حذر البنك الدولي من أن الاقتصاد الليبي على شفا الانهيار، وقال في تقرير حديث له إن الجمود السياسي والصراع الأهلي دون استغلال البلد لكامل مورده الطبيعي الوحيد وهو النفط.

وأشار إلى أنه «مع انخفاض إنتاج النفط إلى خمس إمكاناته فقط، هبطت الإيرادات مما دفع عجز الموازنة وعجز الحساب الجاري إلى ارتفاعات قياسية، بالإضافة إلى فقدان الدينار السريع قيمته تسارع معدل التضخم مما أدى إلى المزيد من تآكل الدخل الحقيقي.

تراجع نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بنحو ثلثي مستواه قبل الثورة إلى 4458 دولارًا

وقال إن «استمرار الجمود السياسي يحول دون تحقيق البلد إمكانات النمو التي يتمتع بها، إذ تشير التقديرات إلى تراجع إنتاج النفط للسنة الرابعة على التوالي في العام الجاري»، مشيرًا إلى أن ليبيا تمكنت من إنتاج 335 ألف برميل يوميًا في المتوسط خلال النصف الأول من 2016، أي إلى أقل بحوالي 20% مما كانت تنتجه في النصف الأول من العام 2015.

ولذلك رصد البنك الدولي في تقريره أن الاقتصاد ظل غارقًا في حالة ركود منذ العام 2013، مع تقلص إجمالي الناتج المحلي بما بقدر بنسبة 8.3% في العام 2016، وتراجع نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بنحو ثلثي مستواه قبل الثورة إلى 4458 دولارًا.

وهو ما انعكس في استمرار الضغوط التضخمية مرتفعة على مدى النصف الأول من العام الجاري، مما أدى إلى خسارة كبيرة في القدرة الشرائية الحقيقية للسكان، خصوصًا في ظل تزايد أسعار المواد الغذائية الأساسية.
وقال البنك الدولي إن « الافتقار إلى الأموال اللازمة لدفع الدعم المستحق لموردي وموزعي المواد الغذائية الأساسية منذ أكتوبر 2015 ترتب عليه إلغاء دعم الإغذية بحكم الواقع؛ ولذلك برز نقص في الإمدادات الغذائية، وازدهرت السوق السوداء.

معدل التضخم قفز إلى 24% في النصف الأول من العام 2016 وسيبلغ 20% في المتوسط بنهاية العام

الأمر الذي أدى إلى ازدياد أسعار المواد الغذائية بنسبة 31% في النصف الأول من العام الجاري، وقفزت معدلات التضخم الشامل إلى 24% خلال الفترة ذاتها، وتشير تقديرات خبراء البنك إلى أن التضخم سيبلغ 20% في المتوسط خلال العام 2016.

وجاء في التقرير أن الصراع السياسي المتواصل في ليبيا وتدني أسعار النفط ألحقا أضرارا شديدة بالمالية العامة، إذ هبطت إيرادات النفط إلى أدنى مستوى مسجل عند 3.2 مليار دينار فقط أثناء الشهور السبعة الأولى من العام 2016 (يناير ـ يوليو)، وهو مالا يمثل إلى 10% من الإيرادات التي تحققت خلال الفترة نفسها من العام الماضي.

وبالنسبة للعام 2016 ككل يقدر خبراء البنك بأن يصل إجمالي الإيرادات إلى 8 مليارات دينار، وهو مايكفي بالكاد لتغطية الإنفاق المتوقع على الدعم خلال العام نفسه. كما يتوقع الخبراء تراجع الإنفاق على الدعم بنسبة 25%، نتيجة انخفاض أسعار المحروقات المستوردة وإلغاء دعم المواد الغذائية.

وأشارت التقديرات إلى أن الأجور انخفضت أيضا بنسبة 8.7%، انعكاسا لجهود إلغاء ازدواجية المدفوعات من كشوف الرواتب الحكومية من خلال التوسع في استخدام رقم الهوية القومي.
ورصد تقرير البنك الدولي ارتفاع شديد في الإنفاق على الأجور والدعم (61% ، و18.4% من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي)، في الوقت الذي انخفض فيه الإنفاق الرأسمالي إلى 14 % عما كان عليه قبل الثورة.

ازدياد متسارع للدين المحلي ليصل إلى ذروته 110% في العام الجاري

وخلص إلى إنه بوجه عام، ظل عجز الموازنة شديد الارتفاع عند 69% من إجمالي الناتج المحلي، وجرى تمويل هذا العجز بشكل رئيسي عن طريق الاقتراض من المصرف المركزي وبدرجة أقل من البنوك التجارية.

وعلى الرغم من أن الحكومة كانت مقرضا صافيا قبل الثورة، فقد ازداد الدين المحلي بسرعة منذ ذلك الحين ليصل إلى ذروته عند 110% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2016.
أما بالنسبة لميزان المدفوعات، ذكر البنك الدولي أن الجمود السياسي المتواصل تسبب في هذا العجز، الذي تفاقم مع أسعار النفط المتدنية، فلا تصدر ليبيا إلا 200 ألف برميل نفط يوميا هذا العام، وهو أقل من 16% من إمكانياتها.

و في ظل هذا الوضع من المتوقع أن يتفاقم العجز في الحساب الجاري هذا العام إلى مايقدر بـ61% من إجمالي الناتج المحلي، ولكي يتم تمويل هذه العجوزات (عجز الموازنة والمدفوعات والحساب الجاري) تتعرض احتياطيات النقد الأجنبي للاستنزاف بسرعة.