Atwasat

لبنانيون يلجؤون إلى زراعة «الحشيش» على وقع الانهيار الاقتصادي

القاهرة - بوابة الوسط الثلاثاء 20 أبريل 2021, 04:27 مساء
WTV_Frequency

خلال نحو ثلاثين عاماً، زرع أبوعلي البطاطس في أرضه في شرق لبنان، لكن في ظل الانهيار الاقتصادي المتسارع وتداعياته على القطاع الزراعي الضعيف أساساً، استبدل بالبطاطس زراعة «الحشيش»، الذي يجري تعاطيها كنوع من المخدرات، ويقول أبوعلي (57 عاماً) لوكالة «فرانس برس» عبر الهاتف: «لا محبة بالحشيشة، لكن كلفة زراعتها أقل ويسمح إنتاجها بحياة كريمة لنا».

منذ عقود، تزدهر زراعة «الحشيش» في منطقة البقاع، رغم حظرها من السلطات التي أقرت في أبريل 2020 قانون تنظيم زراعة القنب الهندي للاستخدام الطبي فقط، على اعتبار أن من شأن ذلك أن يوفر مئات ملايين الدولارات للخزينة، لكنه لم يدخل قيد التنفيذ بعد، ومع تسارع الانهيار الاقتصادي المتواصل منذ أكثر من عام ونصف العام، قرّر مزارعون صغار في المنطقة أن يحذوا حذو معارفهم، وأن يبدؤوا بدورهم زراعة «الحشيش»، لكن كثيرين منهم يخشون التحدث عن الموضوع خشية الملاحقة الأمنية.

زراعة الحشيش في بعلبك
ويقول أبوعلي الذي بدأ العام 2019 بزراعة «الحشيش» في أرضه في منطقة بعلبك شرق البلاد: «كنت أزرع البطاطس بكميات كبيرة والحمص والفاصولياء لكنها زراعة خاسرة»، أما «الحشيش» فأمرها سهل، خصوصاً أنها بـ«عكس الزراعات الأخرى، لا تحتاج إلى أسمدة ومواد كيميائية»، وباتت تباع بالدولار أو بحسب سعر الصرف في السوق السوداء الذي تخطى عتبة 12 ألفاً للدولار الواحد.

ويتحدث أبوعلي الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، عن فلاحين اضطروا إلى بيع منازلهم أو أراضيهم لسداد ديون تراكمت عليهم للمصارف أو حتى للمرابين، ويقول الأب لطفل يبلغ 11 عاماً: «حين كنا نزرع البطاطس، لم يكن بوسعنا حتى شراء المازوت لنتدفأ خلال فصل الشتاء»، أما اليوم، فينتج في الموسم نحو مئة كيلوغرام من الحشيشة التي يزرعها على أرض تمتد مساحتها على 20 دونماً.

ويتوقف سعر كيلو «الحشيش» على جودتها، ويتراوح بين مليون وخمسة ملايين ليرة، أي بين أقل من 100 و416 دولاراً، بحسب سعر الصرف في السوق السوداء، ويقول أبوعلي: «لا أعيش بترف، لكني بت متوسط الدخل، وقادراً على إعالة أسرتي»، وتزرع «الحشيش» مطلع الربيع وتحصد في سبتمبر، وتجفّف بعدها تحت أشعة الشمس قبل أن يجري تبريدها، ثم «دقّها» أو طحنها في معامل صغيرة في منطقة البقاع، في بلدة اليمونة القريبة من بعلبك، يدافع أصحاب الأراضي عن زراعة «الحشيش» التي تحقّق لهم مداخيل كثيرة.

ويقول نائب رئيس البلدية حسين شريف لـ«فرانس برس»، لقد «تخلّى مزارعون كثر في منطقة بعلبك الهرمل عن زراعات أساسية وباتوا يزرعون الحشيشة لأن كلفتها أقل ويحققون ربحاً بغض النظر عن سعر البيع»، ويُعد لبنان، وفق الأمم المتحدة، رابع منتج لعجينة «الحشيش» في العالم بعد أفغانستان والمغرب وباكستان. ويجد المنتج اللبناني بشكل أساسي أسواقاً له في منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً في سورية والأردن ومصر وقبرص وتركيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي.

وبغض النظر عن عدم قانونيتها، يُزرع اليوم 40 ألف هكتار من الأراضي على الأقل بـ«الحشيش» في لبنان، وفق تقرير لمكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة العام 2020، وفي خضم الانهيار الاقتصادي، أقرت السلطات قبل سنة تشريع زراعتها للاستخدام الطبي حصراً، بأمل أن يتيح ذلك إدخال عملة صعبة إلى البلاد عبر بيع الزيت المستخرج من «الحشيش»، لكنه لم يطبّق بعد في ظل شلل في المؤسسات وأزمة سياسية واقتصادية ضخمة.

ويشرح وزير الزراعة عباس مرتضى لوكالة «فرانس برس» أنه كان مفترضاً أن يحقّق القنب الهندي مدخولاً بقيمة 350 مليون دولار في السنة الأولى، على أن «نصل إلى مليار دولار» بعد خمس سنوات، ويضيف: «نحن بحاجة ماسة لأن تتشكل حكومة.. حتى نشكل هيئة ناظمة تصدر عنها المراسيم التطبيقية».

حكومة انهيار اقتصادي
وتدير البلاد منذ أكثر من ثمانية أشهر حكومة تصريف أعمال على وقع انهيار اقتصادي، في انتظار أن تتفق الأطراف السياسية الرئيسية الغارقة في سجالات وانقسامات، على حكومة جديدة، ويتحدث وزير الزراعة اليوم عن تعاون مع مؤسسات المجتمع الدولي من أجل إنعاش «قطاع عانى من إهمال على مدى عشرات السنين».

وكسائر القطاعات اللبنانية، لم تسلم الزراعة من تداعيات الانهيار الاقتصادي. وتتحدث منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «فاو» عن «تراجع كبير» في الإنتاج الزراعي العام الماضي، وفق تقديرات غير رسمية حصلت عليها، ويقول ممثل المنظمة في لبنان موريس سعادة لـ«فرانس برس»، قد يسوء الوضع أكثر في العام 2021، مشيراً إلى ارتفاع أسعار المواد التي يستخدمها المزارعون مثل السماد والبذور.

ويتحدث عن مزارعين «يغرقون أكثر وأكثر في الديون»، وآخرين توقفوا عن العمل أساساً أو يستخدمون «بذوراً قديمة وبالتالي ينتجون محصولاً أقل»، ولتشجيع الزراعة، ستوزّع المنظمة على نحو 30 ألف مزارع مبلغ 300 دولار لكل منهم لمساعدتهم على شراء المواد الأولية اللازمة، لكن بالنسبة لكثيرين، لم يعد هناك طريق للعودة إلى الخلف. ففيما الزراعات التقليدية تخسر، تبقى زراعة «الحشيش» هي الحل.

في العام 2018، وبعد أكثر من 20 عاماً من زراعة البطاطس، قرّر محّمد (60 عاماً) أن الوقت حان لكسب المزيد، ويقول لـ«فرانس برس»، إن « زراعة البطاطس خرّبت بيتي، تعود علي بالربح لعام واحد، وأخسر منها ثلاثة أعوام أما زراعة الحشيشة فلا خسارة فيها»، ويزرع محّمد الذي استخدم اسماً مستعاراً عشرة دونمات من أرضه بـ«الحشيش». ويمدّ جيرانه بالمياه من بئر جوفية لديه مقابل أن يحصل على جزء من إنتاجهم من «الحشيش» أو مقابل مادي، ويقول: «لولا زراعة الحشيشة، لما وجد الناس ما يأكلونه».

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
«سوبارو» تستدعي أكثر من 118 ألف سيارة في الولايات المتحدة
«سوبارو» تستدعي أكثر من 118 ألف سيارة في الولايات المتحدة
الذكاء الصناعي يقضي على 8 ملايين وظيفة في بريطانيا خلال 5 سنوات
الذكاء الصناعي يقضي على 8 ملايين وظيفة في بريطانيا خلال 5 سنوات
تسارع التضخم في إسبانيا إلى 3.2% على أساس سنوي في مارس
تسارع التضخم في إسبانيا إلى 3.2% على أساس سنوي في مارس
توقعات متشائمة للنمو الاقتصادي في ألمانيا بسبب بطء تعافي الاستهلاك
توقعات متشائمة للنمو الاقتصادي في ألمانيا بسبب بطء تعافي ...
العالم يهدر مليار وجبة يوميا بتريليون دولار.. والأمم المتحدة: «مأساة عالمية»
العالم يهدر مليار وجبة يوميا بتريليون دولار.. والأمم المتحدة: ...
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم