتحدث النقابات والمعارضة باستمرار عن حوادث، لكن السلطة تتحدث بالأحرى عن «عمليات تخريب» و«أعمال إجرامية» تشكل «جزءًا من الحرب الدائمة التي تقودها مجموعات من أقصى اليمين، مدعومة من الإمبريالية في شمال أميركا»، على حد تعبيرها.

في السبعينيات، كان يطلق على البلد اسم «فنزويلا السعودية»، وكانت مجمل الشركات النفطية في تلك الحقبة مؤممة، وكانت شركة «بتروليوس دي فنزويلا» العامة العملاقة تملك الحق الحصري في إنتاج النفط، واستمر ذلك حتى «الانفتاح النفطي» في التسعينيات. لكن تحرير الإنتاج النفطي هذا ألغي جزئيًا في وقت لاحق مع وصول هوغو تشافيز الى السلطة. فرض تشافيز (1999-2013) على كل الشركات النفطية الانضمام الى بتروليوس التي أصبحت تملك أغلبية الأسهم في كل الشركات.

ويواجه القطاع النفطي صعوبات في استعادة مستوياته الماضية، وقد يعود ذلك إلى الفساد أو الخيارات الاستراتيجية الخاطئة، أو مشاكل الصيانة، أو تقادم الآلات الصناعية.

شركة «بتروليوم دي فنزويلا»
ولم ترد شركة «بتروليوم دي فنزويلا» على أسئلة «فرانس برس» حول الموضوع، بالنسبة إلى معظم الخبراء، تشكل المواجهة التي جرت في مطلع الألفين (1999-2013) بين تشافيز ومسؤولي شركة بتروليوم دي فنزويلا، مرحلة أساسية في بدء تراجع القطاع. وبلغت الأزمة أوجها مع إضراب تاريخي استمر من ديسمبر 2002 إلى مارس 2003، وتلته سيطرة كاملة من النظام السياسي على الشركة.

وطرد الرئيس الراحل عددًا كبيرًا من الكادرات وآلاف الموظفين ووظف أشخاصًا «أوفياء للثورة» لم تكن لديهم بالضرورة كفاءات للعمل في هذا المجال، وتحولت الشركة بالتالي إلى «البقرة الحلوب للدولة»، ومركز لتوظيف «الأوفياء» الذين يخدمون النظام، من دون أخذ في الاعتبار حاجات الاستثمار أو الشركة، وفق ما يقول أحد المحللين، وفضّل معظم الأشخاص الذين استجوبتهم وكالة «فرانس برس» حول هذا الموضوع الحساس في فنزويلا عدم الكشف عن هوياتهم.

وكان كارلوس (اسم مستعار) في الثامنة عشرة من عمره عندما بدأ يعمل في شركة بتروليوم دي فنزويلا في سنوات الألفين. كان الإنتاج تراجع في حينه إلى مستوى تاريخي بلغ 25 ألف برميل في اليوم، قبل أن يعود إلى الارتفاع ويشهد ازدهارًا. ويقول إن الشركة تحولت بعد ذلك «إلى حزب سياسي»، في ظل إدارة سيئة وتأميم للشركات المتعاملة معها.

في 2009، أصبحت سبعون شركة مكلفة بالصيانة ونقل الموظفين وغيرها في ولاية زوليا، ملكًا لشركة «بتروليوم دي فنزويلا» ويوضح كارلوس أن هذا أدى إلى «نقص في الصيانة وغياب المحفزات لدى الموظفين».

ويشير إلى أنه طلّق زوجته في تلك الفترة بعد تقلّص مدخوله، «نساء كثيرات تركن أزواجهن لأنهم لم يعودوا يعملون لدى بتروليوم دي فنزويلا، وتدمرت عائلات»، في تلك الفترة، شُلّت 34 ألف من آبار النفط العاملة في البلاد.

تضخم الأزمة في القطاع النفطي 
في 2013، تضخمت الأزمة. فبسبب عدم تقاضيهم أتعابهم، توقف عدد من المتعاملين مع الشركة عن العمل. توقفت الخدمات، فلم يعد هناك مثلا طعام يقدم إلى العمال في المنشآت النفطية. وتروي ماريا (اسم مستعار) أن بعض العمال في  قسم استخراج النفط راحوا يمضون يومهم في «الصيد لكي يحصلوا على الغذاء».

 ماريا تعمل في الشركة. في 2016، أدركت أن الضرر كبير في مرفأ ماراكايبو، عاصمة الغرب النفطية التي كانت تضج بالنشاط من قبل والتي باتت تضم مقبرة للحافلات المدمرة والسفن الغارقة. وكان العمال يسجلون حضورهم إلى مكان عملهم من دون أن ينجزوا شيئًا. وتقول ماريا «آلمني ذلك كثيرًا»، وتضيف: إن «توظيف الأشخاص بناء على انتمائهم السياسي أثّر كثيرًا على الإنتاج، وتم إبعاد أشخاص لديهم خبرة ومؤهلات»، وتتابع أن كل هذا خلق «وكر فساد» مع تجاوزات على أعلى مستوى وتمّ في ما بعد الحكم على بعض المسؤولين بالسجن وصولًا إلى سرقة المعدات.

وفي 2017، أطلق النظام عملية واسعة ضد الفساد داخل شركة «بتروليوم دي فنزويلا» استهدفت مسؤولين في الشركة العامة وبينهم نائب رئيسها رافاييل راميريز الذي اتهمه المدعي العام طارق وليام صعب بأنه أحد المسؤولين الرئيسيين «عن الإفلاس الناتج عن الفساد» في الشركة النفطية. ويؤكد راميريز الذي يعيش في إيطاليا في المنفى اليوم، بأن هذه الاتهامات سياسية، ويتحدث شهود عديدون عن استخدام المركبات التابعة للشركة لأغراض شخصية، وشراء سلع خاصة من أموال الشركة، وسرقة أجهزة كمبيوتر وتلفزيونات من الشركة.

ويشير أستاذ الاقتصاد النفطي في جامعة فنزويلا المركزية كارلوس مندوزا بوتيلا إلى أن هذه الممارسات كانت تحصل من قبل في الثمانينيات التي كانت تشكل العصر الذهبي، وفي مواجهة التقهقر، ترك عدد كبير من الموظفين وظائفهم ليجدوا عملًا آخر ويصبحوا سائقي سيارات أجرة أو موظفين في محال تجارية.

وواظبت ماريا على المجيء الى العمل مرتين في الأسبوع مقابل راتب يبلغ ستين بوليفار شهريًا (أقل من 15 دولارًا)، وتقول إنه، الى جانب الرواتب الجيدة، كان لدى الموظفين من قبل تأمين صحي ومساعدات مدرسية، «اليوم، نحن بين يدي الله».

وتضيف: «اليوم، لا يمكن لأي عامل أن يعيش من راتبه في شركة بتروليوم دي فنزويلا»، مشيرة إلى أن الوحيدين الذين يتقاضون رواتب جيدة هم «موظفون في شركات مختلطة»، أي في شراكات مع الصين أو روسيا، دول صديقة سياسيًا لفنزويلا، وطال النزف كل المستويات: من اليد العاملة غير المؤهلة إلى المهندسين أو الجيولوجيين الذين غادروا الى الخارج لتحصيل لقمة عيشهم.

انقطاع الكهرباء المتكرر
ويشكل انقطاع الكهرباء المتكرر منذ 15 عامًا في ولاية زوليا وعاصمتها ماراكايبو، مشكلة أساسية. وأصبح هذا الانقطاع عاديًا إلى درجة توقف دوام العمل عند الظهر، وبالتالي، تجد فنزويلا نفسها في وضع مليء بالتناقضات: فعلى الرغم من احتياطات عالمية غزيرة، هناك نقص في البنزين، واضطرت كراكاس إلى استيراد وقود إيراني أكثر من مرة.

أزمة الوقود ودورها  السلبي على الإنتاج
وتؤثر أزمة الوقود بدورها سلبا على الإنتاج، لأنها تعقد كل السلسلة اللوجستية، وعلى الرغم من أن تسلسل الأحداث لا يتطابق مع رواية الحكومة للأزمة، يتهم النظام الفنزويلي العقوبات الأميركية التي يعود أولها إلى العام 2014 والتي أضاف إليها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عقوبات جديدة في 2017، بأنها المسؤولة عن الوضع الكارثي للإنتاج النفطي.

ولطالما كان موقف واشنطن معارضًا للقادة الاشتراكيين في فنزويلا. فقد كانت علاقاتها متوترة مع تشافيز، وتسعى اليوم إلى الإطاحة بنيكولاس مادورو من السلطة. وكانت المعارضة قاطعت الانتخابات التي أدت الى إعادة انتخابه في 2018. كما قاطعت الانتخابات التشريعية في 2020، معتبرة أنها «مزورة» ولا تعترف قرابة خمسين دولة بمادورو رئيسًا شرعيًا لفنزويلا.

وتستهدف الولايات المتحدة التي كانت أبرز زبون للنفط الفنزويلي الخام، القطاع النفطي الفنزويلي بشكل خاص، وتمنعه من استيراد قطع غيار لمنشآته، وتعقّد العقوبات مهمة الموظفين الذين يحاولون إعادة الصناعة إلى السكة.

ويتذكر روي، وهو صياد سمك في الثلاثين، بداياته مع والده وكيف كان معجبًا بـ«لا كاسونا» الذي كان عبارة عن منصة لوجستية لحوالي 13 بئرًا نفطيًا في المنطقة، أما اليوم، فيتسرب النفط من هذه الآبار، فيلوث بحيرة ماراكايبو (13000 كلم مربع). ويقول روي إن «بقع الخام تعرقل العمل»، مشيرًا إلى أن شباكه غالبا ما تعلق في مياه لزجة بسبب تسرب النفط إليها. ويقول إنه خسر أكثر من 100 كلغ من السلطعون بسبب تلوثها بالبترول، وفي أكتوبر 2021، بثت وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» صورًا عبر الأقمار الصناعية للبحيرة تظهر فيها طحالب متداخلة وبقع نفط.

ويقول الخبير مندوزرا بوتيلا: «في قعر البحيرة، هناك أنابيب وقساطل متداخلة تشبه طبق سباغيتي يخرج منه النفط الذي يقتل التنوع الحيوي»، وغالبًا ما تتحدث تقارير عن تسربات نفطية لا تبلّغ عنها شركة بتروليوم دي فنزويلا، في كل المواقع التي يُنتج ويستخرج فيها النفط في البلاد.

وقرب ماتورين، عاصمة ولاية موناغاس شمال شرق البلاد، التسرب كثيف ويأتي من إمدادات ضخمة تعبر تحت مزارع ومنازل. في قرية لوس بوزوس دي غانيبا الصغيرة، الأنابيب متصدعة، ويشكو المزارع إليازار الذي يزرع الموز والبابايا من «تسرّب متواصل يسمّم كلّ شيء»، رغم ذلك، أشاد الرئيس الفنزويلي في بداية يناير بانتعاش في الإنتاج وصل الى مليون برميل يوميًا، وحدّد هدفا في 2022 بالوصول إلى مليونين.

وقال رجل أعمال لديه خبرة عقود في قطاع البترول لوكالة «فرانس برس» إن الأنشطة النفطية استؤنفت بعض الشيء في 2021، وإن شركة بتروليوم دي فنزويلا عادت لتدفع للمتعاملين.

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
شركة «تايك-تو» مبتكرة لعبة «جي تي ايه» ستصرف مئات من موظفيها
شركة «تايك-تو» مبتكرة لعبة «جي تي ايه» ستصرف مئات من موظفيها
اليونان: إضراب عمالي جديد يسبب اضطرابا في النقل العام
اليونان: إضراب عمالي جديد يسبب اضطرابا في النقل العام
بايدن يعتزم زيادة الرسوم على الصلب والألومنيوم الصينيَين ثلاث مرات
بايدن يعتزم زيادة الرسوم على الصلب والألومنيوم الصينيَين ثلاث ...
الأميركيون يلقون 68 مليون دولار سنويا في «القمامة»
الأميركيون يلقون 68 مليون دولار سنويا في «القمامة»
دراسة: تغير المناخ يقلص الناتج المحلي الإجمالي العالمي في 2050 بـنسبة 20%
دراسة: تغير المناخ يقلص الناتج المحلي الإجمالي العالمي في 2050 ...
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم